تكتظ الساحة العربية بالكثير من الأحداث كما هي القصص التي تدفع بالأسر العربية إلى الهجرة من بلد إلى آخر وذلك بحثاً عن الاستقرار الذي يضمن الحقوق المدنية والسياسية وأيضاً الذي يضمن فرص العمل وربما الطموح الذي يكون متوافراً وهو بالعادة إما معطل أو غائب كلياً في المجتمعات العربية الغارقة في تناحرات وصراعات بسبب الأنظمة السياسية السلطوية.
هذه الأنظمة التي لا تعطي فرصاً إلا لاعتبارات عرقية أو دينية أو طائفية أو قبلية بعكس ما هو معمول به في الدول المتقدمة التي تنظر إلى الفرد كونه إنساناً وعنصراً منتجاً وفعالاً داخل المجتمع الذي يعيش فيه، أي أن مهارات وكفاءة الشخص هي التي تحدد وليس طائفته أو قبليته أو حتى دينه كما هو الدارج في مجتمعات المشرق العربي.
لكن هل الحل يكمن في الهجرة للتخلص من براثن الفرقة والعنصرية والاضطهاد السياسي وإن كان الأمر كذلك فلماذا لا تُصحح أوضاع المجتمعات العربية من الداخل؟ أحد المستشرقين الغربيين الذين التقيتهم مؤخراً قال لي إن ما حدث في بلد مثل البرتغال قبل أربعين عاماً متمثلاً في ثورة القرنفل التي قادها جميع أبناء الشعب البرتغالي في 25 أبريل/ نيسان 1974 لم تكن ثورة سياسية بل صاحبتها ثورة ثقافية غيرت الأفكار والعقليات وحتى النظرة فيما بين البرتغاليين أنفسهم وهم الذين كانوا ضحايا نظام سياسي استبدادي إلا أن التغيير لم يتوقف فقط بإسقاط وتغيير النظام ولكن بتغيير في التعامل من لشبونة إلى بورتو ومن بورتو إلى الجارف فكانت النتيجة ثورة سياسية وثقافية احترمت جميع البرتغاليين وتعاملت بالمثل مع الجميع.
وبالنظر إلى ما يحدث عندنا سواء في البحرين أو في أي بلد عربي من دون استثناء فإن فكرة الهجرة هي مسالة أصبحت مطروحة بصورة قوية في أوساط الشباب المحبط من سياسات الدول المشغولة في بسط ثقافة القبضة الأمنية التي تحمي مصالح إما القبيلة أو الطائفة – بمعنى آخر – لا يمكن أن يتطور المرء من دون الآخذ بتلك الاعتبارات ولو جاء وانتقد فإن آلة القمع وأسلوب الزج بالسجون هو الطريق الأمثل لإخماد كل شخص يريد أن يلعب دوراً داخل مجتمعه أو يمارس حقوقه السياسية من دون خوف.
ربما ما حدث لبعض الأشخاص من حظ في المهجر بأن استطاع مثل هؤلاء الشباب العربي أن يحقق ما لم يحققه شباب مثله في دوله، ولعل تجربة النائب النرويجي من أصل بحريني عبدالله الصباغ، الذي لم يتجاوز الثامنة والعشرين، مثال حي في كيفية الاستفادة من فرص الحياة والتأقلم في مجتمعات لا تنظر إلا إلى الفرد كإنسان فقط من دون أي شيء آخر.
الصباغ قال: «بلد مثل النرويج لا يهدر طاقات شبابه»، وهو كلام مؤثر وحقيقة لكن لو كان مثل الصباغ عائشاً في بلد عربي فقط يكون مصيره لا يختلف كثيراً عمّا نشاهده اليوم في المشهد السياسي العربي فهو إما يكون شاباً عاطلاً محبطاً أو إرهابياً حاقداً أو منافقاً لا رأي له سوى التبعية في كل شيء.
الصباغ نموذج للإنسان الحر والناجح في بلد مفتوح ومتقدم وهو الذي هاجرت أسرته قادمة من البحرين إلى العاصمة أوسلو بالنرويج في ثمانينات القرن الماضي، وهناك تلقى تعليمه المدرسي والجامعي إذ حصل على بكالوريوس في الإدارة العامة إضافة إلى دراسته في مجال التاريخ واللغة العربية. واليوم تألق اسم عبدالله الصباغ هذا الشاب البحريني الذي لم يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره في الأوساط الحزبية النرويجية وفي عالم السياسة والإعلام بالنرويج، إذ ينتمي النائب إلى حزب العمال النرويجي، وهو نائب في مجلس محافظة مدينة أوسلو. ويشغل منصب الناطق الرسمي لحزب العمال في أوسلو لأمور النقل والبيئة والرياضة. ولن يكون الصباغ الوحيد فقط، فقد قلدت النرويج وزيرة للثقافة مسلمة هي هاديا طاجيك في العام 2012 التي عملت في مجال الصحافة والمحاماة وفي العمل الحزبي.
لاشك في أن ما يبحث عنه الشباب العربي اليوم هو وطن يعطيه ما يريد من دون قيد أو شرط وبنظام سياسي يحترم إنسانيته، يكسبه حقوقاً مدنية وسياسية عبر دستور ديمقراطي يحقق له طموحه في أن يكون فرداً فعالاً في صنع مستقبله وصنع القرار السياسي في حال تحقق طموحه في أن يكون وزيراً أو رئيساً أو غير ذلك عبر نظام ديمقراطي يعترف بالفرد وحقوقه من دون أي معايير أخرى.
النرويج استطاعت أن تقدم طريقة لرد التطرف والإرهاب في بلادها أي بعد ما في 22 يوليو/ تموز 2011 عندما قام المتطرف «أندرس بهرنغ بريفيك» بالهجوم على معسكر شبابي في النرويج انتقاماً من سياسة التسامح مع المهاجرين والمسلمين... الصباغ وغيره أصبحوا اليوم وجوهاً من النرويج تتكلم بلغة حضارية لا يمكن تجاهلها.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4390 - السبت 13 سبتمبر 2014م الموافق 19 ذي القعدة 1435هـ
قال تعالى سائلا بني اسرائيل:أتستبدلون الذي هو ادنى بالذي هو خير؟
هو حال المواطن البحراني الطيب الاصل والفصل صاحب التاريخ المشرّف استبدل بما سواه
الإنسان البحريني العظيم الذي فقد قيمته وكرامته في وطنه
عندما يسلب الانسان البحرين كل مقومات العزّة والكرامة في وطنه ويذهب للبحث عنها في الخارج فذلك شاهد على ما يعانيه هذا الشعب من حرب شعواء تشنّ عليه من اجل تهجيره وطرده من وطنه
الإنسان البحرين من المعادن النفسية التي لا يعرف قيمتها في بلدها
تاريخ الانسان البحريني وحاضره ومستقبله يشهد لهذا الإنسان بأنه معدن من المعادن النفيسة النادرة ولكنه كالدر الذي بيد الفحّام الذي يبيع الفحم حيث لا يعرف قيمة الدر لأن يداه مملؤة بسواد الفحم