رأى إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن التعليم ليس مجرد حفظ مناهج وكتب، وإنما هو إعداد جيلٍ وغرس قيم وأخلاق وترسيخ مبادئ، مؤكداً أنه لا فائدة من المناهج الدراسية دون تحويلها إلى سلوك ومشاعر وتصرفات.
واعتبر القطان في خطبته يوم أمس الجمعة (5 سبتمبر/ أيلول 2014) أن الموازين في التعليم تختل عندما يتولى مسئولية التعليم إنسان غير ملتزم بتعاليم الإسلام.
القطان في خطبته التي حملت عنوان «التعليم الذي نريد... ووصايا للمعلمين والطلبة وأولياء الأمور»، ذكر أن «أبناءنا من الطلاب والطالبات ينتظمون في هذه الأيام بمدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم، لينهلوا من مناهل العلم والمعرفة، بحسب مستوياتهم واتجاهاتهم، يشجعهم على ذلك ويدفعهم، أولياء أمورهم والقائمون على تدريسهم، من مربين ومربيات ومدرسين ومدرسات، والذين يقع عليهم العبء الأكبر في تربية الناشئة، التربية الإسلامية الهادفة، والمواطنة الصالحة، التي تعود عليهم بالنفع في دنياهم وآخرتهم، ولا يتم ذلك إلا بالتعاون الجاد بين البيت والمدرسة، وقيام كل منهما بما له وما عليه تجاه أبناء المسلمين وبناتهم».
وقال: «ألا فليعلم كل من اشتغل بالتدريس: أن أقل ما يُنتظَر من المعلم والمعلمة أن يتقيا الله تعالى فيما استرعاهم الله من أمانة أبنائنا وبناتنا من الطلاب والطالبات، وأن يتقيا الله سبحانه وتعالى في قولهما وفعلهما وسلوكهما، وأن يكون ذلك كله متفقاً مع روح الإسلام ومبادئه في التعامل مع الطلاب والطالبات، والتخاطب معهم، وعدم التمييز بينهم، وأن يروا فيهما القدوة والأسوة الصالحة التي تحتذى».
وأضاف «تختل الموازين حينما يتولى التدريس لأبنائنا وبناتنا إنسان غير ملتزم بأحكام الإسلام، متهاون في أوامر الله، قد استحوذ عليه الشيطان؛ لأن المطلوب منه الإرشاد إلى كل خلق حسن، والتحذير من كل خلق ذميم، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه».
وأضاف «الطالب الذي يرى مدرسه في حالة من الميوعة والتسيب وعدم الالتزام بأحكام الشرع؛ كيف يتعلم الدين والفضيلة؟! والطالب الذي يسمع من مدرسه كلمات السب والشتم واللعن؛ كيف يتعلم الأدب وحلاوة المنطق؟! والطالب الذي يرى مدرسه يتعاطى التدخين؛ سيسهل عليه هذا الأمر! والطالبة التي ترى مدرستها تسير خلف ما يصدره لها الأعداء من موضات وأزياء فاضحة، وأخلاق سافلة؛ كيف تتعلم الفضيلة؟ والطالب الذي يرى ويسمع من مدرسه دعوة لفكر متطرف ومنحرف، وتحريض على العنف والإرهاب والتخريب والطائفية، وإيغار لصدور الناشئة على وطنهم ومواطنيهم وولاة أمورهم، فكيف يتعلم الطالب حب وطنه وطاعة ولاة أمره، ويحافظ على مكتسبات وطنه ومنجزاته؟ وقس على هذه الأمور غيرها».
وأردف قائلاً: «ما اختلت موازين الأمة، وفسد أبناؤها يا عباد الله إلا حينما ضاع الأبناء بين أب مفرط، لا يعلم عن حال أبنائه شيئاً، ولا في أي مرحلة يدرسون، ولا مع من يذهبون ويصاحبون ويجالسون، ولا عن مستواهم التحصيلي في الدراسة، وبين مدرس خان الأمانة، وتهاون في واجبه، ولم يدرك مسئوليته».
ونوّه إلى أن «هذا الحكم ليس عاماً على الجميع، فإن بين صفوف المدرسين والمدرسات أتقياء بررة، ومربون ومربيات أوفياء ومخلصون، وهم كثير بحمد الله تعالى في هذه البلاد، ولا نزكي على الله أحداً، وإن المنصف ليدرك جهد ذلك الجندي المجهول - المعلم المخلص والمعلمة المخلصة - في تعليم الأجيال، وتربيتهم، وتقويم سلوكهم، وإن واجب الوطن نحوه: أن يشكر جهوده ويكرمه، ويؤدي إليه بعضاً من حقه، وأن يعرف له قدره واحترامه وفضله».
ودعا القطان الطلبة والطالبات إلى «الجد والاجتهاد ودفع الكسل واحترام مدرسيكم ومدرساتكم، وتقديرهم وتوقيرهم وإجلالهم، لأن المعلم هو مدخل مدينة العلم، والذي لا يمكن أن يدخل إنسان إلى ساحة العلم إلا عن طريقه، حيث لا علم إلا بمعلم، فاعرفوا لهم قدرهم وفضلهم، فإن احترام المعلم يثمر الخشية والحياء والخوف والخجل، وأكرم بها من صفات حميدة».
ولفت إلى أن «رجال التربية والتعليم والمربون والمربيات والمعلمون والمعلمات، يقع عليهم العبءُ الأكبر في توجيه الأبناء والأجيال، وتسليحهم بالإيمان، وتحصينهم من الفتن والانحرافات، وتربأ الأمة بالتعليم أن يكون وسيلةً لرفع المستوى المادي مع إهمال مقاصده النبيلة وغاياته التربوية».
وذكر أن «الطفل عندما يدخل إلى ساحات التعليم أشبه بوعاء فارغ، وخلالَ الأيام والسنوات تتدفّق في هذا الوعاء الممارسات والسلوكيات والمناهج، التي يتلقاها في محاضن التعليم؛ لتشكّل أخلاقَه، وترسمَ منهج فكره وطريقةَ حياته، وبهذا يعمل التعليم على تجسيد هوية المجتمع والوطن والأمة، وإبراز قيَمهم وثوابتهم»، مشيراً إلى أنه «مع تزاحم النظريات التربوية الحديثة ننسى - نحن المسلمين - أحياناً بعض البديهيات، أو قد نغفل عنها مع مرور الزمن، فمهمّة التعليم الأساسية، تربيةُ النشء على قيم الإسلام والمبادئ التي جاء بها الرسول (ص) ليكون المتعلم مسلماً لله حقاً وصدقاً في الاعتقاد والمشاعر والسلوك، خاضعاً في كل جوانب حياته للإسلام».
وأفاد بأن «الأمم لا تتقدَّم بحشو المعلومات، إنما تتقدَّم بتربية صحيحة تعمل على غرس القيم وبناء المبادئ، لتجعل منها واقعاً عمليّاً، لا محفوظات تلوكها الأفواه ثم تفرّغ في قاعات الامتحان، دون أن يكون لها رصيد من الواقع، وأثر يُتحلَّى بها في السلوك».
واستطرد القطان في حديثه عن التعليم وأهميته، قائلاً: «لا يقول العقلاء - فضلاً عن المختصين في التربية والتعليم: إن المقصود من التعليم حشو المعلومات وحرفية النصوص، دون اعتبار لمعانيها وتجاوبٍ مع مدلولاتها، إذا كنا ننشد حقاً تربيةَ الأجيال والارتقاء بهم إلى الكمال، فمهما بلغت المعلومات المادية ومستوى الخبرات الآلية، فإنها وحدها لا تُنمِّي شخصية، ولا تُعدّ إنساناً، ولا مواطناً صالحاً، ولا تحرّك البشرية إلى عمل واحد من أعمال الخير، إنما الذي يحركها إلى عمل الخير هو إيمانها بالقيم العليا والمبادئ السامية».
واعتبر أن «الاقتصار على حفظ معاني المناهج دون أن تمسَّ هذه المعاني القلبَ، ودون أن ينصبغ بها السلوك، فإنه لا فائدة منها؛ إذ كيف يُتعامل مع العقول والأذهان، وتُهمل النفوس والأرواح؟!».
ونبه إلى أن «مهمة التعليم - قبل إعطاء المعلومات - تكوينُ هذا القلب الذي يستخدم المعلومات للخير لا للشر، ولنفع البشرية لا لضررها، ولا سبيل لذلك إلا بالتربية، تربيةً ترسِّخ العقيدةَ وتغرسها في أعماق القلب، حتى لا تتصدّع بشبهة، ولا تنحني لشهوة، تربيةً إيمانية بعيدةً عن اللهو والعبث والمجون، أساسها كتاب الله تعالى وهدي نبيه (ص)، ومنهجها فهم سلف الأمة الصالح، وميدانها تزكية النفس، تربيةً تجعل النفس تتعلق بمعالي الأمور، وتترفَّع عن سفسافها، فلا ترضى إلا لله، ولا تغضب إلا لله، ولا توالي إلا فيه، ولا تعادي إلا لأجله».
وأردف «حاجتنا إلى القلوب العامرة بالإيمان ليست دون حاجتنا إلى الرؤوس المحشوة بالمعلومات، كيلا يكون النشء شيطاناً يرمي بشرره، وينشر الدمار والبؤسَ على أبناء وطنه، وكيلا تجرفه موجات إدمان المخدرات والأفكار المنحرفة والعقائد والمناهج الضالة... وكيلا يكون نهباً لأصحاب الأفكار المضللة المتطرفة، والتجمعات والأحزاب المشبوهة، ولرفقاء السوء الذين يحرضونهم على سفك الدماء، وزعزعة الأمن والاستقرار في أوطانهم. والأمر للمربين بالوقايةِ للوُجوب».
وأوضح القطان أن «التعليمَ الفعال المثمرَ هو الذي يسار فيه مع التربية جنباً إلى جنب، فالتربية والتعليم متلازمان؛ لأن التعليم بلا تربية لا فائدة منه، ولا ضمان له، والفصل بين التربية والتعليم ينشئ جيلاً ضعيفَ الإيمان، هزيلَ الشخصية، مهوَّش الأفكار، لا يقيم اعتباراً لقيَم، يكون لقمةً سائغة للأفكار والمذاهب الهدَّامة، وقد يُسهم بعلمه ونبوغه في تعاسة نفسه ومجتمعه ووطنه».
وتساءل: «ما قيمة العلم إذا كان صاحبه كذوباً خؤوناً، يتمرّغ في الرذيلة، وينقض مبادئَ التربية عروةً عروة بسلوكه وأخلاقه ومعاملاته؟! ما قيمة التعليم إذا لم يظهر أثره على طالب العلم، في أدبه مع العلم، وفي أدبه مع أساتذته ومعلميه، وفي أدبه مع إخوانه وزملائه وكتبه؟!».
وأضاف «تظهر مشكلات الأمة الخلقية والسلوكية، وتئنُّ المجتمعات من غلوائها وتطرفها، وتكتوي بنارها عندما تُهمل تربية الأبناء، أو ينشأ انفصام بين التربية والتعليم، فهذا التعليم العلمي إذا لم تصاحبه قيمٌ عالية، وضوابطُ خلقية، فإنه سيؤدي حتماً إلى دمار محقَّق»، متسائلاً: «أليست هذه الحضارة هي التي أشعلت خلالَ ربع قرن حربين عالميتين، وأنتجت واستخدمت من أسلحة الدمار الشامل ما يهدِّد البشرية كلَّها بالفناء الشامل؟! أليست هذه الحضارة المعاصرة تتهاوى في هوّة التحلل الخلقي والقيمي رغم تقدّمها العلمي؟!».
وأشار القطان إلى ان «المنهج يظلّ حبراً على ورق ما لم يتحوّل إلى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره مبادئَ المنهج ومعانيَه، ينشأ ناشئ الفتيان منا على الصدق إذا لم تقع عينه على غش وتسمع أذنه كذباً، ويتعلم الفضيلة إذا لم تلوَّث بيئته بالفاحشة والرذيلة، ويتعلّم الرحمة إذا لم يُعامل بغلظة وقسوة، ويتربى على الأمانة إذا قطع المجتمع دابرَ الخيانة».
العدد 4382 - الجمعة 05 سبتمبر 2014م الموافق 11 ذي القعدة 1435هـ
يعجبني....
إللى يعجبني في شيخ عدنان القطان أن هو ما يهم الامور المواطن.
ولا يهم الفقر في البلد، ولا أي مواطن مظلوم ولا يستنكر الظلم ولا يقول كلمة الحق !!... إلى إلخ.