في مطلع الأربعينات من القرن الماضي، اختارها الإنجليز ممَّن كانوا ينقبون عن النفط في البحرين لأن تكون موقعاً لبناء الخزانات الضخمة، وأن تكون مرفأ لتصدير ما عُرف بـ «الذهب الأسود»، فجرفت بقايا جذوع النخيل والزروع فيها، واندثرت معالمها، لتنتهي قصة قرية أم نخيلة في جزيرة سترة.
قرية «أم نخيلة»، صغيرة في حجمها، لكنها كانت تعد من قرى سترة العشر التي ذكرها التاريخ، وهي المكان الذي أنشئت فيه خزانات النفط الآن، وموقعها في وسط جزيرة سترة الأم، وعلى ساحلها الغربي المقابل للمعامير والعكر.
وتاريخياً، وبحسب ما نقله موقع سنوات الجريش الإلكتروني المهتم بالتاريخ والآثار في البحرين، أن في مطلع الأربعينات من القرن الماضي، كانت توجد أطلال من بقايا البيوت وجذوع النخل ومجاري المياه والجداول الصغيرة المنتمية للقرية، وبجانبها مسجد قديم يقع فوق أكمة مرتفعة تدل على مسجديته وقدمه، وبجانبه كانت تقع عين متدفقة محاطة بجدار قديم مبني بالحجارة البحرية والجص، وبجانب آخر توجد مجموعة من شواهد القبور المبعثرة التي تقع في مقبرة منسية».
ومع إنشاء شركة نفط البحرين (بابكو) خلال العقد الثالث من القرن الماضي، اختار الإنجليز هذا الموقع، وهو قرية أم نخيلة، لبناء الخزانات والمرفأ التابع للشركة الذي سيصدر النفط ومشتقاته، وهو الموقع المناسب لرسو السفن النفطية، وقاموا بجرف الآثار والجذوع وبقايا المسجد المهجور وسويت القرية المهجورة بالأرض، وشيدت عليها خزانات المشتقات النفطية دون أن يتم التنقيب فيها أو توثيقها. ومنذ ذلك الحين طمست معالمها وذهبت في طي النسيان والغموض.
وفي هذا، قال الباحث في تاريخ ومعالم البحرين، وصاحب موقع سنوات الجريش جاسم آل عباس: «إن الخزانات النفطية العملاقة باتت تجثم على أنقاض قرية ساحلية مهجورة لو بقيت لتم إحياؤها الآن مع التمدد العمراني في سترة»، مضيفاً أن «أم نخيلة المهجورة من قرى سترة القديمة اختفى أهلها ورحلوا إلى أماكن مختلفة، ولعل الأيام تكشف لنا بعض المعلومات وتجيب على الأسئلة المحيرة التي تدور حول هذه القرية المطموسة».
وأوضح آل عباس أن «في البداية، سميت جزيرة سترة بناءً على روايتين، الأولى تقول إنها جزيرة مستورة من كل النواحي بالنخيل، ولذلك سميت بسترة؛ لأنها تسترت بالنخيل، أي الخارج لا يرى سوى النخيل، وكذلك من في الداخل. وأما الرواية الثانية التي نقلت عن الشيخ عباس الستري، وقال فيها إن سترة سميت بهذا الاسم لأنها مكونة من 6 قرى، وقد باتت هذه التسمية بسبب لهجة ولفظ أهالي القرية. وعند محاولة اكتشاف أصحية الروايتين، اتضح أن الأولى هي الأصح باعتبار أن سترة أكثرها مزروعة، علاوة على أنها قديماً كانت تضم 10 قرى إن لم تكن أكثر، ومن ضمنها قرية أم نخيلة التي توجد اثنتان بنفس اسمها، واحدة في الدير بجزيرة المحرق والثانية في سترة، وهي محل الحديث».
وأسهب آل عباس: «سميت قرية أم نخيلة بهذا الاسم من باب التصغير، أي أنها كانت تضم عدداً محدوداً من النخيل مقارنة بالمناطق الأخرى الشمالية من الجزيرة، ويُعتبر موقعها استراتيجياً وجميلاً جداً باعتبار أنها في وسط الجزيرة الأم (سترة)، وكانت شاذة في ذلك الوقت باعتبار أن أغلب دول العالم تطبق قاعدة أن يقطن الأهالي في الجهة الشمالية من الأراضي، وهذه القرية كانت مبتعدة عن الشمال، وتقع في الوسط، والزراعة فيها ليست بقوة الجهة الشمالية. كما اكتشفنا من كبار السن بسترة أن المنطقة كانت تتمتع بالنخيل وجداول المياه وغيرها».
وبيَّن آل عباس أن «في العام 1932 جاء الإنجليز ونقبوا عن النفط في تلك المنطقة، وبنوا مرفقات «بابكو» في العام 1935، واختاروا المنطقة لأن تكون مخزناً للوقود ومرفأ كما ذكرنا، وقد أنشأ الخزانات أبناء القرية بالتعاون مع الإنجليز»، مشيراً إلى أن «خزانات النفط بسترة أنشئت على نحو 5 قرى قديمة هناك، وهي منطقة شباثة الشاسعة وأم نخيلة والجبلة والفارسية وكذلك سلباء. وهي مناطق باتت كلها ضمن حدود شركة نفط البحرين».
وختم آل عباس بأن «توجد خارطة تعود للعام 1825 ميلادية للملاح المبريطاني بروكس، الذي رسم خارطة لجزيرة البحرين، ومن ضمنها جزيرة سترة التي تتمتع بالنخيل في كل أرجائها وتشمل قرية أم نخيلة».
العدد 4386 - الثلثاء 09 سبتمبر 2014م الموافق 15 ذي القعدة 1435هـ