انعقد في جامعة ايكستر بانجلترا المؤتمر السنوي حول الخليج خلال يومي 1و2 سبتمبر/ أيلول 2014، بتنظيم من مركز دراسات الخليج بالجامعة ومدرسة العلاقات الخارجية بجامعة جورج تاون في قطر، وكان بعنوان «الهوية والتراث في الخليج»، وقد دعي للمؤتمر أكاديميون واختصاصيون في المتاحف والتراث والهوية من جامعيين وممارسين.
أفتتح المؤتمر بكلمتين لجيرد نونمان، ممثلاً لجامعة جورج تاون بالدوحة، ومارك فالري، ممثلاً لجامعة اكستر، حيث أوضحا التحضيرات لهذا المؤتمر وكسره للمألوف، بالتركيز على موضوعٍ واحدٍ في المؤتمر السنوي حول الخليج بجامعة “اكستر”.
معظم مقدّمي أوراق هم من الأكاديميين الغربيين المهتمين والمختصين بالتراث والمتاحف والهوية، ومعظمهم عمل في هذا المجال في دول الخليج، إما باحثاً أو استشارياً أو مسئولاً في أحد هذه المتاحف، أو زائراً لفترة معينة، وبعضهم ممن يعدون أطروحات للماجستير أو الدكتوراه في هذا المجال.
والاستثناء هو باحث عربي، يعمل لدى حكومة أبوظبي، في مجال إعداد المعارض الخارجية لأبوظبي سابقاً، والإمارات حالياً. وقد اعتذر في آخر لحظة صلاح المزروعي. استشاري عماني وكانت ورقته حول السياحة والتراث في عمان. وبالفعل ففي الجلسة الختامية جرى التنويه إلى عدم توازن تركيبة المؤتمر، وغياب أكاديميين أو باحثين أو مسئولين من أبناء الخليج العربي، ورغم ذلك فقد كان المؤتمر غنياً بأوراقه الخمسة عشر، أما أهم محاور المؤتمر فهي كما يلي:
المحور الأول: ظاهرة ازدهار إقامة المتاحف في دول مجلس التعاون الخليجي، المعني بعضها بالتراث الوطني، وبالحضارة الإسلامية؛ والبعض الآخر بالفن الحديث. ويلاحظ مثلاً أن قطر قد أقامت خلال السنوات الثلاث الماضية، ثلاثة متاحف، وهي متحف الحضارة الإسلامية، والمتحف الوطني، ومتحف الفن الحديث. أما أبوظبي فبصدد إقامة متحف السوربون، وبه مقتنيات من متحف السوربون الفرنسي، إضافةً إلى المتحف الوطني. كما أن إمارة الشارقة أقامت المتحف البحري.
وفي عمان هناك متحف آل الزبير، ومتحف الفن المعاصر. أما الكويت فلديها المتحف الوطني الذي يشمل قسماً للتراث البحري. والبحرين كانت سبّاقةً في إقامة المتحف الوطني المعروف. والملاحظ أن هذه المتاحف القائمة والقادمة تستهدف، إلى جانب عرض التراث الحضاري للبلد المعني أو المنطقة الأكبر الخليج العربي والجوار، إبراز الهوية الوطنية، التي تواجه التهديد بالاندثار، وإبراز نمط الحياة والملابس والفنون، خصوصاً التراث البحري والصحراوي والزراعي الذي اشتهرت به المنطقة، في ظل التحولات الكبيرة التي أدت إلى اندثار صيد اللؤلؤ وتجارته، والذي كان عصب الحياة في الخليج، وكذلك صناعة السفن الخشبية والنقل البحري، واندثار شبكات الريّ (الأفلاج) وجفاف عيون المياه، وبالتالي تراجع كبير في الزراعة. وبالطبع اندثار النشاط الاقتصادي المرتبط بالصحراء كتربية الحيوانات كالإبل باستخدامها تجارياً في النقل، بحيث أضحى محصوراً بتربية الخيل والإبل كمتعة أو مباهاة أو رياضة.
لقد برزت كلاً من أبوظبي وقطر، كرائدتين في إقامة المتاحف العالمية، واقتناء نتاجات فنية عالمية غالية الثمن، وتنظيم عروض لمقتنيات متاحف عالمية، واستضافة فنانين عالميين، وذلك في إطار العولمة، ومحاولة إبراز الوجه الحضاري لهذين البلدين.
كما يُلاحظ في معروضات ومقتنيات هذه المتاحف إبراز دور الأسر الخليجية الحاكمة، وهيمنتها على المشهد التاريخي لهذه البلدان. ومن خلال النقاش لهذا المحور، وُجّهت انتقادات إلى محدودية ما هو معروض من تراث ومقتنيات تمثل حياة الناس العاديين ونضال شعب هذه المنطقة ضد المستعمرين المتواترين، مثل البرتغاليين والانجليز والفرس والعثمانيين، وكذلك نضالاتهم من أجل الحرية والكرامة، ومن ذلك انتفاضات الغواصين في البحرين، وحركة الشورى الإصلاحية في كلٍّ من الكويت والبحرين ودبي، وكذلك الهبات الشعبية من أجل التحرر والديمقراطية والحقوق. كذلك عدم إبراز الرواد من أبناء المنطقة في الإصلاح والتعليم، والعلوم والطب والهندسة والمعمار والنفط والبحار وغيرها. كما يلاحظ عدم إبراز إسهام الوافدين، خصوصاً الرواد من العرب والهنود والأوروبيين وغيرهم في تاريخ وبناء هذه البلدان، ومساهمتهم في انتقالها من بلدان شديدة التخلف إلى بلدان متقدمة.
المحور الثاني تركّز حول التراث سواء الخاص بكل بلد أو الخليجي العام والعربي المشترك. ومن الملاحظ أن هناك سعياً حثيثاً سواء من خلال ما يعرض من متاحف أو مراكز متخصصة، أو مهرجانات ومؤتمرات ومنتديات، العمل على إبراز خصوصية كل بلد خليجي وأحياناً إمارة في ذلك البلد، للتأكيد على شرعية الدول القائمة، في حين أن الشواهد التاريخية تؤكد على الهوية الخليجية الجامعة، بمختلف مكوناتها البشرية عرباً وعجماً، وبدواً وحضراً، وسكان السواحل والبادية، ومن مختلف المذاهب والعشائر والعائلات.
وقد طرح في المؤتمر أنه قبل قيام دول الاستقلال في الخليج منذ الستينيات، كانت الهجرات والتجارة والتبادل ما بين شاطئي الخليج العربي والإيراني، وكذلك مع جنوب الجزيرة العربية، أفضل وأنشط بكثير منها حالياً، حيث لم تكن هناك قيود على الجنسية والإقامة والتملك والعمل، كما هي القيود المفروضة الآن.
المحور الثالث تناول النشاط البحري الذي اشتهر به أبناء الخليج، ويشمل تصنيع أنواعٍ مختلفةٍ من السفن الخشبية الشراعية، ثم الممكننة التي تجاوزت ملاحتها الخليج لتصل إلى شواطئ الهند الغربية وجنوب الجزيرة العربية وشواطئ أفريقيا الشرقية. بل إن الإمبراطورية العمانية امتدت إلى شواطئ الهند الغربية وشواطئ أفريقيا الشرقية، ووصلت سفنها إلى إندونيسيا وأميركا.
لقد أزاح التحديث كثيراً من صناعة السفن الخشبية والنقل البحري وخبرات الملاحة البحرية. وحسناً فعلت بعض دول الخليج بإقامة متاحف بحرية، لكن الأهم هو ضرورة إحياء هذا النشاط التجاري والبحري، وهو أمرٌ ممكن.
وقد عُرض نشاط الغوص من أجل اللؤلؤ وتجارته، وكان بمثابة النفط هذه الأيام، ولكنه اندثر تماماً بفعل عدة أسباب ومنها اللؤلؤ الصناعي الياباني، لكن ذلك لا يعني عدم إمكانية إحيائه.
المحور الرابع شمل استخدام العلوم الحديثة لتوثيق وعرض التراث الحضاري، ومنها استخدام التصوير الثلاثي الأبعاد لتوثيق مختلف أنواع السفن، ورصد التغييرات في السفن المستخدمة حالياً للعروض في المتاحف، وبالطبع استخدام النظائر المشعة لتحديد الفترات الزمنية لمنتجات التراث.
المحور الخامس تناول التدمير الهائل للآثار نتيجة الزحف العمراني والمشاريع العقارية العملاقة، ومن أبرز ذلك تدمير عشرات الألوف من التلال الأثرية في البحرين، وهي خسارة كبيرة للحضارة الإنسانية لا تعوض، وكذلك تدمير بيوت ومعالم أثرية أمام الزحف العمراني.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4390 - السبت 13 سبتمبر 2014م الموافق 19 ذي القعدة 1435هـ