أعاد الملتقى الخليجي التاسع لجمعيات وروابط الاجتماعيين بدول مجلس التعاون قضية واقع الإرشاد الاجتماعي إلى واجهة القضايا المجتمعية التي يتعين مناقشتها واستعراض المشاكل التي تعترض سبيلها. وعلى مدى ثلاثة أيام استمر النقاش بين المهتمين والعاملين في هذا القطاع في جلسات نقاشية تطرح الهموم وتقترح البدائل، تستعرض التجارب ويتم فيها تبادل الخبرات.
اختصاصيون اجتماعيون يختلفون في مواقعهم ويوحدهم الاختصاص، اجتمعوا على مائدة حوار تحت شعار «الإرشاد الاجتماعي... الإشكاليات ومتطلبات النهوض» في الفترة ما بين الثاني والرابع من سبتمبر/ أيلول الجاري.
ميزة الملتقى هذه المرة أنه عقد في البحرين، وبتنظيم جمعية الاجتماعيين البحرينية والجمعية الخليجية للاجتماعيين بدول مجلس التعاون الخليجي، وحضره أكثر من 200 مختص في علم الاجتماع بمختلف تخصصاته من البحرين والدول الخليجية.
رئيس الجمعية الخليجية للاجتماعيين خلف أحمد خلف، قال بأن الملتقى هو أول ملتقى ينعقد بعد تأسيس وإشهار الجمعية في العام 2010، والتي اتخذت مملكة البحرين مقراً دائماًَ لها، وتسعى لتكون الكيان الإقليمي الجامع لجمعيات وروابط الاجتماعيين بدول مجلس التعاون.
بحسب خلف، فإن الملتقى حرص على أن تكون فعالياته مدعمة باستكشاف واقع التحديات التي تواجه الأخصائيين الاجتماعيين في دول مجلس التعاون، وقد تم إنجاز أول دراسة للجمعية الخليجية للاجتماعيين، ما يشكل منهجية جديدة تعتمد على التشاركية والتفاعل الجماعي، انطلاقاً من قناعة الاجتماعيين البحرينية والخليجية بأن الاختصاصين الاجتماعيين هم الأقدر على قراءة تضاريس واقعهم وتشخيص تحدياته.
الملتقى الذي حظي بإشادة واسعة من المشاركين من حيث التنظيم ونوعية أوراق العمل المقدمة على مدى أيامه الثلاثة، طرحت فيه أوراق عمل تكتسب أهمية بالغة في مضمار البحث الاجتماعي والإرشاد الأسري، فقد استعرضت بدرية الجيب جهود وزارة التنمية الاجتماعية في مجال «شبكة الحماية الاجتماعية في البحرين». وجاءت ورقة أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، سليمان العقيل حول «اتجاهات الإرشاد الاجتماعي» قراءة سيسولوجية في الإرشاد الاجتماعي، كما استعرض جاسم محمد الحمادي من دائرة الخدمات الاجتماعية بحكومة الشارقة «تجربة دائرة الخدمات الاجتماعية في طرح برنامج إرشاد للأسر الحاضنة بكيفية إخبار الطفل بواقعه الاجتماعي»، فيما طرحت نوال زباري «تجربة مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري»، إلى جانب استعراض الدراسة التي أعدتها جمعية الاجتماعيين البحرينية حول «واقع تمهين الاجتماعيين في مملكة البحرين».
وجاءت مقاربة عالم الاجتماع العربي الطاهر لبيب «الاجتماعي في العمل الاجتماعي»، مؤطرةً بإطار معرفي بحكم تخصصه الدقيق في سوسيولوجيا الأدب، حيث طرح إشكاليتين، الأولى تتعلق بما يسميه «انعدام الدقّةِ في الاستعمال العربي للمفاهيم المتصلة بالاجتماعي إجمالاً»، داعياً إلى مواجهة «التسيب الحالي» للغة العربيّة في استعمال المفاهيم، إذ «لا معرفة دقيقةً من دون لغةٍ دقيقة».
أما الإشكالية الثانية، يقول لبيب، فتتصل بسياق نشأة مشروع العمل الاجتماعي. وهذا السياق التاريخي الاجتماعي هو، في المجتمعات الغربيّة، سياق طويلٌ ظهر فيه مطلبُ العمل الاجتماعي كمحصَّلةٍ لتراكم الجهد الفكري والسياسي والاجتماعي في مواجهة التمايز الاجتماعي. لقد كانت تلبيةُ هذا المطلب، بمستوياته ومجالاته وأشكاله المختلفة، نتيجة تنظيرات وصراعات ومطالبات حملتها الحركات الاجتماعية وناضلت من أجلها. من هنا يفرق بين الفعل والعمل الاجتماعي فيقول: «الفعل الاجتماعي أوسع وأعمق من العمل الاجتماعي. هو فعل المجتمع على ذاته لتلبية حاجاته، في اتجاه تقدّمه». بهذا المعنى، يتجّه العمل الاجتماعي الفعلي إلى أن يكون فعلاً اجتماعيّاً، ويتجه القائمون عليه إلى أن يكونوا فاعلين اجتماعيين، في المعنى السوسيولوجي لهذا العبارة. ومن المعلوم أن العمل الاجتماعي، كسياسة وكممارسة، وازاه وحصَّنه جهدٌ فكري نظري تحليلي حول الفعل والفاعلين الاجتماعيين، خصوصاً في علم الاجتماع.
أما في العالم العربي، يؤكد لبيب، فقد رَبطتْ ظروفُ بناء الدولة الوطنية، بعد الاستقلال، العملَ الاجتماعي بحلِّ المشاكل المستعجَلة. هذا جعل المرور سريعاً ومباشراً إلى مجالات الخدمات وإلى تكوين أخصائيين فيها، خصوصاً في البلدان التي أرادت الدولةُ فيها أن تكون «دولةَ رعاية». ورغم أن هذا كانت له، وبدرجات مختلفة، نجاعةٌ في معالجة بعض الظواهر الناجمة عن الفقر، بوجه خاص، فإنه ارتبط، إجمالاً، بالظرفي، من دون الوصول إلى ما هو بنيوي، أي من دون الوصول إلى أصل هذه الظواهر.
فالعمل الاجتماعي في العالم العربي كان مشروطاً، منذ البدء، بأن لا يتحول إلى فعل اجتماعي، تماماً مثل العلوم الاجتماعية نفسها التي كانت برامجها مشروطةً بأن لا تتّجه اتجاه النقد البنيوي.
وينتهي لبيب، إلى أن هذه الإشكالية لا تُسوّى إلاّ إذا اقتنع «الأخصائيون الاجتماعيون»، قبل غيرهم، بأنهم فاعلون اجتماعيون، قائمين، في الوقت نفسه، بالدفاع عن هذه الرؤية الواسعة لعملهم، وبالنقد الذاتي المتماشي مع هذه الرؤية، أي ذاك الذي يعيد النظر في ما استُبطن من مسلّماتٍ فكريّة ومعرفيّة ويبني تصوّراتٍ وتعاريف جديدة، على أساسها تُقترح الإجراءاتُ».
لقد كان الملتقى ناجحاً بكل المقاييس، لكن النجاح الأكبر يظل منوطاً بمدى ترجمة توصياته إلى مشاريع عمل تنعكس ثمارها على واقع الإرشاد الاجتماعي في البحرين ودول الخليج، وهذا ما لا يتم إلا بامتلاك الاجتماعيين أنفسهم - بمختلف مجالات عملهم ومواقعهم - لحس المبادرة والاندفاع الذاتي والتفاعل الايجابي مع ما يجري من متغيرات مجتمعية هائلة، وتلبية نداء الواجب الإنساني تجاه قضايا المجتمع بعيداً عن الاعتبارات الخاصة وقيود المهنة ومحدداتها الجامدة.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4385 - الإثنين 08 سبتمبر 2014م الموافق 14 ذي القعدة 1435هـ