قبل شهرين؛ وتحديداً في 27 يوليو/ تموز 2014، نشرت صحيفة «إنترناشيونال نيويورك تايمز» تقريراً كتبته جنيفر شيسلر، تناولت فيه جانباً من الجدل في الأوساط الأدبية الأميركية، وشهادات شعراء، بعضهم فاز بجائزة شاعر الولاية التي يقيم فيها، ومنهم من حاز لقب شاعر الولايات المتحدة الأميركية وولاية نيويورك، بيلي كولينز، وشهادات أخرى لمسئولين من الوسط نفسه، ومرَّ التقرير على الإشارة إلى «سيْل مُحْبِط» من المقالات التي ذهبت إلى أن الشعر في أميركا قد مات.
بمقياسنا نحن كأمة أول فنونها: الشعر، بانحساره - تقريباً - من دنيا الناس، واقتصاره على المناهج المملّة التي مضت على أساليب تقديمها عقود، سنكتشف من خلال ذلك التقرير أن الشعر لايزال بخير، ويتمدّد، مقارنة بمكانته لدى كثير من دول العالم، على رغم أن تراجع حضوره وتأثيره لاشك بات معروفاً؛ إذا ما دخلنا في مقارنات ظالمة بين وهجه وأثره فترة سبعينيات القرن الماضي هناك وحاله الآن.
العبْرة في الصيِغ والأساليب والطرق التي يُقدّم بها الشعر في أميركا. الصيَغ عندنا تراوح مكانها ولا جاذبية تذكر هنا؛ بل طاردة ومنفِّرة بالذي تعوّدنا عليه في الترتيب: شاعر، صالة، مايكرفون، جمهور لا يخلو من الجنون بتحمّله عناء الحضور!
من الصيَغ والأساليب والطرق هناك، جهود بذلتها أسماء فاعلة وحاضرة في المشهد الشعري الأميركي، منها مثلاً ما فعله جوزيف برودسكي، حيث نشط في وضع كتب الشعر في معظم غرف الفنادق في أميركا. هنالك أيضاً قراءة الشعر على متن الحافلات المدرسية المتحركة، ووصلت تلك الصيغ إلى الذهاب إلى الناس أنّى كانوا، ومن بين تلك الأمكنة المدارس والقواعد العسكرية وملاجئ المشرَّدين، ولم يتم عزل السجون عن تلك الأساليب والمشاركة. والتركيز هنا سيكون على السجون والمقيمين فيها.
النظرة السالبة والشاطبة لأولئك المقيمين في السلوك والتعامل الشرقي عموماً، والعربي خصوصاً، هي ما يجعل مثل تلك السجون بؤر تعميق للجرائم مستقبلاً، ويجعل من السجّانين أعداء مدى الحياة.
في السجون الأميركية يحدث في عددٍ من الولايات تنظيم أمسيات شعرية في عدد منها، ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد. ثمة ورش وتمرينات على الخطابة وإلقاء النصوص؛ وخصوصاً بالنسبة إلى الذين يمتلكون موهبة، ويمكن للإقامة المفروضة تلك أن تصقلها، بتوافر مكتبات يأتي الشعر في مرتبة متقدمة من محتواها على قائمة أكثر الكتب طلباً وقراءة هناك مع تصدّر الأعمال الروائية. ذلك بطبيعة الرواية وتركيبتها في خلق العوالم والأمكنة والشخوص والحالات والظروف. ربما يلتقط السجين شيئاً من تلك العوالم تمرّر له وجه شبه له.
الأنشطة في هذا المجال التي يقوم بها شعراء متطوعون، ينتخبون أمكنةً وبشراً في ذيل قائمة التذكّر، والجديد في الصيغ والأساليب وطرق التقديم، وكسْر النمطية في المكان، هو الذي يجعل من الألوان التعبيرية حية ونابضة ومتجددة، ويتهافت عليها الناس؛ ولا يمكن لأي لون من ألوان التعبير تلك؛ وخصوصاً الشعر أن يمر بطور الموت، في مجتمعات مبادرة وخلاقة ومبدعة ولا تعترف بالتقسيمات والتمييز بين البشر؛ علاوة على وجود مبادرات كتلك لا تترك للموت (بالمعنى المجازي) فرصة أن يتسلل إليها.
وتحوّل الشعراء إلى متطوعين في أميركا وغيرها، هو جزء من نظام قائم على الشراكة وعدم الاستئثار، وفي ذلك تحصين للمجتمعات تلك من المرور بأطوار الموت أو التساؤل والضجيج حول حقيقة حياتها أو العدم، ولن تموت فيها القيم التي تبدعها والفنون التي تبتكرها، وسيحدث ذلك حين تحيد عن مسارات كان فيها الإنسان هو الفَلَك الذي تدور حوله صيغ وأشكال ومضامين الإبداع.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4377 - الأحد 31 أغسطس 2014م الموافق 06 ذي القعدة 1435هـ
المتمردة نعم
الشعر لا يموت عند العرب لانا مجتمعات عاطفية لا تسنخدم عقولها الا قليلا لذلك تجد من السهولة علينا تصديق الروايات المتناقلة بينما الغرب لما تقوله بيت شعر(البارحة ونيتن ونة شقت سما وبحرين) بيقولك come on ,واتز ذيز هرار