مدُّوا بصركم أكثر في حوادث التاريخ. أكثر قليلاً حتى تتناهى الذاكرة. ماذا ستجدون؟ أشياء لا حصر لها من الأفعال، بعضها صغير وبعضها كبير. ولأنها كذلك، فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها، أنه ومثلما يُوجد في العربية علامات ترقيم كالفاصلة، والفاصلة المنقوطة، وعلامات الاستفهام وغيرها، يُوجد في أحداث التاريخ ترقيمٌ أيضاً.
هناك حَدَثٌ بمقدار الفاصلة، يكون بين أحداث تامة أو قصيرة. وهناك حَدَثٌ بمقدار الفاصلة المنقوطة؛ يكون وسطاً بين حَدَثين يفسر واحدٌ منهما الآخر. وهناك حَدَثٌ بمقدار النقطة، كنهاية للحدث ولا شيء بعده كفعل مستقل. وهناك حَدَثٌ بمقدار النقطتين الرأسيتين، يوضح أحداثاً أخرى. وهناك حَدَثٌ بمقدار علامة الاستفهام التي تجعل الغموض مهيمناً على الذهن، ويزيد من غمامة العين، ومن طين الأذن وعجينها.
لكن، هناك أيضاً أحداث هي أكبر من كافة أشكال الترقيم. هي أسطر جديدة في حياة البشر والعالم، بل نستطيع أن نقول أنها صفحات جديدة، إن لم تكن كتباً كاملة متغيِّرة. وأحسب أن حادثاً جرى قبل ثلاثة عشر عاماً كان كذلك، لفداحته وهَوْلِه، وهو حدث البرجين أو ما سُمِّي حينها بالحادي عشر من سبتمبر، الذي يصادف ذكراه اليوم.
وباستعراض سريع عبر استرجاع الذاكرة وكما أعلِن، فإن ذلك الحدث الرهيب يتلخص في قيام 19 شخصاً بشن هجمات إرهابية على الولايات المتحدة الأميركية عبر تحويل مسار أربع طائرات مدنية مُحمَّلة بالمسافرين كان المهاجِمون بينهم، وتسييرها عمداً لتصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بين الساعة 8:46 دقيقة والساعة 9:03 دقائق صباحاً في نيويورك ثم البنتاجون بعدها بنصف ساعة، مخلِّفة زهاء ثلاثة آلاف قتيل وآلاف المصابين.
الحقيقة أن ذلك الحدث، غيَّر مجرى التاريخ الحديث، بل غيَّر مستقبل وواقع دول وشعوب بأكملها. لذا، فهو يساوي «ربما» أهمية حرب عالمية، أو انهيار نظام القطبية، أو بداية نظام دولي بحياكة أميركية بشَّر به اليمين المحافظ في واشنطن كفوضى عارمة. مشكلة هذا الحدث أنه يتعاظم وتتذارر منه أحداث جديدة، تغطي على ما سبقها من أحداث.
فعندما سقط نظام طالبان كان هو الحدث الأبرز لارتدادات الحادي عشر من سبتمبر. لكن بقاء أفغانستان في حرب داخلية طيلة ثلاثة عشر عاماً، وتداخل المصالح الإقليمية والعالمية على أرضها، والخسائر الأميركية المتزايدة ببطء، قد حوَّل لحظة السقوط إلى حدث أوَّلي لصالح أحداث أخرى بدأت تبني أشكالاً جديدة من الصراعات والتحالفات.
كذلك العراق، فلحظة سقوط بغداد وتمثال صدام حسين فيها كارتداد ثان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، كانت لحظة هوليودية بامتياز، لكنها ما لبثت أن تحوّلت إلى بركان إقليمي أغرقت حِمَمه المتجمِّرة كل شيء تصادفه: محاور إقليمية. حرب طائفية فوَّارة. نفوذ متعاكس. صراعات عسكرية على الأرض. خسائر أميركية.
لكن، ومن دون استغراق في كل تلك الارتدادات المتوالدة، ألا يحق لأحد أن يرجع بتفكيره إلى لحظة الحدث نفسه، أي الساعة الثامنة وستة وأربعين دقيقة من يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، كي ينظر في مشروعية ما جرى من عدمه؟ كيف حصل هذا الأمر وبهذه الكيفية الغريبة والرهيبة، وتجميع كافة المتناقضات التي حصلت حولها وقبلها وبعدها كي تكتمل الصورة؟
نعم، ظَهَرَ بن لادن وهو يؤبِّن المنفّذين التسعة عشر فرداً فرداً: محمد عطا، وزياد الجراح، ومروان الشحِّي، وهاني حنجور، وأحمد النعمي، وسطام السقامي، وماجد الحربي، وخالد المحضار، ونواف وسالم الحازمي، وفايز القاضي، وأحمد الحزنوي، وحمزة وأحمد وسعيد الغامدي، ووائل ووليد ومهند الشهري، وعبد العزيز العمري. لكن هذا لا يكفي لفهم الأمر.
المحللون والمتوجِّسون لازالوا يتفكرون فيما ذكرته الـ «واشنطن بوست» من أن جهاز الـ «إف بي آي» حقّق مع شركة يهودية لها مركز في «إسرائيل» وفي مبنى التجارة العالمي، قامت بإرسال رسائل SMS تحذيرية لكافة الإسرائيليين العاملين في مبنى التجارة العالمي قبل ساعتين من وقوع الحادث، الأمر الذي جعل 4000 إسرائيلي ينجون في حين تفحَّم الآخرون!
أيضاً لازال الأمر غامضاً مع وجود نطاق مراقبة صارم على مجموعة من منفذي عملية البرجين من قِبَل أجهزة المخابرات، ومن بينهم محمد عطا، بل إن بعضهم تعرض لوميض كمبيوتر التفتيش في المطار على أنهم أشخاص مُشتَبَهون لكنهم مروا دون مشكلة. هذه قضايا أساسية لا تجعل الأشياء تُصدَّق هكذا، بل تحتاج إلى إجابات عديدة.
نعم، تنظيم «القاعدة» اعترف بتنفيذ هذه العملية الإرهابية، لكن كيف لهذا التنظيم أن يَنفذ إلى الأراضي الأميركية وفي خدمات الدولة فيها بهذه السهولة؟ ثم كيف حصلت المخابرات الأميركية على شريط جلال آباد الشهير والمصوَّر خفية، والذي يظهر فيه بن لادن وهو يتحدث في مجلس سري، متباهياً بالعملية، وهو الذي لا يتناهى في احتياطاته الأمنية، حيث أعلِنَ أنهم وجدوه صدفة خلال اجتياحهم أفغانستان!
لا يوجد اتهام لأحد ولا تبرئة لأحد، بل إن الموضوع متعلق بغموض وقتامة وكأنه طلسم. والأهم هو ما ترتب عليه من حرب أميركية عالمية على الإرهاب، تحت تلك الحجة والذريعة دون فهم لحقيقتها. ومن بين كل ذلك المشهد يتراءى لنا المستفيدون أكثر من كل ما جرى في أفغانستان والعراق وما تلاهما من أحداث. ولا أظن أحداً سيُخطئ إن قال إنهم الإسرائيليون، الذين غيَّروا من مجرى الأحداث حولهم من خلال تلك الحرب، ولم يبق عليهم سوى القليل، وبالتالي فهم طبيعة العلاقة التي تربطهم بالولايات المتحدة.
هنا، أختم بجملة، قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، ونقلها عضو الكونغرس الأميركي السابق ديفيد ديوك، قال شارون: «أريد أن أقول لكَ شيئاً واضحاً جداً: لا تقلق بشأن الضغط الأميركي على إسرائيل. نحن، الشعب اليهودي، هو مَنْ يحكم أميركا، والأميركان يعرفون ذلك».
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4387 - الأربعاء 10 سبتمبر 2014م الموافق 16 ذي القعدة 1435هـ
نقطة على السطر .
انت كاتب مبدع
ليس هناك طلسم
بل ما قاله شارون هو الحقيقة وما رئيس البيت الابيض ورئيس وزراء بريطانيا والرئيس الفرنسي اصحاب اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور هم مجرد موظفين عند اللوبي الصهيوني الذي يحكم العالم منذ الف واربعمائة سنة ولكن اذا كانوا هؤلاء موظفون فما بالك بالبقية الباقية من العربان الذي وصفهم احدهم بالنعاج.
9/11
ليس كل ما يعرف يقال و لكن ربط المواضيع لا يقلق ولا كأنه طلسم
المتمردة نعم
لدي معارف امريكيين مقربين لا يصدقون ان طالبان قامت بضرب البرجين ونفذت العملية لوحدها لتيقنهم ان مجرد الدخول لامريكا من ايا كان يتطلب اجراءات صارمة فكيف سينفذ منها طالباني (يفترض مسلم)الطائرات الحربية او الصاروخين المستخدمة لضرب البرجين لا يملكها طالبان اصلا (والانفجار حدث قبل مرور الطائرتين)ولكن الخدع البصرية والتحايل والمكائد كان لها دور في ذلك.اوصيكم بمشاهدة فيلم 11 سبتمبر الذي يكشف بالوثائق هذه الخدعة التي لا يصدقها الا مفتري او ساذج
شكرا
ليس لدي تعليق غير الثناء على مقالاتك الجميله وفي اعتقادي انت افضل كاتب بحريني . وفقك الله واسعدك
اعتراف
احتاج ان اقرأ هدا المقال اكثر من عشر مرات لكي اتمكن من اسيعاب مضامينه وخفاياه واسال نفسي مادام ان هناك عربا يستطيعون انجاز مثل هده الخطة المحكمه فكيف لنا والحالة هده لانستطيع ان نحقق انتصارا ضئيلا في فلسطين ؟شكرا لك استادنا الكريم .
اين برج المراقبة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
من هو الشخص الذي كان في برج المراقبة ليوجه هذه الطائرات؟!!!!!!
مراقب ...
ناس تأتي من جبال وفيافي أفغانستان
تركب طائرات مدنية يحتاج الشخص لخمس سنوات لكي يتدرب على قيادتها بأرقى مراكز التدريب
يعطلون نظام الأمن الملاحي في أقوى دولة في العالم
يخترقون جهاز الاستخبارات الأقوى على الإطلاق عالميا
يضربون وزارة الدفاع الأقوى في العالم ويقتلون ضباطا وأفرادا بداخلها
وتكتمل مهمتهم بكل نجاااح !!!!!
قصة تصلح لأفلام الخيال الهندي
أو لأحد الامهات ترويها لأطفالها قبل النوم
والأغرب منها أن هناك أناسا لا زالوا يصدقون هذه الأكذوبة الكبرى
من يفقد ارادته يحدث له هذا
الغرب يخيط ويبيط في بلاد العرب والمسلمين لا يعرفون راسهم من كرياسهم
ذرائع لا تنتهي ابدا
ضربة البرجين كانت ذريعة للتدخل في العراق واليوم ضرب داعش هو ايضا ذريعة لضرب سوريا