العدد 4388 - الخميس 11 سبتمبر 2014م الموافق 17 ذي القعدة 1435هـ

لا تُضيِّعوا رصيد العائلة من الفضة

صار بعض القادة السياسيين في العالم أسرى لما يمكن تسميته بالأصولية الاقتصادية، التي تلغي المستقبل من حساباتها. هؤلاء القادة لم يعودوا يمثلوننا كمواطنين، وإنما كمستهلكين، وباتوا يركزون جهودهم على توفير الحماية القانونية الدولية للمنافع المتبادلة، وجعلها في مرتبة تعلو مرتبة الحقوق الأساسية للإنسان والمجتمع والبيئة.

فإذا أردنا تجنُّب تزايد حدة المصادمات والضغوط البيئية في العالم، علينا أن نعيد تشكيل الجدل الدائر حول مستقبلنا، ليشتمل على بنود أخلاقية، ويفرض قيم مواطنينا على اقتصادياتنا، بدلاً من العكس. لقد استنزف هؤلاء القادة رأسمال مواطنيهم من القيم الأخلاقية والاجتماعية والطبيعية، أو كما يقول المثل الغربي: «باعوا رصيد العائلة من الفضة». إنهم يعتنقون التبضُّع مذهباً، حتى أنه صار جزءاً من دولبتهـم الجينية، ويستخدمون عمليات تحليلية مضللة، وعقليات آلية، في التعامل مع أنظمة مفعمة بالحياة.

إن المتأمل المدقق لأحوال العالم في نصف القرن المنقضي يلاحظ أن السلوك الاستهلاكي المعربد لم ينجح في إضافة مزيد من السعادة لأغنياء العالم، بل إن أعداداً متزايدة من الناس أصبحوا يعانون القلق بصورة أقسى، وتحيط بهم المثبِّطات، مع نظام يضحي بالقيم المتجذِّرة فينا من أجل غرض وحيد، هو الاستهلاك العالمي، الذي يتعارض بصورة مباشـرة مع رغبتنا في الحفاظ على كوكبنا صالحاً لمعيشة البشر.

إننا بحاجة لأن ننقِّي الجدل الدائر في الأوساط العالمية، وألاَّ نقول إلاَّ الصدق. فكثير مما يتم قبوله الآن، من وجهة النظر السياسية، هو في حقيقة الأمر ضرب من الإرهاب الدولي، موجه إلى اقتصاديات الأجيال المتعاقبة. فالسماح للانبعاثات المتزايدة من غاز ثاني أوكسيد الكربون، التي تؤدي إلى تغير المناخ العالمي، يُعَدُّ جريمة في حق الإنسانية، وكذلك الأمر بالنسبة لإجبار الفقراء على أداء حقوق ديون مريبة، متجاهلين الدَّين التاريخي والبيئي المستحق على الشمال، فكما تدين تُدان.

لقد كان الأسلاف حريصين على مبدأ يقول بأنَّ شركات القطاع الخاص التي تعمل لغير الصالح العام لا يحقُّ لهـا أن تتمتَّع بامتيازات. وفي القرن الثامن عشر، كانت الحكومة البريطانية توقف أي مشروع يتحامل على الخاضعين للتاج البريطاني أو يظلمهم أو يزعجهم. وحتى وقت قريب، كان تشريع مماثل لايزال ساري المفعـول في الولايات المتحدة. لقد تقوَّض ذلك الإجماع في الرأي الذي كان يسمح بوقف وإغلاق الشركات. دمرته الأقلية الغربية الغنية وعملاؤها في الأوساط السياسية والعدلية والإعلامية، وهم يعملون الآن على عولمة الأسس التي يتبنونها، ليحكموا العالم. إنهم يزعمون أن ما يوحِّد بيننا جميعاً ما هو إلاَّ الجشع. وهذا قول عارٍ من الصدق، فنحن لا نسلك سلوك المستهلكين إلاَّ حين تكون ثمة ضرورة تدفعنا لنتعامل كمستهلكين، كما أن التبضُّع لا يصبح التعبير الأساسي للمجتمعات العصرية إلاَّ عندما لا تكون ثمة بدائل مطروحة أو مطلوبة.

العدد 4388 - الخميس 11 سبتمبر 2014م الموافق 17 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً