وضعت الحرب أوزارها في غزة وانطلق القوم يتحدثون عن هذه الحرب وآثارها ونتائجها؛ فمن قائل إن غزة انتصرت في هذه الحرب، ومن قائل إن الصهاينة هم المنتصرون، ولكل فريق مبرراته التي يسوقها للاستدلال على صحة ما يقول.
الذين يضعون الصهاينة في خانة المنتصرين هم الصهاينة أنفسهم، وأيضاً مجموعةٌ من المتصهينين العرب الذين لا يختلفون عن الصهاينة في شيء، بل ربما كان بعضهم أكثر حرصاً على هزيمة المقاومة من الصهاينة أنفسهم! وهؤلاء يستدلون على ما ذهبوا إليه بحجم الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية في غزة، وكذلك بأعداد الشهداء الذين زادوا عن الألفين، وكذلك أعداد الجرحى الذين تجاوزت أعدادهم العشرة آلاف جريح.
الطرف الذي يؤكد انتصار الغزاويين هم الفلسطينيون جميعاً، بالإضافة إلى العرب جميعاً - عدى المتصهينين منهم وهم قلة - وانضم إلى هؤلاء جمع من الصهاينة، وهذا هو الجزء المهم في هذه المعادلة، إذ لا يمكن التشكيك في هؤلاء على غرار ما يحاول فعله متصهينو العرب الذين يشككون في كل من يقول إن المقاومة هي التي انتصرت ويرمونه بكل أصناف التهم.
الغزاويون دافعوا عن أنفسهم أمام احتلال غادر لم يترك وسيلة من وسائل الدمار إلا واستخدمها في تلك المعركة، بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً، والتي قيل إنها تشكل حوالي ست قنابل نووية! وهذه المقاومة مقاومة واجبة لأنها دفاع عن النفس مهما كانت التضحيات التي ستقدم من أجل ذلك.
بعد هذه المقدمة السريعة أتساءل: من المنتصر في تلك المعركة... المقاومة أم الصهاينة؟ وهنا لابد من محاولة تعريف معنى الانتصار في المعارك كي تتضح الصورة أكثر، وهنا لابد من الاستعانة ببعض الشواهد التاريخية المشابهة للحالة الغزاوية، ومنها ما حدث للجزائريين إبان الاحتلال الفرنسي، فالمعروف أن الجزائر تعرف بـ «بلد المليون شهيد»، ومعروف أيضاً أنه لحقها دمار كبير بسبب الاحتلال الطويل، أما المحتل الفرنسي فقد فقد حوالي خمسين ألف مقاتل فقط، ومع هذا الفارق الكبير بين ما خسرته كل دولة فإن العالم كله يعرف أن الجزائر هي التي انتصرت في تلك الحرب.
ومثلها فيتنام التي قاومت أميركا وخسرت حوالي خمسة ملايين من مواطنيها، بالإضافة إلى دمار كبير في بنيتها التحتية، بينما لم يخسر الأميركان سوى ستين ألفاً من جنودهم، ومع هذا الفارق الهائل إلا أن هناك إجماعاً على أن فيتنام هي التي انتصرت في تلك الحرب!
ولو نظرنا إلى كل حركات الاستقلال في العالم لرأينا أن الوضع متشابه بينها؛ وبطبيعة الحال فحركات التحرر الفلسطيني ليست بدعاً عن غيرها من حركات الاستقلال في بقية أنحاء العالم؛ فالانتصار لا يُقاس بمقدار الخسائر وإنما بتحقيق الأهداف المتوخاة من ذات الحرب التي تشنها جهة ضد جهة أخرى، ولو طبقنا هذا المقياس على حرب الصهاينة على غزة لرأينا أن الصهاينة لم يحققوا شيئاً مما تحدّثوا عنه، وهذا يعد فشلاً واضحاً لهم، بينما استطاعت المقاومة تحقيق بعض أهدافها، ومازالت تتحدث عن قرب تحقيق أهداف أخرى مثل المطار والميناء.
كثيرة هي أقوال الصهاينة التي تتحدث عن انتصار المقاومة في حربها ضد «إسرائيل»؛ فصحيفة «هاآرتس» اليهودية قالت: «بعد سبعة أسابيع من الحرب: غزة واحد وإسرائيل صفر»! أما صحيفة «ذي تايم أوف اسرائيل» فقالت: «لا ينبغي تهميش احتفال حماس بالنصر، إذ أثبتت قدرتها على التخطيط والتسلح، فإدارتنا للصراع فاشلة»!
صحيفة «الديلي تلغراف» نشرت تقريراً مفصلاً عن الحرب لمراسلها من غزة جاء فيه إن «نتنياهو يواجه تمرداً داخل إسرائييل بسبب الحرب على غزة، كما يواجه انتقاداً شديداً من اليمين الإسرائيلي بسبب الانتصار الذي حققته حماس التي حاربت العدو الأفضل تسليحاً في الشرق الأوسط وصمدت سبعة أسابيع، ما يمثّل انتصاراً معنوياً كبيراً لها، والعكس بالنسبة لتل أبيب».
وفي استطلاع أجرته القناة الثانية في «إسرائيل»، فإن 59% من اليهود قالوا إن غزة هي التي انتصرت! ويبرّرون ما ذهبوا إليه هم وغيرهم بمقدار الخسائر المادية الهائلة التي تكبدتها «إسرائيل» في هذه الحرب، كما تكبدت وللمرة الأولى خسائر كثيرة من نوع آخر، منها هجرة السكان اليهود من قراهم المحيطة بغزة إلى أماكن أخرى وعدم عودتهم إليها إلا بعد إعلان المقاومة أنها سمحت لهم بالعودة. كما أن هروب الآلاف إلى الملاجئ لم يكن منظراً مألوفاً عند الصهاينة قبل هذه الحرب، وهو ما أجبرتهم المقاومة على فعله! وفوق ذلك كله رأينا أن حركة السياحة كادت أن تتوقف بسبب إقفال بعض أهم مطارات «إسرائيل»، كما فقدت «إسرائيل» عدداً كبيراً من مؤيّديها في أوروبا وأميركا.
انتصار المقاومة كان أمراً محققاً، ولكن ماذا بعد هذا الانتصار؟ هل ستبقى المقاومة بنفس القوة والزخم الشعبي الذي تحقق لها أثناء الحرب؟ وهل ستكون قادرةً على تحقيق بقية شروطها؟ وهل ستتمكن من مقاومة الضغوط الهائلة التي تتعرض لها من أقرب الناس لها كي تتخلى عن بعض مبادئها التي قامت من أجل تحقيقها؟ وماذا عن سلاحها وعن إعادة إعمار غزة في ظل مساومة دنيئة على فكرة المقاومة التي يساوم البعض حماس للتخلي عن ذلك كله من أجل إعمار غزة؟
الواضح أن المقاومة تعرضت وستتعرض إلى ضغوط كبيرة من أجل إفشال مشاريعها وأهدافها التي ضحت من أجلها بالكثير، وهنا يأتي دور الوقوف بقوة من أجل مقاومة كل تلك الضغوط الدنيئة سواء من المقاومين أم ممن يقف معهم من الدول أو الأفراد. ففلسطين ليست للفلسطينيين وحدهم بل هي لكل المسلمين في العالم، ولهذا يجب أن يتكاتفوا من أجل تحريرها.
نتطلع إلى وجود مقاومة في سورية لتحرير الجولان، كما نتطلع إلى وقوف المقاومة اللبنانية إلى جانب بقية المقاومات التي نأملها لتحرير مزارع شبعا أولاً، ثم المساهمة في تحرير فلسطين. هذا بالإضافة إلى المقاومة الأم في فلسطين التي فعلت الكثير. ولو توحدت كل أطراف المقاومة وعملت معاً لاستطاعت تغيير معادلة القوة التي تتبجح بها «إسرائيل»، والتي أثبتت المقاومة كذب هذا الادعاء، وأن «إسرائيل» دولة هشة البنيان، وأن الصهاينة لا يمكنهم مقاومة المجاهدين الذين يقدّمون أنفسهم فداءً من أجل تحرير أوطانهم.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 4378 - الإثنين 01 سبتمبر 2014م الموافق 07 ذي القعدة 1435هـ
ضعف المنطق
الاتهام بالصهينة هو منطق الهزيمة لأن المنتصر الحقيقي لا يحتاج إلى صهينة الرأي الآخر... الهزيمة أسسها وعواملها معروفة وكذلك الانتصار ..عالم التخريف والضحك على الناس قد أنتهى وكل شيء اصبح مكشوفاً وواضح كالشمس لآن الردود الهزائمية لن تغير واقع الاحداث ونتائجها بل تزيدها بؤساً وعذاب لا يمكن نسيانه أو تجاهله..مع التحية
فكرو قليلآ
بعض العرب المتصهينين لا يروق لهم منهج المقاومه لأنها تهدد كراسيهم وقصورهم العاجيه فهذه النظره خاطئه !!؟؟
كيف : لأن لو أعطيت الناس حقوقها وخيرات بلادها لم تجرأ أحد بالسؤال أصلآ
الموضوع فلوس
اسرائيل ضد السلام لان المساعدات الامريكية و الغربية ستتوقف بعد السلام و حماس ضد السلام لان الأموال الايرانية ستتوقف لانها لن تخدم المصالح الايرانية و الضحية هو الشعب الفلسطيني المسكين الفقير الذي يموت ابنائه
عن
نفسي وبغض النظر عن انتصار غزه ولنكن اكثر واقعيه من ناحية القتلى والدمار الذي حل بالبنيه التحتيه والاصابات والعاهات التي سوف تمتد سنوات طويله مقابل الطرف الاخر اقول لايوجد انتصار بل دمار ولا اعتقد انه في يوم من الايام سوف تتحرر فلسطين من انفسهم فالتاريخ له شواهد
6
عندما الدواعش اتحلووا الموصل كنت فرحا ومبتهجا ..
ووصفت الحالة بثورة عشائر ... اتعلم ماذا يجري في الموصل .. ؟ من اجرام وانتهاكات .. لا ادري لما ذا التطبيل
..
ارجو اعادة قراءة الوقائع بنفس وطني وليس طائفي ...
أحمد سعيد
أخي محمد عن أي انتصار تتكلم عن إلي فقدو منازلهم أوالي سكانين في المدارس أوالي فقدو عائلاتهم والمثل يقول الثوب الطويل يتعك