العدد 4389 - الجمعة 12 سبتمبر 2014م الموافق 18 ذي القعدة 1435هـ

في أميركا حديث عن موت الشعر... وهو يُقرأ في السجون والملاجئ!

«هل مات الشعر؟»... سؤال يمتد ويلحّ في حضوره ليس في الولايات المتحدة. سؤال يكاد يكون كونياً. كلما تمدّد التوحّش... كلما تمدّدت الآلة، ودخلت في تفاصيل تكاد لا تنتهي من حياتنا، يتم ركْن الشعر جانباً. هو هناك. لن ينتهي الشعر من العالم؛ لكنه لن يكون فاعلاً ومؤثراً في حضور كما يبدو؛ أو كما كان. يوم كان الوحش أقل. يوم كان البشر منحازين إلى الخير فيهم. يوم كانت الحياة تستحق الحياة! يوم كانت البساطة هي الميزان.

صحيفة «إنترناشيونال نيويورك تايمز» نشرت تقريراً كتبته جنيفر شيسلير، قبل فترة، وتحديداً في 27 يوليو/ تموز 2014، تناولت فيه تعيين شعراء الولايات في أميركا. ثمة سجال وشد وجذب في آليات الاختيار، ومعيار الكفاءة. هل الجوائز مقياس لذلك الاختيار؟ هل الإصدارات ضمن ذلك المقياس؟ ماذا عن اللجان أيضاً التي يقع على عاتقها الاختيار؟ ثمة لغط لا ينتهي. هل يبدو ذلك التقليد في طريقه إلى الانتهاء بعد سنوات من تكريسه؟ يبدو الأمر على رغم ذلك بعيداً؛ وسط تيار مُحبِط من المقالات التي تتناول وفاة الشعر؛ بحسب تصريح رئيس مركز الشعر والأدب في مكتبة الكونغرس روب كاسبر. والحديث مستمر عن موت الشعر؛ مازالت هناك أنشطة نوعية يقوم بها عدد من الأسماء الفاعلة في المشهد الشعري الأميركي، من بينها قراءات وورش وتدريبات تطول المدارس والسجون والقواعد العسكرية وملاجئ المشرَّدين! عندنا: القاعات والمسارح أشبه بمقبرة! التفاصيل في التقرير الآتي:

للشاعر الأميركي الشهير، عزرا باوند مقولة مؤدّاها: تبقى الأخبار: أخباراً. (لن تكون بالطبع عملية في حساب المثلثات، أو تركيبة عقار طبي في طور الاكتشاف). يرمي باوند هنا إلى موت الخبر أو إمكانية موته؛ وعلى أقل تقدير: نسيانه!

بالنسبة إلى حائزي جائزة «الولايات» الأميركية للشعر، أو «شعراء الولايات»، هنالك دورة من الأخبار المتدفقة منذ وقت سابق من هذا الشهر (يوليو)، بعدما استقالت فاليري ماكون فجأة، من منصبها الذي تم تعيينها فيه حديثاً كشاعرة لولاية كارولينا الشمالية. الاستقالة جاءت بعد موجة من الانتقادات وجّهها العديد من الذين سبق وأن حصلوا على الجائزة.

وفيما يتعلق بالفائزين السابقين وغيرهم من المنتقدين، واختيار حاكم ولاية كارولينا الشمالية، بات ماكروري للشاعرة ماكون - كان ذلك بفعل اختيار كاتبين من الولاية غير مؤهلين، وفي سيرتهما كتابان صادران فحسب، وذلك فحش نهائيّ يمكن تلمّسه من عملية الاختيار؛ إن لم يكن ذلك تمهيداً لإلغاء الوظيفة أساساً.

بالنسبة إلى حاكم الولاية الذي اختار ماكون دون اللجوء إلى مشورة معتادة من مجلس شمال كارولينا للفنون، كان الانتقاد لاختيارها مليئاً بـ «العداء والتعالي».

وفيما يتعلق بعالم أوسع من الناس الذين قرأوا الشعر - وكثير منهم لم يفعل - كانت الضجة التي أثيرت فرصة لطرح السؤال الأكثر أهمية: من هم شعراء ولايات أميركا الحائزون على جوائزها؟ وماذا يفعلون على أية حال؟

للولايات طيورها وصخورها وأشجارها المعتمدة رسمياً! وعلى نحو متزايد، لديها أيضاً شعراؤها الرسميون. فوفقاً لقائمة تحتفظ بها مكتبة الكونغرس تضم أربعاً وأربعين ولاية، إضافة إلى مقاطعة كولومبيا، لكل منها حائز على جائزة الشعر أو كاتب مقيم، مع عدد متعارف عليه منذ العقدين الأخيرين، أو نحو ذلك.

الجنون لا يحدث فقط على مستوى الولاية. بوسطن ولوس أنجليس، من بين مدن أخرى، ثبّتتْ الوظائف تلك في السنوات الأخيرة، في حين أن محرّك «غوغل» بالبحث عن «شاعر المقاطعة الحائز على جائزة» يحصد آلاف الزيارات.

وقال الحائز السابق على جائزة الولايات المتحدة وجائزة ولاية نيويورك في الشعر، بيلي كولينز: «لقد كنت في الأماكن التي يوجد فيها شاعر حائز على الجائزة، ولها رمز بريدي». البلاد تزحف معهم. أعتقد أنه أمر خارج نطاق السيطرة».

وظيفة «الحائز الوطني على الجائزة» تمنحه راتباً سنوياً يصل إلى 35 ألف دولار سنوياً، ويعود ذلك التقليد إلى العام 1937؛ إذ يتم اختيار المكرَّمين من قبل مكتبة الكونغرس فقط على أساس «الجدارة الشعرية»، ولا مسئوليات يتحمّلها الفائز خارج التوقّع والمهمات الرسمية؛ وتتحدّد المهمة في مناسبات الافتتاح، ونهاية الموسم الأدبي للمكتبة.

من جانبه، قال رئيس مركز الشعر والأدب في مكتبة الكونغرس روب كاسبر: «أدّى الارتفاع والطفرة في أعداد الحائزين على الجائزة، وعلى نطاق واسع في وقت مبكر من عقد التسعينيات إلى بروز ما يعرف بـ (الناشط الوطني حائز الجائزة)، مثل جوزيف برودْسكي، والذي سعى إلى وضع كتب الشعر في كل غرفة فندق بأميركا، وريتا دوف، التي جلبت أطفالاً تلاميذ في المدارس الهندية، إضافة إلى عدد من الشعراء الشباب من واشنطن، وعشرات آخرين غيرهم لقراءة أعمالهم في مكتبة الكونغرس».

وأضاف كاسبر «إنه لممَّا يثلج الصدر أن نرى انتشاراً كبيراً لهذه المواقف. ذلك يقدّم احتفاء متوازناً وسط تيار مُحبِط من المقالات تتناول وفاة الشعر».

يتراوح الحائزون على جائزة الولاية اليوم بين الكتّاب المعروفين على الصعيد الوطني، وأسماء أولئك الذين ترنّ أجراس قليلة منبّهة لأهميتهم خارج حدود الولاية.

«عضوية الحائزين على الجائزة» التي تباشر مسئوليتها مجموعات مستقلّة للفنون، أو لجان تتلقّى رواتب متواضعة؛ إن وجدت (الحائز على جائزة ولاية ويسكونسن، على سبيل المثال، يتلقّى فقط 2000 دولار كنفقات للسفر)، تمنح في بعض الأحيان من خلال عملية الاختيار التي تطلب من المرشحين وصف أفكارهم لتعزيز شكل من أشكال الفن، بأي وسيلة ضرورية.

في الولايات الأقل سكاناً، قد تعني الخطابة انتقالاً إلى الأماكن التي تعاني نقصاً في عدد الشعراء، وتقديم قراءات وورش عمل في المدارس والسجون والقواعد العسكرية وملاجئ المشردين، كما فعلت الكاتبة الحالية المقيمة في أيداهو ديان رابتوش، على متْن حافلة مدرسية متحركة.

وقالت رابتوش: «فقط وقفت هناك حاملة المايكرفون مثل سحلية، وقرأت قصائد الهايكو، متولية أمر التدريبات».

العدد 4389 - الجمعة 12 سبتمبر 2014م الموافق 18 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً