العدد 4376 - السبت 30 أغسطس 2014م الموافق 05 ذي القعدة 1435هـ

هل تحقق “الوريقات الخضراء” النشاط والحيوية الحقيقية لليمنين؟

نعيمة السمّاك تروي قصة تعرفها على “القات”

حين هبطت الطائرة في مطار صنعاء الدولي كانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف ظهراً، وعلى رغم أنها ليست الزيارة الأولى لي إلى اليمن، إلا أنني كنت في شوق ولهفة لمعرفة واكتشاف المزيد عن هذا البلد العربي شبه الخليجي.

ما إنْ خرجت من مبنى المطار حتى التقت عيوني شباباً يقفون جانباً أو يجلس بعضهم على أرصفة الشارع يحملون في أيديهم أكياساً بلاستكية صغيرة مملوءة بأوراق خضراء صغيرة، ويمضغون شيئاً كمن يقوم بمضغ اللبان (العلك)، بيد أن خدودهم بدت منفوخة كثيراً.ولاحقاً عرفت أنهم «يُخزِّنون» كما هو متعارف عليه في اللهجة اليمنية، أي يتعاطون القات.ويعتبر القات أيضاً نوعاً من المخدرات، وإنْ كان أقل ضرراً من المخدرات المتعارف عليها إلا أنها تقتل متعاطيها ببطء.

ظاهرة تخزين أوراق القات في اليمن ليست شيئاً جديداً وهي عادة صحية مضرة، إلا أن غالبية اليمنيين مازالوا يمارسونها منذ وقت طويل.وبالمناسبة تحضرني صور ملونة لرجال يجلسون معاً بخدود منفوخة في تحقيق قديم أجرته مجلة «العربي» الكويتية، لا أعرف عمر ذلك التحقيق بالضبط ولكن لا شك أن عمره لا يقل عن عقدين من الزمن، بيد أن الخدود المنفوخة مازِلتَ تستطيع مشاهدتها علانية في الأسواق والأماكن العامة في اليمن.

وعلى رغم قدم ظاهرة تخزين القات في اليمن إلا أنها مازالت تثير فضولي ودهشتي.لماذا حقاً يخزن اليمنيون القات؟! وهل تحقق لهم تلك الوريقات الصغيرة الخضراء النشاط والقوة كما يعتقدون؟

ليس بالضرورة أن نصل إلى جواب شافٍ جامع، ولكن يكفي تسليط الضوء على ظاهرة غير صحية مازالت تستنزف جيوب إخواننا اليمنيين، وتسلب صحتهم وتدمر اقتصادهم.

أصول الظاهرة

حاولت أن أعرف رأي بعض من التقيتهم من الشباب اليمني عن ظاهرة تعاطي القات في اليمن وكان هذا الاستطلاع:

يروي لي الشاب منصور الموظف بالفندق الذي سكنته حكاية اكتشاف القات، يقول منصور: «أصل الشجرة من الحبشة، فلم تكن سابقاً تزرع في اليمن، وبحسب الرواية أنه في إحدى القرى الحبشية لاحظ أحد الرعاة إن إحدى الدواب تكون خاملة جداً في فترة الصباح ولكنها تكون مرحة ونشيطة في وقت الظهيرة، وتعجّب من حالها وبدأ يراقبها، فوجد أن تلك الدابة تجتر أوراق شجرة ما».وأكمل: «فما كان منه إلا أن جربها على نفسه وأخذ من نفس الشجرة وبدأ يمضغ الأوراق وشعر بعدها بنشاط وحيوية، ثم أخبر بقية المزراعين الذين بدأوا بدورهم في استخدام الأوراق ليشعروا بالنشاط والحيوية».

وتابع: «بعد ذلك ذاع وانتشر صيت تلك الشجرة وبدأ التجاراليمنيون يجلبون هذه الأوراق إلى اليمن، كاستخدامات علاجية، إلى أن حمل أحدهم النبتة نفسها (نقيلة) وزرعها في أرض اليمن، ونظراً للظروف المناخية الجيدة في اليمن، فقد نمت شجرة القات اليمنية وأصبحت أفضل من شجرة القات في البلد الأم (الحبشة)... هذه أصل الحكاية».

ويتذكر منصور أنه ربما بدأ اليمنيون في تعاطي وتخزين القات منذ سبعينات القرن الماضي، وشيئاً فشيئاً أصبح التخزين طقساً خاصاً باليمنيين، يمارسونه في جلسات اللقاءات الاجتماعية والأعراس، لذلك فهو يجمعهم. ويقول أحد الباحثين في أضرار القات إن الحسنة الوحيدة للقات هي تجميع الأهل والأصدقاء فيما عدا ذلك فكله أضرار.

ويؤكد منصور أن أغلب اليمنيين يدركون خطورة تخزين القات، إلا أنه أصبح طقساً اجتماعياً لا يستغنون عنه، فترى غالبية اليمنيين يخزنون القات بانتظام، سواء بمفردهم أو في الجلسات الجماعية. نعم، فاليمنيون يدفعون الغالي والنفيس من أجل تخزين القات.

النساء “يخزنون” أيضاً

اللقاء الثاني كان مع موظف الاستقبال مشتاق القباطي بالفندق الذي سكنته.

يقر مشتاق بانتشار ظاهرة التخزين لدى اليمنيين بنسبة لا تقل عن 90 إلى 95%. ويضيف أنه غالباً ما تبدأ طقوس التخزين في فترة المساء، أي فترة ما بعد الغداء، نظراً لأن الدوام الرسمي ينتهي، وتخزين القات غير مسموح به في الدوائر الحكومية وكذلك في بعض المؤسسات الخاصة. ومن هنا يكون وقت التخزين في الغالب الأعم في فترة المساء، ويمتد وقت التخزين ما بين 5 إلى 8 ساعات.

وحتى اللحظة كنت أعتقد أن تخزين أوراق القات هو ممارسة خاصة بالرجال اليمنيينين، ولكن، بينما كنت جالسة وسط ثلة من النساء نحضر حفل زفاف يمني وجدت غالبية النساء يقطعن أوراقاً صغيرة تشبه في شكلها أوراق المشموم ولكن برائحة مختلفة، كنَّ يقطعن الأوراق عن الأغصان الصغيرة ويضعنها في فمهن. وجدتها فرصة، فسألت السيدة فاطمة التي كانت تجلس بجانبي وهي في كامل أناقنها وزينتها، جميلة حلوة المعشر، رحبت بي كثيراً كوني ضيفة في بلدهم.

قلت: ألا يضر التخزين بصحتكِ؟

أجابت: لا. فأنا لا أكثر، مجرد عدد قليل من الوريقات، لا أخزن كميات كبيرة، يساعدني التخزين على الشعور بالنشاط والحيوية، ومن ثم أجد نفسي بعد التخزين أشعر بالنشاط والحيوية وأنجز العديد من الأعمال المنزلية.

رددتُ على قولها: ولكني قرأت الكثير عن أضرار تخزين القات، وأنه يمد مخزنه في البداية بالنشاط والحيوية ولكن يعقب ذلك حالة من الكسل والخمول، وأيضاً عرفت أن التخزين هو المتسبب في إحداث الكثير من سرطانات الفم التي يعاني منها اليمنيون.

«لا، لا» أجابت. وأضافت: إنه يعتمد على الشخص نفسه، وصحته ومدى استعداده. القات ليس مضرّاً.

اكتفيت بهذه المحادثة القصيرة بيني وبين السيدة فاطمة، ثم أكملت تأملي وملاحظتي لبقية النسوة الجالسات واللواتي بدينَ مستمتعات جداً بين طقوس العرس وطقوس تخزين القات.

العدد 4376 - السبت 30 أغسطس 2014م الموافق 05 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً