في اليابان يتم زراعة البطيخ، وأثناء عملية النمو توضع ثمرة البطيخ داخل صندوق مربع أو مكعب، وعندما تكبر الثمرة تأخذ شكل الصندوق. ولمشاهدة الصور، يمكن كتابة (بطيخ مربع) في محرك البحث google على الانترنت.
كما أن ثمرة البطيخ تأخذ شكل الصندوق التي وضعت فيه، كذلك العقل البشري يأخذ شكل القالب الذي وضعه فيه المجتمع، فعقولنا وعقولهم شكّلها المجتمع في قوالب، وهي لا تختلف في طريقة تشكيلها عن طريقة تشكيل البطيخ المربّع.
الإنسان عندما يولد، يكون عقله حراً فينمو وفق قوانين الفطرة، لكن التعليم المجتمعي والتعليم الرسمي يضع عقل هذا الإنسان منذ الطفولة في قالب، ومع نمو العقل يأخذ شكل القالب، وبالتالي فإن جميع الأفكار التي سيعالجها هذا العقل سوف تأخذ شكل القالب. ولهذا تجد الناس في تفكيرها نسخةً مكرّرةً من بعضها البعض في المجتمع الواحد إلا ما ندر.
للتوضيح، في تجربة، تم تعريض شبان إلى مشاهدة مقاطع، وقراءة قصص ذات إيحاءات ومدلولات جنسية بشكل مكثف لمدة شهر، حتى تشكلت عقولهم في قالب، يعالج كل الأفكار من منظور جنسي.
بعد فترةٍ عُرض على الشبان، في التلفاز مقطع لفتاة تمسك بموزة لتأكلها، فنظر الشبان إلى بعضهم البعض، وهم يبتسمون ابتسامة خبيثة، إذ أعطوا الموزة تفسيرات لإيحاءات جنسية في عقولهم. وهو ما يذكّر بإحدى الفتاوى الغريبة، بتحريم أكل المرأة الموز والخيار، حتى لا تثار جنسياً. فمُصدر هذه الفتوى تشكل عقله في قالب جنسي تجاه المرأة في كل شيء. إلى درجة أنه يفتي بحرمة جلوس البنت مع أبيها إلا بوجود محرم، حتى لا يكون الشيطان ثالثهما.
وأغلب ما يعانيه المجتمع، هو بسبب تشكيل العقول في قوالب محددة من قبل المجتمع، وبالتالي يفقد الناس الحرية، ويتوهمون أنهم أحرار، ولا يدركون أنهم في سجن فكري أو عقلي كبير.
ويصبح الإنسان متعصباً وجامداً بدرجة تشكل عقله في القالب، لأن هذا القالب يحجب عنه الحقيقة الكلية، ويجعله ينظر إليها من زاوية محددة، وبالتالي يتعامل مع الأفكار على أنها مسلمات، ومن يتعامل مع الأفكار على أنها مسلمات يستبد بها، فلا يتطوّر ويبقى مكانه جامداً.
للتوضيح، المنتمين إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، عقولهم تم تشكيلها في قوالب معينة، ينظرون من خلالها إلى مفاهيم الشهادة والجنة والحور العين، نظرة مختلفة عن كل البشر، بسبب الزاوية التي تشكلت بها عقولهم. فتراهم مستبدين وجامدين في فكرهم، يقتلون ويذبحون ويفجّرون حتى أنفسهم، ويعيدون الزمن إلى الوراء، ومن الصعب أن يتطوّروا. فالإنسان الذي تم تشكل عقله كما يشكل البطيخ المربع، لن يستطيع رؤية الحقيقة بصورتها، وإنما يراها على شكل القالب الذي تشكل به عقله.
والمجتمع يرتكب جريمةً أخلاقيةً عندما يتدخل في تشكيل عقول أبنائه على نمط معين. فالواقع هو تجلٍّ من تجليات العقل البشري. والعقل مصنع الأفكار، والأفكار تصنع النوايا، والنوايا تصنع الواقع.
فإذا كان الواقع سيئاً، فهذا دليلٌ على أن العقول تم تشكيلها في قوالب غير صالحة، ومن يقوم على تشكيل العقول قد أضاع الطريق الصحيح... والعكس كذلك.
وإذا أردنا بناء مجتمع أفضل، وعالم جميل، علينا إعادة تغيير المنظومة التربوية والتعليمية في المجتمع، بحيث لا تتدخل في تشكيل عقول الناشئة في قالب محدد، وتركهم للطبيعة والفطرة.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 4379 - الثلثاء 02 سبتمبر 2014م الموافق 08 ذي القعدة 1435هـ
أمنية
كم اتمني ان اعلم كم عدد القراء الذين قرؤا المقال و كم منهم تعلم منه؟ عندها اتمكن ان اعلم كمية التفكير في عقولنا و كم سطحيتها.
هنا في الوطن العربي
هذا المقال قرأه الكثير ولكن عقول الناس تشكلت فلا تتفاعل الا مع المقال السياسي الذي يناقش قضية سياسية ساخنة تمس وضع آني ،رغم ان هذا المقال يناقش امور سياسية