البيئة والنظافة العامة والتشجير والواجهة الجمالية والمنظر الخضري والمظهر الحضاري مفردات لمحددات مشروع طموح لتكون باربار قرية بيئية نموذجية، تفاجأنا بطرحه في لقاء العمل الذي جمع ممثلين عن جمعية البحرين للبيئة وجوالة نادي المالكية مع محافظ المحافظة الشمالية علي بن الشيخ عبدالحسين العصفور صباح الاثنين 8 سبتمبر/ أيلول 2014، وتشكل مفردات ذلك التوجه مرتكزات لأهداف خطط عمل استراتيجية لمشروع حضاري يطمح إلى رؤية ثمرة إنجازه المجتمع المحلي في باربار.

القضايا التي طرحها المحافظ على الرغم من أنها تشكل محور استراتيجية أهدافنا، إلا أنها كانت مفاجئة لنا حيث لم تكن مدرجة ضمن أجندة توجهات خطة لقائنا مع المحافظ، إلا أن التأكيد عليها خطوة مهمة نسعى إلى تفعيل أهدافها لبناء أسس التعاون المشترك، وترسيخ مبادئ الشراكة في إنتاج وانجاز البرامج المشتركة.

الموجهات البرنامجية التي طرحت هي محور مشروع طموح بعنوان «البحرين خضراء»، جرى مناقشته في اجتماع مجلس إدارة جمعية البحرين للبيئة في يونيو/حزيران الماضي، وبرزت الفكرة عندما تقدّم إلينا مسئول أحد المشاتل في باربار بمقترح التعاون للقضاء على شجرة «الداماس» لمعرفته بأضرارها، واستبدالها بأشجار مفيدة تتناسب مع البيئة المحلية، وذلك أثناء قيام بلدية المحافظة الشمالية بإزالة هذا الفصيل من الشجر من منطقة حيوية في باربار. والمشروع يرتكز على تنظيم حملة وطنية لتشجير المواقع الحيوية وذات الأهمية الاجتماعية والسياحية، وإبراز الجوانب الجمالية والحضارية للبحرين، وتنمية الوعي الاجتماعي في الاهتمام بالتشجير ونشر البقعة الخضراء والحفاظ على المظهر الجمالي وتعزيز مفاهيم ثقافة التشجير وصون نظافة ونقاء المحيط البيئي، بالتعاون مع السلطات البيئية والخدمية المختصة والمعنية.

التشجير ثقافة متأصلة في تراثنا الإجتماعي، والأشجار التقليدية (النخلة وشجر اللوز والسدر والصبار الهندي) وغيرها من الأشجار المثمرة، إلى جانب أشجار الزينة (الورود بمختلف أنواعها والياسمين والرازقي) تشكّل ظاهرة حضارية كانت تتميز بها شوارع البحرين، والجمال الخضري مصدر إلهام للشعراء في بلادنا، وقد تناولنا ذلك في مقال نشر في صحيفة «الخليج» الاماراتية (23 أكتوبر/ تشرين الاول 2003) في عمودنا الاسبوعي «المنبر البيئي» بعنوان «هواجس البيئة في بيان الشعر». الدافع الذي جعلنا نلامس تلك العلاقة حضورنا فعاليات ملتقى الشارقة الثالث للشعر العربي، حيث كان لنا لقاء غير عادي على مدى ثلاثة أيام مع الشعر والشعراء من بلدان عربية مختلفة، وأحدث ذلك اللقاء في نفوسنا الكثير من التأملات والمراجعات الذاتية، وأثار تساؤلات كثيرة حول ما يمكن أن يكون للشعر من مكانة وقوة وتفاعل مع المحيط الإنساني، وبما يمثله من ضرورة ومقوم مهم لحياة الإنسان وحضارته، والغوص في عمق مشكلات ذلك المحيط التي تتمثل في ظواهر الاعتداء على مكونات البيئة والتناقض والتضارب والتصارع في سياق ذلك من أجل أن يستقيم الصالح، وتنتصب كلمة الشاعر ومنظومته الشعرية بما تحتويه من أحاسيس وروح إنسانية كصانع لاتجاهات جديدة أكثر وعياً وحضارة في نسق مواجهة تلك الاعتداءات، وتجسيد واقع المسئوليات الأخلاقية وتأكيد إنسانية الإنسان.

في ملتقى الشعر وجدنا نفسنا أسرى تلك النصوص والمضامين الشعرية التي أثارت كومة المشاعر المدفونة في عمق وجداننا، وجعلت كامل تفكيرنا يتجه إلى ذكريات الطفولة والبحر والسواحل برمالها الناصعة البياض، ونغوص في ذاكرة التاريخ ونحلّق بمخيلتنا في تلك الأيام الجميلة، عندما كنا نستمتع بنقاوة وجمال ذلك المحيط البيئي بما يحتويه من أشجار ونخيل مثمرة ومياه عذبة أحاطتنا بجو مفعم بالسعادة والحياة. الشاعر البحريني علوي الهاشمي هو من أبناء ذلك المحيط الذي كان حضوره الشعري بارزاً في ملتقى الشعر في الشارقة، وجد نفسه عندما كان مغترباً للدراسة في ستينيات القرن الماضي، غير قادر على أن لا يكون شعره منحازاً لذلك الجمال الطبيعي، وأن يجسد مشاعره الإنسانية ويؤكد مخاوفه من مخاطر السلوك العبثي بذلك المحيط ومكوناته وخيراته المادية (دون أن يسميه)، ويرسل إشاراته التحذيرية المختبئة في مضامين مقولاته الشعرية، ونداءاته بضرورة وجود الحكمة وحماية ذلك الإرث الإنساني والحق الطبيعي للأجيال القادمة. لذلك لوحظ سيادة مفردات الأرض والبحر والساحل والنخيل والماء والخضرة، وتلك الفراشات التي كانت تزين بساتين البحرين وشواطئها الجميلة المكسوة بالأعشاب، وتلك الطيور المختلفة الأنواع والمنتشرة في الوديان وعلى أغصان الشجر وفوق سعف النخيل، ولم ينس أن يعرج في شعره على ذكر شواطئ المحرق والحد وخضرة الريف التي أصبحت في ذكر كان.

حديث المحافظ عن جمال الشوارع وخضرتها أيام زمان وسرد ذكرياته عن مزرعة المرحوم الحاج علي العليوات التي احتضنته أيام صباه، والحزام الخضري في باربار وجمال السواحل، وطموحه في أن يعود ذلك الجمال الطبيعي بعمقه الإنساني، وأن تعود الأشجار لتزيّن شوارع القرية والعمل على إعادة تأهيل الساحل لقرى المحافظة الشمالية لتكون امتداداً طبيعياً جميلاً من ساحل كرانة إلى البديع، طموح جعلنا نتوقف عند ذلك التوافق والتلاقي والحس الإنساني المسئول الذي يمكن أن يؤسس لمشاريع رائدة في صون توازن نظامنا البيئي. طموح المحافظ أمل ينتظر ثمرته المجتمع المحلي في باربار في انتظار أن يصير الحلم حقيقة.