العدد 4386 - الثلثاء 09 سبتمبر 2014م الموافق 15 ذي القعدة 1435هـ

"بنا": "جسر الملك حمد" يعزز العلاقات البحرينية - السعودية وخطوة نحو التكامل الخليجي

في حدث تاريخي تم الإعلان عن إنشاء جسر ثان يربط بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى إطلاق اسم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة على الجسر الجديد في خطوة تبين مدى تطور العلاقات البحرينية السعودية ومدى الترابط بين البلدين قيادة وشعبًا.

إن العلاقات بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية تعد فريدة من نوعها، فهي تقوم على التواصل والود الدائمين بين قيادتي وشعبي البلدين وتشهد تطوراً مستمراً على كل المستويات انطلاقاً من الثوابت والرؤى المشتركة التي تجمع بينهما تجاه مختلف القضايا وروابط الأخوة ووشائج القربى والمصاهرة والنسب ووحدة المصير والهدف المشترك فضلاً عن جوارهما الجغرافي وعضويتهما في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية.

وإذا تتبعنا التاريخ سنجد أن العلاقات بين المملكتين تعود إلى الدولة السعودية الأولى (1745- 1818م) والتي تميزت فيها العلاقات بالتعاون والمؤازرة، وتوطدت هذه العلاقات في الدولة السعودية الثانية (1840- 1891م). حيث شهدت هذه المرحلة أول زيارة رسمية من أمير سعودي إلى البحرين، وهي زيارة الأمير سعود بن فيصل بن تركي عام 1870. وبعد نحو سبعة أعوام من تولي الشيخ عيسى بن علي آل خليفة الحكم في البحرين كان له أن يستقبل عبدالرحمن بن فيصل والد الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة، والتي تعتبر اليوم القوة الإقليمية الأكبر. وكان ذلك العام 1876. وعاد الشيخ عيسى بن علي ليستقبل ضيفه عبدالرحمن بن فيصل مرة أخرى العام 1891م وكان بصحبة الضيف هذه المرة ابنه «عبدالعزيز»، الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره.

ثم كانت أول زيارة للمغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية لصديقه وأخيه صاحب السمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة طيب الله ثراه عام 1930، وكانت انطلاقة كبيرة في توطيد العلاقات بين البلدين. فقوبل الملك عبدالعزيز "رحمه الله" في هذه الزيارة بحفاوة بالغة من قبل الشيخ عيسى، واستمرت إقامة الملك يومين كان فيهما موضع حفاوة وتكريم من قبل الحكام والشعب على السواء.

وبعد زيارة الملك عبدالعزيز بحوالي سبع سنوات، وفي 15ديسمبر 1937 على وجه التحديد زار الملك سعود بن عبدالعزيز حيث كان في ذلك الوقت ولي عهد المملكة العربية السعودية، الشيخ حمد بن عيسى شيخ البحرين وتوالت الزيارات بين القيادتين منذ بدأ فجر جديد على تأسيس المملكة العربية السعودية وكان بناء جسر المحبة عام 1986 في عهد المغفور له سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وجلالة الملك فهد بن عبد العزيز طيب الله ثراهما عنوان كبير لهذه المحبة التي ترسخت بين المملكتين.

وكان لهذا الإرث التاريخي المجيد من العلاقات دور كبير في تطويرها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن من تقدم ونمو، في ظل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وأخيه خادم الحرمين الشريفين صاحب الجلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز ونتذكر هنا توجه جلالة الملك في مستهل حكمه إلى الرياض وما لها من دلالات على الالتزام بالمواثيق والعلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، كما كانت الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمملكة البحرين في أبريل 2010 والتي تعد الأولى منذ توليه الحكم في العام 2005 لتكرس متانة وقوة العلاقات الثنائية بين البلدين، وسط ظروف تمر بها المنطقة تبعاً للمتغيرات الإقليمية والدولية.

واستمرت الزيارات المتبادلة بين القيادتين في جميع المناسبات والانجازات بين البلدين وتشعبت العلاقات لتشمل جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية ..إلخ، فعلى الصعيد السياسي تشهد العلاقات بين البلدين قدراً كبيراً من التنسيق في المواقف من القضايا الإقليمية والدولية التي يتم تداولها في مؤتمرات قمم مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية.

وعلى الصعيد الاقتصادي الذي يمثل أبرز مجالات التعاون بين البلدين تعد السعودية الشريك التجاري الأول للبحرين حيث تجاوزت الاستثمارات السعودية في المملكة نحو 13 مليار ريال سعودي، فيما بلغ عدد الشركات الفاعلة التي فيها استثمار سعودي في البحرين نحو 315 شركة، بينما بلغ عدد الشركات السعودية العاملة والمسجلة في البحرين نحو 43 شركة. وتوجد نحو 896 شركة من الشركات السعودية المساهمة في مملكة البحرين التي تعمل في مجالات السفر، الشحن، التجارة، الهندسة، وغيرها من المجالات.

وقد كان لتوجيهات قيادتي البلدين دور بارز في تعزيز ودعم هذا التعاون الذي جسدته المشروعات المشتركة وتفعيل سبل تنمية التبادل التجاري والعمل على إزالة المعوقات التي تواجه العمل الاقتصادي وتسهيل انتقال رؤوس الأموال بين البلدين مما ساهم في تعدد المشروعات الاقتصادية المشتركة بين البلدين الشقيقين.

كذلك تمثل المملكة العربية السعودية عمقاً استراتيجياً اقتصادياً لمملكة البحرين كونها سوقاً اقتصادية كبيرة أمام القطاع الخاص البحريني، في المقابل فان البحرين تمثل امتداداً للسوق السعودية في ترويج البضائع والمنتجات السعودية.

كما أن مملكة البحرين بفضل ما تتمتع به من سياسات اقتصادية تقوم على الانفتاح وتنويع مصادر الدخل وسن تشريعات تحمي المستثمرين والاستثمارات استطاعت أن تستقطب الكثير من الاستثمارات السعودية إليها والتي أصبحت تستحوذ على النصيب الأوفر من السوق الاستثمارية البحرينية.ومن جهة أخرى فإن حركة السياحة بين البلدين تشهد تنامياً ملحوظاً بفضل الإجراءات التي اتخذها البلدان فيما يتعلق بالدخول والخروج عبر جسر الملك فهد ومنها القرار الصادر عام 2003بعدم ختم جوازات السفر والسماح للسعوديين والبحرينيين بالدخول في كلا الاتجاهين ببطاقات الهوية فقط إضافة الى الجهود التي تبذلها البحرين لتنمية النشاط السياحي من خلال إقامة المنشآت السياحية المتطورة وتشجيع السياحة العائلية وسياحة اليوم الواحد التي جذبت عدداً كبيراً من السعوديين وقد بلغ عدد السائحين سنوياً لمملكة البحرين أكثر من 4ملايين زائر.

وبالنسبة للجوانب الاجتماعية فهناك ترابط تاريخي بين العوائل البحرينية ونظيرتها السعودية، وكان لجسر الملك فهد دور كبير في توطيد هذه العلاقات، فبسببه أصبح الترابط والتواصل أسرع وبشكل يومي، فهو يقوم بدور اجتماعي بارز.

وبعد 28 عاماً على إنشاء جسر الملك فهد الشريان الرابط بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، وفي حدث تاريخي جديد ينبئ بتطور أكبر في العلاقات البحرينية السعودية أعلنت المملكتان عن إنشاء جسر ثاني يربط بينهما. أطلق عليه خادم الحرمين الشريفين جسر الملك حمد عرفانًا وتقديرًا لدور جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.

إن إطلاق اسم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه على الجسر لفتة كريمة من خادم الحرمين الشريفين تبرهن على ما يتمتع به جلالة الملك من مكانة لدى المملكة العربية السعودية قيادة وشعبًا وهو مجد تاريخي يستحقه جلالته حيث سيحفر اسمه بحروف من نور على أحد أهم المشروعات التي تربط المملكتين ودول مجلس التعاون الخليجي كما أنه برهان أيضًا على الطبيعة الخاصة للعلاقات البحرينية السعودية التي تتخطى العلاقات التقليدية بين الدول.

إن اللفتة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين بتسمية الجسر باسم جسر الملك حمد قوبلت بالثناء والشكر من جلالة الملك حيث أعرب جلالته عن بالغ شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله، على مباركة جلالته لمشروع جسر الملك حمد، وتفضل جلالته بإصدار التوجيهات السامية للمضي قدمًا في تنفيذ المشروع، الذي يحمل اسم جلالته تأكيدًا على ما تقدمه المملكة العربية السعودية من دعم ومساندة لشقيقتها مملكة البحرين، مثمنا بكل التقدير والاعتزاز المواقف المشرفة للشقيقة السعودية، وبالدور الريادي الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين في دعم ومساندة مسيرة التعاون الخليجي.

ويعتبر مشروع إنشاء جسر الملك حمد جزءًا لا يتجزأ من مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون، والذي جاء بمباركة سامية من لدن أصحاب الجلالة و السمو قادة دول المجلس في الدورة (30) في العام 2009. وعليه فقد تم تشكيل لجنة من الجهات المختصة بدول المجلس لاستكمال الدراسات التفصيلية للمشروع والتنسيق بين الدول الأعضاء تحت مظلة الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فيما يخص إنشاء سكة حديد دول مجلس التعاون والتأكد من تواؤمها وتكاملها مع شبكات السكك لحديدية الوطنية بدول المجلس.

وسيربط المشروع الدول الست من الكويت شمالاً وحتى مسقط جنوباً، وستخصص كل دولة من الدول الست مسارات المشروع في أراضيها، وستتولى تنفيذها وتهيئتها للربط مع بقية الدول.ويبلغ طول الخطوط الحديدية التي يزمع إنشاؤها نحو 2170 كيلومتراً، تبدأ من دولة الكويت، مرورا بالأراضي السعودية (الدمام) وقطر (الدوحة) والبحرين والإمارات (أبوظبي والعين)، وصولا إلى سلطة عمان (صحار ثم مسقط).

وقد اتخذت عدد من الخطوات في سبيل إنشاء جسر الملك حمد منذ عام 2009 ، فبقرار من وزراء المالية والاتصالات الخليجيين تم تكليف فريق من المؤسسة العامة لجسر الملك فهد للعمل مع وزارة المواصلات ووزارة المالية في البحرين والسعودية على تنفيذ دراسة الجدوى لمشروع الجسر وتحديد المسار الأفضل له ودراسة طرق التمويل وتم تعيين شركة استشارية كندية (SNC Lavalin) للقيام بالدراسة اللازمة.

وعلى ضوء النتائج تم الاتفاق على توفير مسارات خاصة للمركبات وأخرى للقطارات على الجسر، وتم دراسة عدة خيارات للمسار حيث تم تحديد المسار الأفضل من الناحية العملية والفنية والمالية ومن المؤمل أن يتم الانتهاء من هذه الدراسة مع نهاية العام الحالي.

ويقدر طول الجسر وفقا للدراسة بـ 20 كيلو متر حيث من المقرر أن يربط بين محطة  القطارات في المملكة العربية السعودية ومحطة القطارات المزمع إنشاؤها على جزيرة سيتم دفنها في الجانب الشمالي الغربي للمدينة الشمالية في مملكة البحرين. وتبلغ التكلفة التقديرية للبنية التحتية لجسر الملك حمد من 3,8 الى 4 مليارات دولار غير شاملة لتكاليف للمقطورات وأعمال البنية التحتية داخل أراضي البلدين.

وتم تعيين سلاح المهندسين العسكري الأمريكي (US Arms Corps of Engineers) لدراسة وتحديد المسار الأفضل لسكة حديد دول مجلس التعاون داخل أراضي مملكة البحرين ونقطة الربط مع الجانب السعودي بالتنسيق مع الجهات المعنية كوزارة البلديات والتخطيط العمراني ووزارة الأشغال ووزارة الداخلية، وتم تحديد ودراسة عدة خيارات بإشراف اللجنة الوزارية للخدمات والبنية التحتية وتم تحديد نقطة الربط لجسر الملك حمد في شمال غرب البحرين "منطقة سهيلة"، وتم تحديد خيارين شمال المملكة للمسار الأفضل المستقبلي لسكة الحديد داخل أراضي الوطن، ويتم التنسيق حاليًا بين وزارتي البلديات والتخطيط العمراني ووزارة الأشغال لتطوير شبكة الطرق في منطقة الربط. ومن المتوقع أن تكون سرعة قطارات الركاب ما يقارب 200 كيلو متر في الساعة أما سرعة قطارات نقل البضائع فستتراوح بين 80/120 كيلو متر في الساعة.

ويعد إنشاء جسر ثان بين البحرين والسعودية من الأهمية بمكان فمن المتوقع رفع أعداد المسافرين بين الدولتين إلى الضعف واستيعاب الحركة النشطة في ظل تنامي الحركة الاقتصادية والتبادل التجاري بين المملكتين. فالجسر من شأنه إنهاء مشاكل تكدس الشاحنات على جسر الملك فهد، والتي كانت تواجه المسافرين عبر الجسر من شدة الزحام من خلال التدفق المروري للمركبات في أوقات الإجازات وعطل الأعياد مما سيعزز النشاط السياحي بين البلدين.

وجسر الملك حمد سيساعد البحرين في تحقيق مساعيها للتحول إلى مركز خدمات إقليمي في قطاعات مختلفة. كما أنه سيوفر أكثر من 22 ألف وظيفة (مباشرة ومساندة) لمواطني الدولتين. ويعزز الاستثمارات الصناعية في المناطق الصناعية من خلال المزيد من المصانع والمؤسسات الخدماتية.

ويعد احتواء الجسر الجديد مساراً للقطارات نقلة نوعية في عملية النقل البري، فالنقل عبر القطارات يمثل حاجة ملحة لا غنى عنها في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل التنامي السريع للحركة التجارية والعمرانية والنمو السكاني.

والجسر هو خطوة استراتيجية نوعية ستكون لها تأثيرات بعيدة المدى على البحرين وباقي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث إن إنجاز الدول الخليجية تكاملها وترابطها عبر شبكة من الطرق والسكك، إضافة إلى إمدادات أنابيب الغاز، سيجعل منطقة الخليج مهيأة لإنشاء منطقة اقتصادية ذات ثقل دولي على غرار المناطق الاقتصادية العالمية.

إن الجسر الجديد سيكون أحد اللبنات الأساسية في الاتحاد الخليجي القادم. وداعما جديدا لطموحات شعوب دول مجلس التعاون وتوجهاتها نحو مزيد من الاندماج والتكامل والوحدة.

إن علاقات التعاون المشترك بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية تشهد كل يوم إضافة جديدة يرتفع معها البنيان أكثر وتزداد التطلعات إلى مزيد من الإنجازات والنتائج الإيجابية التي تصب في مصلحة الشعبين الشقيقين، ولا سيما أن العلاقات البحرينية - السعودية تزداد رسوخاً وصلابة وعمقاً بفضل حنكة قيادة البلدين وما يجمع شعبي المملكتين من رؤى تجمع وتعزز وتطور وتخدم العلاقات وتدفع بها إلى الأمام تشعرنا دوماً بالعمق الإستراتيجي لهذه الروابط والعلاقات الوطيدة والأبدية وبأننا في وطن واحد.

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً