من كان يتصور أن «بريطانيا العظمى» الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، والتي فرضت سلطتها على 458 مليون إنسان، أي ربع سكان العالم وربع مساحته كذلك، من يتصور أنها صارت قريبة إلى الانقسام داخل جزيرتها؟
فها هي اسكتلندا تصوّت على الاستقلال في 18 سبتمبر/ أيلول 2014، وكنت في اسكتلندا مؤخراً، وتحدثت مع أقطاب حملتي «نعم» و»لا»، وشاركتهم طرق الأبواب والاستماع إلى آراء الناس مباشرة.
المنادون بالوحدة يقولون: لماذا نقوم بخطوةٍ غير مأمونة العواقب؟ بينما حصلنا على الكثير من أدوات الحكم الذاتي منذ العام 1999، فصار لدينا برلمان وحكومة وغير ذلك، والمؤكد أن الاستقلال لن يتوقف أثره على اسكتلندا فقط، ولكنه سيؤثر في جدل مماثل في كل من أيرلندا الشمالية وويلز.
ودون الخوض في البعد التاريخي، على أهميته، فإن واقع الحال يفيد بأن معسكر «نعم للاستقلال» يضيق الفجوة، حيث وضع استطلاع رأي أخير «نعم» متقدمة بنقطة واحدة على «لا» للمرة الأولى، 51% مقابل 49%، فلماذا يضيق الفارق مع الوقت؟
حضرت المناظرة التي جرت بين رئيس حملة «نعم للاستقلال» أليكس سالموند و»نحن أفضل معاً» أليستر دارلنغ في جلاسجو في 25 أغسطس/ آب، وفي ظنّي أنها حسمت أمر كثيرين، فقد كان أداء دارلنغ ضعيفاً جداً، بينما تمكّن سالموند من إحراجه في عدة محطات.
كذلك فإن معسكر «لا» التنظيمي، مشتت ومتعدد الهيئات، فهو عبارة عن تحالف من ثلاثة أحزاب رئيسية، معادٍ بعضها لبعض أساساً، ويحمل الاسكتلنديون بالذات كراهية كبيرة لحزب المحافظين، الذي هو جزء من تحالف «الوحدويين» بينما حملة «نعم للاستقلال» تتمثل في قيادة واحدة مركزية يقودها شخص واحد، ولديها موارد مالية تتجاوز ما لدى حملة «لا» بكثير. أحد الفائزين باليانصيب، مثلاً، تبرع بثلاثة ملايين جنيه لحملة «نعم».
التوقيت السياسي كذلك لا يخدم معسكر «لا»، فالاستفتاء يجرى في ظل وجود حكومة حزب المحافظين، والتي يعزو الكثير من الاسكتلنديين معاناتهم إليها، ولو أن الحكومة البريطانية كانت لحزب العمال وكان رئيس الحملة غوردون براون مثلاً، رئيس الوزراء الأسبق، وهو شخصية اسكتلندية محبوبة في اسكتلندا، لما حدث تقدم يُذكَر في معسكر «نعم للاستقلال».
يصوّت في الانتخابات قرابة 4.2 ملايين ناخب، ممن تزيد أعمارهم على 16 سنة، المسجلين والمقيمين في اسكتلندا، من مواطني بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي أو الكومنولث، بالإضافة إلى جنسيات أجنبية أخرى، ممن لديهم إقامة صالحة، وبالتالي فإن اسكتلندياً مقيماً في لندن مثلاً لا يحق له التصويت، بينما إيطالي مقيم في اسكتلندا يصوّت على استقلالها.
القضايا تدور أكثرها بين السياسة والاقتصاد، وبالذات مصير النفط ومستقبله، والعملة، وهل يبقى الجنيه الإسترليني أم اليورو؟ والعضوية في الاتحاد الأوروبي، والعلاقة المستقبلية مع المملكة المتحدة، والمواطنة والهجرة، والتقاعد والخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية، والدفاع ومصير منظومة ترايدنت النووية، وغير ذلك.
لم يتبق على الاستفتاء إلا أسبوع واحد، وستؤثر في النتيجة درجة تنظيم الحملة بقدر ما تؤثر فيها القضايا المطروحة، ودرجة الإقناع، فبعد أن عاينت وشاهدت نواحي الضعف الهيكلي في إدارة حملة «لا»، فلن يكون ذلك إلا لأن فكرة الوحدة قوية لدرجة كبيرة، وليس لحسن التنظيم والدعم المادي.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 4388 - الخميس 11 سبتمبر 2014م الموافق 17 ذي القعدة 1435هـ