هذه غزّة مدرسة مفتوحة تناديكم وتنشر الدروس بين أياديكم لأخذ العبر. هذه غزة مدرسة حرّة تنثر الدرر لمن أراد أن يعتبر من أهل فلسطين وبقية العرب والمسلمين بل للإنسانية جمعاء.
نعم ها هي غزة تنادي فئة من أهل فلسطين وللأسف -وإن كانت قليلة- فإنها آن الأوان أن تعتبر. ها هي غزة تدعو بعض الإعلاميين -من أهل الكنانة خصوصاً- إلى التفكير ملياً قبل النشر والتحليل. ها هي غزة بما حققته تنادي بعض اليساريين الثوريين العرب وتدعوهم إلى صياغة بعض المراجعات، وأخيراً ها هي غزة تدعو العرب والأنظمة الحاكمة إلى شطب عبارة الجيش الذي لا يقهر. كما تدعو المنظمات العالمية إلى الكف عن سياسة السكوت عن الظلم إلى حين.
لقد مثّل الهجوم العسكريّ الأخير للعدو الصهيونيّ على أراضي غزّة محنة متجدّدة تختبر صبر أهل القطاع، وإن كان أحد لا يشكّ في صبرهم، ولكنها مثّلت أيضاً محنة للعديد من الفئات في فلسطين، لعلّ أبرزها فئة المندسين من المتخابرين مع العدوّ؛ فحرب الجواسيس والمخبرين لا تقلّ ضراوةً عن الحرب العسكرية، ولئن نجحت المقاومة مبكّراً في إضعاف الرصيد الاستخباراتي الصهيوني قبل الحرب وتصفية بعض من ثبتت عليه التهمة إثر حرب 2012، فقد عمل المتخابرون، وللأسف، مع العدو على رصد تحركات المقاومة وبالأخصّ الوحدات الصاروخية، فضلاً عن محاولات الكشف عن القيادات ولا سيما العسكرية منها التي دوّخت العدو الصهيوني، إضافةً إلى جمع المعلومات وتقييم آثار الضربات الهمجية العشوائية للآلة العسكرية الصهيونية، دون أن ننسى بث الإشاعات وتقييم آثارها في نفوس ومعنويات المقاومين وعامّة الناس.
وقد أثبتت حرب غزّة أنّ العدوّ فشل فشلاً كبيراً في عمليّاته الاستخبارية؛ فقد عجز جهازه الاستخباراتي (الشاباك) عن كشف مواقع تمركز القيادات ومواقع إطلاق الصواريخ، كما عجز هذا الجهاز في حماية عملائه فوقعوا بين أيدي المقاومة الفلسطينية بعد استشهاد بعض القياديين من المقاومة (محمد أبو شمالة ورائد العطار ومحمد برهوم) وتمّت تصفية الخونة ليكون ذلك درساً لمن أراد أن يعتبر من هؤلاء الخائنين، أو من يفكّر في أن يخون القضية ويبيع ذمّته للعدوّ.
غزّة هذه المدرسة المفتوحة لا تفتأ تنشر العبر لمن أراد أن يتعظ ويعتبر من الإعلاميين؛ حيث لم يوجع أهل القطاع القصف الصاروخي الصهيوني بقدر ما آلمهم القصف الإعلاميّ، فما بالك إن جاء من بعض الإعلاميين الذين يفخرون دائماً بمحاربة العدو الصهيوني، وهو ما لا ينكره أحد، ولكن حين تتحول الماكينة الإعلامية إلى أداة لضرب المقاومة في غزة في سابقة هي الأولى؛ حيث لم يجرؤ أي إعلام عربي سابقاً على عدم مناصرة المقاومة أو رفع المعنويات خلال أي حرب دارت بين الفلسطينيين والصهاينة. نعم، هذه المرة يبدو أن خلطاً كبيراً وسوء تقدير عظيماً وقع فيه بعض المتحاملين على حماس بحجة قرابتها الإيديولوجية لحركة الإخوان المسلمين المغضوب عليها، أو «تآمرها على الأمن القومي المصري مع الإخوان» بحسب تفسير فئة غير قليلة من الإعلاميين المصريين طبعاً. هذا التحامل على المقاومة في غزة كان لافتاً، ما دفع الإعلاميّ والكاتب المصري، ورئيس «المرصد العربيّ لحريات الرأي والتعبير» قطب العربي إلى القول «إنّ الإعلام المصري أصبح معادياً للمقاومة وينظر إلى حركة حماس على أنها منظمة إرهابية، ولذلك لمسنا بشكل واضح حالة التشفي في مقتل قيادات حماس مع عدم الارتياح للاتفاق الذي تم توقيعه في القاهرة». ولئن كان هذا شأناً مصرياً بامتياز، فإن مناصرة الحق في فلسطين لابد أن يبقى واجباً مقدساً في الإعلام العربي، وهو أقل مساهمة يمكن القيام بها في هذه المعركة التاريخية ضد المحتل الغاصب لأرض فلسطين.
وغير بعيد عن هذا الدرس رسالة مضمونة الوصول لبعض الثوريين العرب من اليساريين؛ إذْ لم يصل، تعاطي الأحزاب والقوى اليسارية العربية مع الحرب في غزة، إلى المستوى المأمول؛ فلقد عرفت هذه الأحزاب والقوى بمساندتها لقوى التحرّر في العالم، ولطالما تغنّت بثوار السلفادور ونيكارغوا وبالثائرين العالميين مثل شي غيفارا وغيره... وهذا جميل، لكن أنْ لا يُرى لهذه القوى الثورية العربية مساندة متحمسة للمقاومة في غزة فذلك ما لا يمكن تفسيره إلاّ على خلفيّة الاختلاف الإيديولوجي بين هذه القوى الثوريّة العربية اليسارية والمقاومة الإسلامية في غزّة. في الوقت الذي كانت فيه دول أميركا اللاتينية، المعقل التاريخي لليسار الثوري العالمي، أوّل من ساند المقاومة في غزّة، بل كانت مواقفها تجاه الصراع في غزّة أكثر ثوريةً من مواقف الأمة العربية والإسلامية جمعاء.
كما لا يخفى الدرس العميق الذي يستشفه القادة العرب؛ فلقد سقطت أسطورة هذا الجيش الذي لا يقهر في أكثر من مناسبة أمام المقاومة الفلسطينية، وسقطت صورة هذه الدولة التي لا يُرد لها طلب، وخضعت لشروط المقاومة لإحلال الهدنة ثم وقف إطلاق النار، كل هذا قد يدفع القادة العرب إلى البحث عن سبل أخرى للحد من سطوة الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، ولِمَ لا يتاح للكفاح الفلسطيني هامش فسيح من المقاومة ليحقق أهدافه المشروعة؟
ومن الدروس والعبر يمكن أن نستخلص موت المرجعيات العالمية؛ ففي الوقت الذي تحرق فيه قوات الاحتلال الأخضر واليابس وتضرب كل ما يتحرك على أرض غزّة، تنام المؤسسات والجمعيات الدولية على غرار الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان في ظل تواطؤ أميركي سافر مع قوى الاحتلال الصهيوني. فهل عرف العرب وعلمت الإنسانية أن هذه المنظمات لن تنصف القضية الفلسطينية؟ وما بعض القرارات التي لم يكتب لها التنفيذ سوى ذرّاً للرماد على العيون.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4378 - الإثنين 01 سبتمبر 2014م الموافق 07 ذي القعدة 1435هـ
مقال رائع سلمت يداك
دروس من غزّة نزداد بها عزّة
وهل سيء ما قد
يدفع القادة العرب إلى البحث عن سبل أخرى للحد من سطوة الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، ولِمَ لا يتاح للكفاح الفلسطيني هامش فسيح من المقاومة ليحقق أهدافه المشروعة؟
وا عجبا !
وما بعض القرارات التي لم يكتب لها التنفيذ سوى ذرّاً للرماد على العيون : سوى ذرّاً ...
صدقت
لكن أنْ لا يُرى لهذه القوى الثورية العربية مساندة متحمسة للمقاومة في غزة فذلك ما لا يمكن تفسيره إلاّ على خلفيّة الاختلاف الإيديولوجي بين هذه القوى الثوريّة العربية اليسارية والمقاومة الإسلامية في غزّة. في الوقت الذي كانت فيه دول أميركا اللاتينية، المعقل التاريخي لليسار الثوري العالمي، أوّل من ساند المقاومة في غزّة، بل كانت مواقفها تجاه الصراع في غزّة أكثر ثوريةً من مواقف الأمة العربية والإسلامية جمعاء.
دروس من غزّة نزداد بها عزّة
شكرا لك على التحليل الجميل ونرجو لمن يريد أن يعتبر أن يعتبر
ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
حقيقة
اتذكر ان الكويت الحبيبة اكثر من وقف مع الفلسطينيين .. وكانت الكويت ممتلئة بالفلسطن بالاضافة طبعا الى الدعم المادي .. وأول من وقف ضد الكويت ومع الغزو العراقي الصدامي للكويت هم الفلسطينيون .. حقيقة للتاريخ والتاريخ مليئ بطعنات الظهر الفلسطينية لخليجنا .. هذه حقيقة عشناها ولم نقرء عنها في تاريخكم المزور والمليئ بالاستعطاف .. يقتلون القتيل ويمشون في جنازته .
قص علي روحك
نعم دروس وعبر في كيفيه العيش بون ماوي وكيفيه التخلص من عائلتك وكيفيه تدمير أملاك غيرك وتطلع منها سالم