في الوقت الذي ظلّت تعاني منه اقتصاديات دول العالم المتقدمة والنامية على حد سواء، بسبب تزايد الحروب والكوارث البيئية وبؤر الفساد والاضطرابات، التي انتشرت بصورة ملفتة ومخيفة خلال السنوات الأخيرة ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، فإن الاتجاه العام نحو الإنفاق على التسلح يشكل معضلةً كبيرةً للعديد من الدول النامية والفقيرة في هذا الزمن المضطرب، حيث يبدو أن كل الحروب والصراعات، التي لاتزال تستعر بمعدلات سريعة في معظم هذه المناطق، لن تتوقف على المدى القصير، بسبب تضارب الرؤى والمصالح والامتيازات، وإرتباطها الوثيق بحلقة واحدة على مستوى المواجهة العالمية سواء في الشرق الأوسط، بالنسبة لأفغانستان والعراق وسورية وفلسطين وليبيا، أو النزاعات المسلحة في أفريقيا، أو مختلف مناطق الاضطراب الجديدة في أوروبا بالنسبة لبعض دول البلقان وأوكرانيا وبعض بلدان الجوار الروسي.
وفي الوقت الذي تنفق فيه دول العالم أكثر من 1735 مليار دولار على الحروب والصراعات القومية والاثنية المزمنة والحديثة ـ حسب تقرير معهد استوكهولم الدولي للأبحاث حول السلام للعام 2012- التي تؤدي إلى قتل وشقاء وتهجير ملايين الناس من مناطقهم ومدنهم وقراهم بشكل قسري، ويتم التخلص من أكثر من مليار طن من الغذاء العالمي برميها في صناديق القمامة ـ وفق تقرير البنك الدولي الصادر في 28 فبراير/ شباط 2014- فشلت كافة المنظمات الوطنية والدولية في توفير الغذاء المطلوب للجميع، على رغم صدور البيانات والقرارات الدولية بشأن ضرورة وقف الحروب والمنازعات، وكذلك خفض عدد الفقراء في العالم مع نهاية العام 2015.
وتقول التقارير الدولية إن الأمر يحتاج فقط إلى قرابة 195 مليار دولار من أجل القضاء على الفقر الذي يعاني منه أكثر من 3 مليارات نسمة، يعيشون في قاع المجتمع في البلدان النامية والفقيرة، التي وصل عدد سكانها في الوقت الراهن إلى قرابة 4.3 مليارات نسمة تقريباً.
ولم تقتصر مظاهر الفقر والعوز المادي فقط، على المناطق التي تشهد الحروب والاضطرابات والكوارث البيئية، التي قد تقوّض معظم إمكانياتها الاقتصادية والبشرية، إنما تشمل بعض هذه المظاهر العديد من الدول المتقدمة، والبعيدة عن بؤر الحروب والنزاعات والاضطرابات. ففي أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وكذلك البلدان الأخرى التي شهدت توسعاً هائلاً على مستوى الاقتصاد مثل الصين والهند والبرازيل وبعض دول نمور آسيا، يوجد ملايين الفقراء الذين يعيشون على فضلات الموائد، رغم وجود الأنظمة الاجتماعية الكفيلة بإطعامهم ورعايتهم. وحسب تقرير منظمة «أوكسفام» الدولية، فإن عدد إجمالي الفقراء في القارة الأوروبية، ارتفع بشكل مطرد في السنوات الثلاث الأخيرة حتى بلغ نحو 146 مليون نسمة، أي ربع سكان القارة، بالمقارنة مع 121 مليون نسمة في العام 2011. وتتوقع المنظمة أن يتضاعف هذا العدد بمقدار 25 مليوناً بحلول العام 2025 في حال استمرت الحكومات الأوروبية بتنفيذ سياسات التقشف الصارمة، التي بدأت بعض ملامحها تتضح في الفترة الأخيرة في بعض بلدان القارة، حيث كشفت عدة تقارير أوروبية أن الكثير من العاطلين عن العمل يقفون في صفوف طويلة على أبواب المؤسسات الاجتماعية الإنسانية، التي تطعم المحتاجين والفقراء بوجبات صغيرة مجانية، وأن العديد من المتقاعدين في هذه الدول يقومون بالبحث عن الغذاء في صناديق القمامة المنتشرة في المدن. وفي بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، مثل مولدافيا وقرغيزيا، لا يستطيع ملايين الناس أن يشتروا ما يكفي من طعام، وكذلك سداد فواتير التدفئة والكهرباء والمياه الصحية، ويعيشون على أقل من 2.50 دولار في اليوم.
وقالت رئيسة مكتب الاتحاد الأوروبي في «أوكسفام» نتاليا ألونسو، في تصريحات سابقة، أن الأمر ربما يستغرق قرابة 25 عاماً لكي يستعيد الأوروبيون مستويات المعيشة، التي تمتعوا بها منذ خمسة أعوام مضت، وضربت مثلاً على ذلك بقولها أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في المملكة المتحدة وأسبانيا أصبحت شاسعةً، وربما تتطوّر لتصبح على غرار الوضع في دولة جنوب السودان أو بارغواي.
وذكر تقرير البنك الدولي أن أكثر من نصف إجمالي الغذاء العالمي المفقود أو المهدر هو من أنواع الحبوب ذات القيمة الغذائية الجيدة، بينما تشكل الفاكهة والخضار حصة الأسد من ناحية الكمية والوزن، معتبراً أن «غالبية فقدان الغذاء وهدره تحصل في مراحل الاستهلاك والإنتاج والتسليم والتخزين، ولكن بنسب متفاوتة بين مختلف مناطق العالم.
وأشار التقرير إلى أنه في دول أميركا اللاتينية، يحدث ما نسبته 61 في المئة من هدر الغذاء في مراحل الاستهلاك، أي بعد شراء الغذاء وتركه يتعفن في المستودعات والمخازن، بينما يفقد خمسة في المئة فقط من الغذاء في مراحل الاستهلاك في بعض الدول الأفريقية، أما الكميات الهائلة فتهدر هناك في مراحل الإنتاج والتصنيع.
ويقول منسق شئون المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة روبرت بير، إن هناك نحو 11 مليون إنسان على شفا الموت جوعاً في منطقة الساحل الأفريقي، وأكثر من 200 مليون جائع في أفريقيا جنوب الصحراء، و5 ملايين طفل يعانون من أمراض سوء التغذية؛ وأن العالم بحاجة ملحة إلى وقفة شجاعة لإنقاذهم.
الحلول والمعالجات الكفيلة بمكافحة الحروب والمجاعات والجوع ليست سهلةً، لكن تعاون المجتمع الدولي برمته مع كل هذه القضايا يمكن أن يخفف من وطأة «جحيم المجاعة والحروب المرعب» الذي يعاني منه ملايين الناس في مختلف مناطق الحروب والاضطرابات، ويساعد على تحقيق بعض الحقوق، التي تقضي بتوفير الأمن الاجتماعي وشروط الحماية الاجتماعية الشاملة من أجل رفاهية جميع الناس، بما في ذلك الأشخاص الذين يعيشون تحت مستوى الفقر وغيرهم من المعرّضين لمخاطر الفقر، المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 4377 - الأحد 31 أغسطس 2014م الموافق 06 ذي القعدة 1435هـ
الحقيقة المرّة ..
الأنظمة الإستعمارية ( أمريكا ) و التسلطية و من أتباعهم (.....و من سار على نهجهم ، هم السبب الرئيسي لهذهِ الحروب و المجاعات و الكوارث الإنسانية ..
العالم الظالم اليوم ينظر للحياة من منظور القوي و الضعيف " و هذه شريعة الغاب !! "
و في الحقيقة العالم بحاجة إلى نظرة ( العيش الإنساني المشترك ) ..
شكراً لصحيفة الوسط ، و للكاتب الأستاذ هاني الريس ..
وعود كثيرة ولكن ..
وعود المجتمع الدولي وآماله كثيرة عن انخفاض مستوى الفقر في العالم وخاصة البلدان الفقيرة ولكن ما هو حقيقة ان مستويات الفقر تزداد والحلول ضعيفة واصبح القوي يأكل الضعيف في هذا العالم ؟؟