إذ تدعو الأمم المتحدة، الدول الأطراف الموقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، المعتمدة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (46/ 39) في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1984، إلى اتخاد كافة الإمكانات الكفيلة بمنع التعذيب في جميع أنحاء العالم، وضرورة حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الاإنسانية المنصوص عليها في قرار الجمعية العامة في 9 ديسمبر 1975. وكذلك البروتوكول الاختياري لهذه الاتفاقية، الذي يلزم الدول الموقعة عليه تقديم المعلومات عن أوضاع السجون والمعتقلات وظروف المعاملة فيها، فإن التزام غالبية هذه الدول ولاسيما تلك التي تدعي «محاربة الإرهاب الدولي»، وتفرض قوانين الطوارئ العامة من أجل التصدي للاحتجاجات المشروعة المطالبة بالعدالة الاجتماعية والحريات، وكذلك الأفكار المستوردة من الخارج، لايزال يشكل تحدياً واضحاً لمعالجة كل تأثيراته السلبية، التي يمكن أن تتسبب في بواعث القلق المشوب بالخوف من تزايد مشاهد التعذيب الوحشي وصنوف المعاملات والعقوبات القاسية واللاإنسانية، التي أصبحت تتفشى كالفطر وبصورة منهجية داخل المعتقلات والسجون، وتحظى بنوع من الشرعية القانونية في تلك البلدان، التي برّرت لنفسها مواجهة قضايا الإرهاب بكافة وسائل الردع والقوة الممكنة.
وقد تجاوزت هذه الدول قيمة تعهداتها والتزاماتها الدولية تجاه تحقيق حافز القضاء على ممارسة أشكال التعذيب المحرمة دولياً، وبدلاً من نشر ثقافة حقوق الإنسان ومساعدة مؤسسات المجتمع المدني على التوسع والتنمية وإلغاء قوانين الطوارئ والعسف العام، وإقامة أنظمة تتسم بالشفافية والمكاشفة والمساءلة والمحاسبة على الأخطاء الفادحة، التي تجرّد الإنسان من إنسانيته بسبب ميله السياسي أو الفكري والعقائدي أو معارضته لسياسات الأنظمة السياسية القائمة على أسس احتكار السلطة ووسائل القوة والقمع، فإنها تقوم ببناء الأجهزة القمعية، وتعمل على زيادة عدد السجون ومختلف مراكز الاعتقال العامة، وتدريب مسئوليها وكوادرها الأمنية في مراكز ومدارس ومعاهد متخصصة في فنون التعذيب، وتصرف الأموال الباهظة على شراء مختلف أدوات القمع الحديثة، التي تستخدم في السجون.
وعلى الرغم من كثرة التقارير والمنشورات ووسائل الدعاية الملفتة، التي تصدر عن حكومات هذه الدول الفاشلة، في مختلف المحافل الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان، وتسطر فيها البراهين والدلائل والقرائن «القاطعة» على احترامها مبادىء حقوق الإنسان وعدم تورطها في قضايا القمع والتعذيب وخنق الحريات، فإن كل ما هو «سري للغاية» داخل المعتقلات والسجون تكشف عنه في نهاية الأمر، حقائق القمع الوحشي وقضايا التعذيب الجسدي والنفسي والصدمات الكهربائية والحبس الانفرادي والحرمان من النوم والأكل والملبس، ومنع زيارات الأهل ومنع الحديث والاطلاع على وسائل الإعلام والصحافة، وغيرها من أساليب القمع المتوحشة والمحرمة دولياً.
وبالإضافة إلى ممارسات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية واللاإنسانية، تحاول هذه الأنظمة تجاهل كافة المناشدات الدولية، التي تدعوها لاحترام وتطبيق التزاماتها وتعهداتها الوطنية والدولية على أرض الواقع، والتي تشدد بصورة واضحة وصريحة على مسائل تقديم المعلومات والبينات الصحيحة والكاملة عن أوضاع السجناء والموقوفين وظروف معاملتهم داخل السجون والمعتقلات، والسماح للمنظمات الوطنية والدولية بالقيام بجولات تقصي الحقائق في مختلف مراكز الاعتقال وبصورة مستقلة، وكذلك السماح للفرق الخاصة التابعة للأمم المتحدة بزيارات مفاجئة للاماكن التي يعتقد بممارسة التعذيب فيها بشكل تعسفي، والتعهد بوجود آليات متابعة ومراقبة شاملة لعمليات الاستجواب والاعتقال خارج إطار القانون.
وبالنسبة إلى مجمل الدول العربية، فإن التقارير الوطنية غير الرسمية وتلك الصادرة عن المنظمات الحقوقية الدولية، تشير إلى استخدام كل هذه الدول مختلف وسائل القمع الصارمة والمميتة المحرّمة دولياً. وهي بذلك تتصدر قوائم الدول التي تنتهك المبادئ الأساسية المكرّسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومختلف الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة بهذا الشأن، وتكاد أن تكون كل سجلاتها معتمة في هذا المجال بالذات، بسبب غياب الديمقراطية والتعددية والمشاركة في السلطة وصنع القرار، واستقلال القضاء، وحريات الرأي والتعبير والضمير والمعتقد، وتنظيم التجمعات السلمية وحرية المراسلة والإعلام والصحافة، فضلاً عن اعتقال الأشخاص الذي يعتقد بأنهم من المعارضين للنظام من دون توجيه مذكرات توقيف أو محاكمات، وممارسة التعذيب المنهجي ضد الأصوات المناهضة للسياسات القمعية.
وأما على مستوى البلدان المتقدمة، التي يفترض أن يكون لها دور رائد في مختلف ميادين الديمقراطية وحقوق الإنسان، نتيجة تراكم إرث عريق من الحكم الدستوري، والتي مازالت ترفع راية النضال في الخارج من أجل نشر قيم الديمقراطية والسلام وحقوق الإنسان، فإنها تمارس أيضاً أنواع القهر والغطرسة والاستبداد، عندما تجد أن مصالحها قد تضررت من سلوك بعض الأفراد أو الجماعات أو التنظيمات أو حتى حكومات الدول، التي تعتبرها «مارقة» وترعى الإرهاب، أو تلك المناهضة لسياساتها وتطلعاتها الاستراتيجية الاقتصادية والتجارية والأمنية، إلى حد يمكن التدخل في شئونها الداخلية بصورة سافرة، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة التي مارست أجهزة استخباراتها شن العدوان على كل الجبهات، التي تعتقد بأنها ستكون مصدر قلق وتهديد لمصالحها في الداخل والخارج، وجعلت من التعذيب أكثر أشكال اللاإنسانية رواجاً في العالم، حسب الكاتب وليام بلوم، مؤلف كتاب «الدولة المارقة» الذي تضمن سلسلة طويلة وشاملة من حروب الولايات المتحدة السرية حول العالم، والتي ظهرت بصورتها الوحشية والبشعة في سجن «أبوغريب» في العراق، ومعتقل «غوانتانامو» في كوبا، وعدد آخر من السجون السرية في بعض دول أوروبا الشرقية.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 4384 - الأحد 07 سبتمبر 2014م الموافق 13 ذي القعدة 1435هـ
العنف لا يحكمه قانون
كل القوانين والمعاهدات الدولية ليست سوى قصاصات وهذا ما كشفه الواقع المر الذي يعيشه القادة والشباب المعارض في البحرين أين تلك الاتفاقيات والمعاهدات وهل تجاوزت لغتها الشجب والاستياء ومتى يحاسب النظام
الله
الله يصبر شباب البحرين من تعذيبهم فى سجون بلد الامان الدمقراطي
حكم دكتاتوري
مادامت هناك حكومات دكتاتورية في العالم ولها مصالح في الاستمرار في الحكم لاتستطيع سوى فرض الدكتاتورية والتضييق على الناس وخرق القوانين وفرض التعذيب كأداة ردع وإقصاء ..