في الرواية الصادرة عن دار الآداب للبحرينية رنوة العمصي والمنجزة من خلال محترف نجوى بركات «كيف تكتب رواية؟» وبالتعاون مع وزارة الثقافة البحرينية، والموسومة «زيارة»، تجد عند عتبة العنوان «زيارة» دلالة بسيطة جد تشي بفعل الزيارة من شخص قريب أو بعيد، لا تنبش - فعلاً- في المعنى الأبعد من المعنى الظاهر، لكنها تذهب بعيداً جداً مع «الزائر» لمدلولات وقضايا كثيرة تتشعب ثم تعود لتتشابك. نجد في عتبة الغلاف صورة لـجذر شجرة ما تحاصرها النيران، وإذا ما قلبنا الغلاف قد يتحول الجذر لفروع شجرة تحترق. في الحالتين ثمّة إحالة للوطن كشجرة والهوية كجذور.
تتلخص أحداث الرواية التي تسردها طفلة لأب فلسطيني وأم مصرية، في رصد قدوم جد الطفلة لأبيها قادماً من غزّة، ويكون الهدف من الزيارة هو إقناع ابنه بالعودة للمطالبة بأرضهم وبيتهم الذي يمتلكون صكوكاً عليه قبل تهجيرهم منها من قبل المحتل الإسرائيلي وعصابات اليهود، لكن الابن يرفض العودة والتخلي عن ما أسسه من مكانة وأسرة وعمل مستعيناً بمال زوجته المصرية، ينتهي الأمر بمغادرة الجد بخيبة كبيرة في ولده البكر الذي يختلف بتفكيره تجاه قضاياهم المشتركة.
القضيّة الأم «العودة»
في الحقيقة كان من المثمر لو أن العنوان تحوّل من «الزيارة» إلى «العودة» فكل المدلولات كانت تصب في قضية «حق العودة» والإيمان القاطع الذي ورثه الجدّ عن آبائه وأراد أن يحمّلها لابنه من بعده وإقناعه بعدم التنازل عن الحق المغتصب ومواصلة الأمل الذي يبدو جلياً أن الابن قد فقده تماماً لدرجة يعتبره وهماً مطلقاً، الأوراق والصكوك تقول شيئاً لكن الواقع يقول شيئاً آخر تماماً، ومحمّلاً أباه كل الخسارات السابقة وأنكر عليه غريزة حب البقاء لأنه هرب تاركاً أرضه وبيته.
«أنا يا أبي غزّة ما عادت تعرفني بعد خمسة عشر عام غياب. أنا لو عدت أضيع بشوارعها، لا أعرف ثمن رغيف الخبز فيها، كيف برعاية بيت به رجاله ونصف دنم زراعة بها فلاحها. أنا وإن كنت أكبرهم فإنني أقلهم معرفة بهذا...»صــــ120ـــ
«وأنتم جبناء يا أبي.. جبناء فررتم مثل الدجاج من بيوتكم مذعورين، حتى قبل أن تصلكم عصابات اليهود. تركتم أراضيكم وبيوتكم، أنت تركت أمك، وغيرك نسي أطفاله من الذعر وهرب. إن كان ثمّة موت وجب، فقد كان يجب حينها أن تموتوا على أعتاب بيوتكم، وليس اليوم.. أفسدتم كل شيء، فلا تدّعي أنك تعرف كيف تصلحه.. تتحدثون عن الأرض كأنكم لستم من ضيّعها..»صــــ122ــ
المرأة تتبع زوجها لا هويتها
ثمّة قضية أخرى في هذه الرواية وتتمثل في الزوجة المصرية التي تزوجت من فلسطيني، الخوف والذعر الذي يصيبها من فكرة أن الزوج قد يقرر العودة لجذوره والسكن في وطنه، كيف سيكون مصيرها في ظل عرف «الزوجة تتبع زوجها»؟ وفي حال يكون للزوج حق الرجوع لأصله والتمسك بهويته ويدافع عن وطنه، يساق بالمرأة للتخلي عن هويتها و أرضها وجذورها لتكون نسخة عن زوجها، وهذا أمر لا يمكن أن يعبر بهذه الصورة دون أن يترك جرحاً غائراً في النفس، الجذور لا تُقتلع إلا بجريمة، في الأوطان العربية على المرأة أن تتبع زوجها لا هويتها أن تستقر في وطنه لا وطنها ولهذا أسباب لسنا في واردها لكن من الجيد التنبه لها والإشارة لها في هذه الرواية.
زفرة أخيرة
ما أستطيع أن أجزم به في هذا العمل أن صوت الراوي يتناسب تماماً مع عمر الطفلة الساردة، وهذا أمر لا يمكن أن يتجاهله قارئ العمل ويستحق أن يكون مثالاً حياً لتناسب الأصوات داخل العمل الروائي.
في ما يخص الجزء الأكبر من الوصف لما قبل الزيارة وسرد المشاهد والحيّ والمحال وحركة الجيران، «الحلاّق، حسن البائع، الكهربائي، الباعة الجائلين..» والتوغل في سيرة بعض الشخوص كـالغريب حسن واقتناص إشارات مقتضبة في تساؤل طفلة فيما يتعلق بالغربة أو فيما يجوز للكبار ولا يجوز للصغار وما يجوز للرجل ولا يجوز للمرأة كما في «تنشر زوجة حسن ملابسه الداخلية أمام المارة، لكنها تداري دائماً وهذا - ما يفعله الجميع- حين تنشر ملابسها الداخلية هي».
ليس من خلل في الوصف، لكن الضعف أن يحتل أمر هامشي كل هذه المساحة بينما القضية الأساس لا تستلزم بضع صفحات وحسب. نتفهم أن يكون العمل تحت ضغط الوقت وهذا ما يجعلنا نأمل بأن نقرأ للعمصي عملاً أكثر جمالاً من حيث المضامين والأفكار?
العدد 4389 - الجمعة 12 سبتمبر 2014م الموافق 18 ذي القعدة 1435هـ
مبدع يا أستاذ
تحليلك مقنع وهادئ يا أستاذ عبدالعزيز .. و نشاطك الأدبي ملحوظ .. تمنياتي لك بالتوفيق