العدد 4389 - الجمعة 12 سبتمبر 2014م الموافق 18 ذي القعدة 1435هـ

«الحجر» وأطلال المقدسات: أبو اللقا وأبو محارة

في الحلقة السابقة تطرقنا للأدوار المتبادلة للقرى القديمة في البحرين، ففي حقبة زمنية تزدهر منطقة معينة، ويشيع ذكرها، ثم تتبدل الأدوار، فتُنسى، وتقوم أخرى مقامها، وقد تختفي بعض القرى وتنشأ قرى أخرى مكانها. وأحياناً تعمل المكنة الإعلامية في تضخيم مناطق على حساب مناطق أخرى. على سبيل المثال، من مواقع الآثار التي يتردد ذكرها دائماً، موقع قلعة البحرين، ومعابد باربار، ومدينة سار، ومقابر عالي، بينما هناك مقبرة أهمل ذكرها، وهي التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة، وهذه مقبرة تثير الجدل بين علماء الآثار، فبين تلال قبور قرية الحجر توجد مستوطنة دلمونية، وفي قبور قرية الحجر الأثرية عثر على أقدم أثر يدل على وجود الحضارة في البحرين، هذا، واستمر الاستيطان فيها حتى الحقب الإسلامية. لا نعلم بالتحديد متى ارتبطت المنطقة باسم «الحجر»، إلا أن أقدم ذكر لاسم قرية «الحجر» كان قرابة العام 1560م وذلك على حجر قبر قديم يوجد في المقبرة المشتركة بين كرانة والقلعة وحلة العبد الصالح، وهو قبر «محمد بن ناصر بن عبد الله بن ربيع الأوالي»، والذي توفي عام 1560م (Kalus 1990, pp. 86 - 87)، والذي بني عليه مسجد يعرف باسم مسجد الروضة؛ وعليه فإن قرية الحجر كانت معروفة قبل هذا التاريخ بعشرات السنين أو ربما أكثر من ذلك.

اشتهرت قرية الحجر بالزراعة حيث كان بها 12.000 نخلة تقريباً في نهاية القرن التاسع عشر، وكانت تروى أراضيها من آبار عديدة (Lorimer 1908, V.2, 220). وأشهر عيونها عين الكرش (التاجر 1994، ص 35). وعلى رغم عراقة هذه القرية إلا أن القرى المحيطة بها أكثر ذكراً منها؛ وذلك لارتباط تلك المناطق بأسماء ذات رمزية خاصة. وقبل التعمق في آثار قرية الحجر سنتطرق لجارات هذه القرية.

قرية القدم

تقع قرية القدم شرق قرية الحجر، وكانت حدود هذه القرية تشمل جزءاً من شمال قرية الحجر، فقد كانت حدودها ملاصقة لحدود قرية المقشع وقرية كرانة، أي أنها تشمل أيضاً آثار قرية أبو محارة التي سنتطرق لها لاحقاً. قال عنها Lorimer في دليله أنها تقع على بعد ميل وربع جنوبي قلعة العجاج، وأن بها 30 كوخاً للبحارنة الذين يعملون بالزراعة على الجانب الشرقي للقرية، وذكر أيضاً أن بقرية القدم عدداً كبيراً من الكثبان التي يرجع تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ (Lorimer 1908, V.2, 225). والمقصود بهذه التلال موقع قرية أبومحارة السالفة الذكر والتي تم إزالتها في العام 1936م. وهذه القرية تعرف باسم القدم منذ عهد قديم، لا نعلم بالتحديد منذ متى، ولكن ارتبط اسمها بأسماء علماء عاشوا بها، ومنهم من تولى منصب القضاء والأمور الحسبية في البحرين، كالشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني (توفي العام 1064هجرية / 1654م)، وتولى بعده المنصب ابنه الشيخ صلاح الدين بن علي بن سليمان القدمي والذي توفي بعد والده بفترة بسيطة. بالإضافة لذلك كان بها مساجد ذات صيت، منها مسجد أبو اللقا، الذي ربما كانت تضاهي شهرته مسجد الخميس؛ فقد ذكره الشاعر أبوالبحر جعفر الخطي (توفي العام 1618م) في قصيدة له مقترناً بمسجد الخميس «أبو المنائر»:

هذَا وأُقسِمُ بـ(المُثَوَّبِ) غُدْوَةً

بـ(أبِي المنَائِرِ) دَاعِياً و(أبِي اللِّقَا)

وفي الحاشية علق المحققان على أبو اللقا:

«وذكر في حاشية خ «أبو اللقا» مسجد معروف ـ وهذا المسجد يقع في قرية «القدم» ومازال موجوداً وكانت تقع بالقرب منه عين ماء متدفقة وقد اندثرت الآن (المنصور والعريض 2002، حاشية ص 467).

قريتا المقشع وأبو محارة

وفي شمال قرية الحجر كانت توجد قرية أبو محارة، التي ذكر التاجر أنها بلدة خربة في عهده وأن آثارها الباقية في تلك الحقبة «تدل على عظمتها قديماً بما فيها من آطام قصورها وأبنيتها وجامعها الكبير، والنسبة إليها محاري» (التاجر 1994، حاشية ص 35). وقد بنيت هذه القرية في الأساس على قبور أثرية، منها ما يعود لفترة تايلوس ومنها ما هو أقدم أي يعود لفترة دلمون. وقد دمر جزء من آثار هذه القرية وكذلك عدد من تلال القبور عندما تم شق الطريق من المنامة للبديع في العام 1936م (بوتس 2003: ج 2، ص 819). وبقي جزء من آثار قرية أبي محارة في قرية المقشع، وقد تم إزالة آثار هذه القرية بعد أن نقب فيها (المحاري 2009، ص 86). كما يوجد إلى الجانب الآخر من مدخل قرية المقشع، والذي يمثل امتداداً لموقع قرية أبي محارة الأثري، مسجد أبو محارة، والذي يحوي ضريحين أحدهما لعالم دين يرجع نسبه لقرية أبي محارة (المحاري 2009، ص 86)، ويقصد بذلك، الشيخ حماد الذي قيل إنه والد الشاعر علي بن حماد، وقد سبق أن ناقشنا هذه الشخصية في كتابنا مسجد الخميس. وقد تم تجديد بناء هذا المسجد مع الاحتفاظ بنقش البناء الذي يعود تاريخه لعام 809 هجرية (1406م) (Kalus 1990, pp. 70 - 71). ويظهر فيه اسم وزير الدولة الهرمزية في البحرين إقبال الدين السلطان محمد، ونص النقش يتكون من أربعة أسطر كالتالي:

(1) قال الله تعالى إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وقال النبي صلى الله عليه وسلم

(2) من بنى لله مسجداً بنى الله له ألف بيت في الجنة.... بني هذا المسجد المبارك في سلطنة سلطان الأعظم مالك الرقاب الأمم

(3) مولى ملوك العرب والعجم ظل الله في الأرض شمس الحق والدنيا والدين محمد شاه خلد الله خلافته إلى آخر الأيام ..... الأعظم

(4) ..... حضرة سلطان سر ..... إقبال الدين سلطان محمد أدام الله برهانه في محرم سنة تسع وثمانمئة الهجرية

يرد في النص اسم ملك هرمز محمد شاه الأول والذي يرجح أنه حكم هرمز فيما بين 1377م و1400م. إلا أن بعض المراجع تشكك في نهاية حكمه. وعليه فهناك عدة احتمالات لسبب ورود اسمه هنا الأول أن محمد شاه مازال حاكم هرمز أو أن الاسم ورد هنا لتخليد ذكر محمد شاه أو أن المقصود شخص آخر غير محمد شاه الأول (Kalus 1990, pp. 71 - 72).

وممن نسب إلى قرية أبو محارة الشيخ أحمد بن محمد بن علي المحاري، البحراني المولد الأحسائي الأصل، وكان حياً في العام 991 هجرية (1583م) وقد ذكره التاجر في كتابه منتظم الدرين (طبعة مؤسسة طيبة لإحياء التراث، ج1 ص 235).

وقد أصبحت قرية أبو محارة الآن ضمن قرية المقشع أو المقشاع، وهي قرية قديمة، ارتبط اسمها بأعلام مشهورة، مثل الشيخ محمد بن علي المقشاعي، من أعلام القرنين السادس عشر/ السابع عشر وهو والد الشيخ أحمد بن محمد المقشاعي وهو معاصر للشيخ علي بن سليمان القدمي، وقد تولى قضاء البحرين بأمر الشيخ علي بن سليمان، وقد ذكره الشيخ يوسف في كتابه «لؤلؤة البحرين» (دار الأضواء 1986م، ص 138 – 139).

هكذا نجد قرية الحجر تتوسط عدداً من القرى التي شاع ذكرها، بينما بقيت هي في طي النسيان، على رغم أنها كانت في الماضي مستوطنة دلمونية، بل إن بها آثاراً تعود لما قبل الحقب الدلمونية، وربما كانت هذه المنطقة موطناً لأول مستوطنة حضرية في البحرين، والمكان الذي تأسست فيه دلمون الأولى. يتبع.

العدد 4389 - الجمعة 12 سبتمبر 2014م الموافق 18 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً