والصادق الذي أعنيه هنا هو الإمام أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق، الذي وُلد في مدينة الرسول (ص) في السابع عشر من ربيع الأول سنة ثمانين للهجرة النبوية، وتوفي فيها في الخامس والعشرين من شوال سنة مئة وثمان وأربعين للهجرة، ودُفن في مقبرة البقيع إلى جانب عددٍ من آبائه رضي الله عنهم أجمعين.
والإمام جعفر لُقّب بالصادق لأنه لم يُعرف عنه الكذب قط، ومعروفٌ عنه أنه من العلماء الأجلاء، ومن العُبّاد الأتقياء وهو إمام من أئمة المسلمين، فهو الإمام السادس عند الشيعة والخامس عند الإسماعيلية، وهو أحد الأئمة الكبار عند السنة، وقد اجتمع له من الفضل والعلم ما ندر اجتماعه لغيره، فقد روى عنه عددٌ كبيرٌ من علماء الحديث من السنّة والشيعة على حد سواء، كما تتلمذ عليه الإمامان أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس، وقد نقل عنه الإمام مالك اثني عشر حديثاً في كتابه «الموطّأ»، أما الثناء عليه فكان من جملة كبيرة من علماء عصره، منهم النووي والذهبي وابن خلكان وسبط بن الجوزي وآخرون لا يتسع المقام لذكرهم. وقد وصفه الإمام مالك فقال: «وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادةً وورعاً».
وكما تتلمذ عليه مجموعةٌ من علماء الشريعة، فقد تتلمذ عليه أيضاً مجموعة من علماء الطب والكيمياء، منهم جابر بن حيان عالم الكيمياء الشهير، وكان أيضاً عالم فلك وأديباً.
وقد سُمي المذهب الشيعي باسمه، ووردت أقوال عديدة عن سبب ذلك، لعل أرجحها كما أرى أن فترة إمامته بلغت قرابة الثلاثين عاماً، وهذه فترة طويلة نسبياً، مكّنته من وضع معظم أسس المذهب وتأسيس العلوم الرئيسة له، كما أن فترة حياته كانت مليئةً بالحراك الثقافي المتنوع، وهذا يمهد لوضع مفاهيم متنوعة للفكر في ظل حرية متاحة لتبادل المعارف والأفكار والخبرات.
وإلى جانب قوة الإمام جعفر الصادق العلمية، فقد كان قوياً في مواجهة الظلم والاستبداد، يقول ما يعتقد أنه الحق دون خوف ولا مواربة؛ ويروي التاريخ أن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور كتب للإمام جعفر الصادق: «لم لا تزرنا كما يزورنا الناس؟»، فأجابه: «ليس لنا في الدنيا ما نخافك عليه ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنؤك بها ولا في نقمة فنعزيك عليها»، فردّ عليه قائلاً: «تصحبنا لتنصحنا»، فأجابه: «من يطلب الدنيا لا ينصحك ومن يطلب الآخرة لا يصحبك».
وهذه هي قمة القوة في قول الحق الذي يعتقده والصدع به دون خوف أو وجل، ولو تهيّأ للأمة عددٌ من أمثاله لتغيّر حالها كثيراً.
والدة الإمام جعفر هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وكان - رحمه الله - يقول: وُلدت لأبي بكر مرتين! والدارس لحياته الإجتماعية يجد قربه الشديد لأهل السنة، وكذلك حياته العلمية التي أشرت إلى شيء منها.
وقبل أن ألخص فكرتي الأساسية من هذا المقال أتساءل: لماذا كتبته في هذه الأيام تحديداً؟ وأجيب: إن وفاة الإمام كانت في الخامس والعشرين من هذا الشهر، وفيه تعود شيعته على عمل عزاءات بهذه المناسبة كما تعوّدوا أيضاً على عمل عزاءات لغيره في ذات المناسبات، وأيضاً عمل أفراح بمناسبة ولادتهم، وللإيضاح فإن مجموعة من السنة يقومون بالعمل ذاته ولكن في مناسبات مشابهة أو ذات المناسبات أحياناً. هذا العمل حفّزني لطرح سؤال آخر: ألا يمكن الاستفادة من هذه المناسبات في تقريب وجهات النظر بين السنة والشيعة؟ ألا يمكن أن يتفهم الطرفان أن أسلافهم كانوا أمةً واحدةً، وأن الجهل بتاريخهم وتشويه البعض لتراثهم هو الذي أوجد وغذّى الأحقاد بينهم؟
ولا أريد أن أذهب بعيداً، فالإمام جعفر خير شاهد على ذلك: انظروا كيف يتحدث عن أبي بكر الصديق وغيره من الصحابة، وانظروا إلى أسماء بناته وأبنائه، ثم انظروا إلى أسماء من تعلّم منهم وعلّمهم، وتأمّلوا فيمن أثنى عليه من كبار علماء السنة، ألا يدفعنا كل ذلك، وغيره كثير، إلى إعادة النظر في واقعنا المخجل؟ أمة واحدة تدين برب واحد ورسول واحد، ومع هذا يقتل بعضهم بعضاً، وربما يكفر بعضهم بعضاً، وعدوهم يرقب ذلك كله وهو في غاية الفرح والحبور والاطمئنان!
هذه المناسبات لماذا لا يحضرها السنة كما الشيعة ويتدارسون فيها تاريخ أجدادهم العظام، ويناقشون فيها واقعهم ومستقبلهم؟ البكاء وحده لا يكفي، والفرح أيضاً لا يكفي وحده، لا بأس أن نفرح ونحزن، ولكن الأهم هو أن ننقي واقعنا من الطوام العظام التي لحقت به بسبب جهلنا بتاريخنا وتاريخ الذين نبكيهم أو نفرح من أجلهم. أعتقد - والله أعلم - أنهم لو عادوا إلى الحياة ورأوا واقعنا المخجل لفضلوا العودة إلى قبورهم على العيش معنا في هذه الأجواء البائسة.
أمامنا فرص عديدة للعودة إلى العقل والمنطق، وقبلها الدين الذي نؤمن به للعمل على إصلاح واقعنا، ولكننا بحاجة إلى عقول ناضجة وقوة في الحق مقتدين بالإمام جعفر رضي الله عنه.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 4371 - الإثنين 25 أغسطس 2014م الموافق 29 شوال 1435هـ
بارك الله فيكم يا أخي لهذه المقالة القيمة و يا ليت من يسمع و يقرأ و يعمل بنصيحتكم
ابو احمد
احسنت ورحم الله والديك ونريد ان نجمع ولا نفرق ولكن التكفيريين والتضليل هو الذي يقف حجازا وعلماء الأزهر والنجف حاولوا كثيرا ونجحوا وأصدروا كتب ثم توقفوا بسبب تغلغل الفكر المتطرف القادم من الوهابية للأسف ودمتم سالمين
ابو احمد
احسنت ورحم الله والديك ونريد ان نجمع ولا نفرق ولكن التكفيريين والتضليل هو الذي يقف حجازا وعلماء الأزهر والنجف حاولوا كثيرا ونجحوا وأصدروا كتب ثم توقفوا بسبب تغلغل الفكر المتطرف القادم من الوهابية للأسف ودمتم سالمين
لم تتنافر امة وانتم فيها
نحتاج لوقفة حقيقية وهذا المقال على الحكومة ان تتبناه وتحاسب من يتهجم على اي طرف بقوة القانون وعقلاء هذه البلد ان تأخذ بهذا المقاب
شكر للكاتب وبالتوفيق لوحدة واعتزاز بمن هم رموز وسادة وصحابة .
احسنت
انت ذا روح جميله
كل من يعمل عكس الوحدة والالتأم مشكوك في امره.
دعواتك دكتورنا الفاضل ان يلم الله شمل الامه
الإاختلاف
من الخطأ الكبير أن نقول هناك علماء سنة أو علماء شيعة والصواب أنه يوجد في تاريخنا من العلماء الذين يثق بهم المسلمون الشيعة أو السنة يأخذ كل منهما مذهبه وهذا الأمر لا يستدعي حرب أحدهما على الاخر أو إقصاءه ولا كأنه ميت للإسلام بصلة
بل لابد من التعايش الاخوي ولا بأس بالنقاش الها دف وتطبيق اقوال رسول لله صلى لله عليه واله بحسن المعاملة التي تتعدى لغير المسلم
جزاك الله خير
كم اتمنى ان يكون السني اخ للشيعي وكذلك الشيعي اخ للسني الطائفيه دمرت الدول
المهاجر
مقال في قمة الروعة وكاتبة يدال على مدى وعيه وعقلانيته وثقافتة وحبه لأبناء الأمة ونبذ الطائفية التي دمرت الأمة الاسلامية .
احسنت ايه الكاتب
احسنت ايه الكاتب
ورزقك الله شفاعته و شفاعة ابائه و اجداده عليهم افضل الصلاة والسلام
احسنت ايه الكاتب
احسنت ايه الكاتب
ورزقك الله شفاعته و شفاعة ابائه و اجداده عليهم افضل الصلاة والسلام
الله يصلح الحال
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
علي
يأمرنا الصادق (ع) في حديث شهير بالصلاة في مساجد المذاهب الأخرى وشهود جنائزهم وعود مرضاهم وقال أن الصلاة معهم كالصلاة مع رسول الله (ص) في الصف الأول .. السؤال هل يبادلنا الآخرون؟ هل يصلون معنا ويشهدون جنائزنا ويعودون مرضانا؟ لا أعتقد
محمد علي العبدالعزيز
كم نحن بحاجه الى مثل هذا المقال الرائع
وددت لو ان سنتنا وشيعتنا يشربون من هذا الورد
سلمت اناملك سيدي
بارك الله فيك
كم اتمني ان يجد مقالك الرائع هذا صدي عن بعض القوم.
انا أؤمن بالتعايش السلمي
لا أؤمن بالتقارب فالخلاف خلاف في صلب العقيدة و هذا شيء لا يزعجني ابداً فللجميع الحق في ان يؤمن و يعتقد بما يشاء و لكني أؤمن بالتعايش السلمي بين الجميع اي بين عموم المسلمين اي اهل السنه و بقية الأقليات
بارك الله فيك
أشد على يديك فعلاً مقال جميل ونحن في مسيس الحاجة لهكذا فكر بقي أن لي ملاحظة سبقني إليها أحد الإخوة وهي اعتقادنا أن الأئمة ع يأخذون علومهم من آبائهم الطاهرين ولا أحد سواهم. بارك الله فيك وكثر في أمة الإسلام امثالك مع محبتي.
لو الناس
لو الناس تترك عنهه هاده سنى وهاده شيعى وهاده مسيحى ويعيشون كل الناس بديانتهم ومحد يدخل فى شؤنهم شان الدنيا بخير جائو الوهابيه ودمرو كل شى حتى عندهم قرائة الفاتحه على الميت بدعة وزيارة القبر بدعة مع انه اول واحد زار القبور الرسول محمد وكان قبر حمزه وادا دهبو الشيعة لزيارة قبور اهل البيت قالو عنهم مشركون نحن نعبد الله ونتوسل ابهم
ولكن الوهابية طعنت في
الصادق ع وكذبته واتهمته بالصهيونية ! يقول...السعودي ...... في كتابه تبديد الظلام و تنبيه النيام في ص161 من الكتاب . ان جعفرا كان المع نجم وقع اختيار العصابات الماسونية عليه فقد ثبت انه احد العميان الذين كانت شياطين الماسونية تعدهم وتمنيهم بالخلافة وان ما اجمعت عليه كتب الشيعة والمراجع التاريخية ليشير اشارة واضحة الى ان المذكور هو المؤسس الثاني لمذهب التشيع بعد عدو الله ابن سبأ اليهودي ......... الى اخر قل... طبعا اعيدت طباعة .
علي جاسب . يتبع
لابن تيمية راي اخر في الامام الصادق ع
هنا موقع الخلل و لا غير من بدأ من شيخ الاسلام و استمر مع مريديه و هم قلة و لكن الغالبية العظمى من المسلمين هم كما ذكرت. العلة في النصب و البترودولار.
ام محمد
ما ذكرته غيض من فيض فهناك الكثير الكثير من الاحاديث والروايات عن اهل البيت في كتب السنة وعلماء السنة الافاضل يعلمون بها وهي كافية لتوحيد الامة ولكن في مقابل هؤلاء العلماء هناك ...ممن يفرقون الامة طمعا في جاه اومركز قد لا يحصلون عليه
اخي
كيف ترجع قلوبنا ونحن نأكل ونشرب ونلبس ونشتري ولا نحاسب من اين اتت اموالنا، واعتقد ان البكاء والفرح هو حاله طبيعيه لفقد حبيب او عزيز فما بالك بإمام وهو مدرسك ومرشد الي الله الواحد وهذا ينطبق علي النبي محمد ص فألجه واحده والطريق واحد ، اذا البكاء والفرح لم ولن يكون عبطا ولا هبائا منثوا انما علي درايه بعضمة ومكانة هؤلاء الذين يدلونك علي الطريق الصحي
رحم الله والديك استاذ
الفتنة التي تعيشها الامة بسبب جبن وانانية من يسمون انفسهم علماء دين مما حدا بهم التقرب للسلاطين خوفا على انفسهم حتى نسوا الله فأنساهم انفسهم.
ماذا تسمي من يعتلي منبر رسول الله ويسب طائفة من الامة دون خجل فيجعلك تشعر بأنه تحلل من انسانيته ؟ومع هذا تجد من يسانده من المسؤلين.
نعم للوحدة بين الطوائف الاسلامية كافه
مقال رائع يناسب المرحلة ولكن ملاحظة صغيرة وهي ان الامام جعفر الصادق لم يتعلم على يدي احد قط سوى اباه واجداده وفي ذلك معنى عميق جدا ارجو من الكاتب تأمل ذلك
عبد علي البصري قول جعفر قول رسول الله .
روي ان أبا عبدالله عليه السلام قال: حديثي حديث أبي, وحديث أبي حديث جدي, وحديث جدي حديث الحسين, وحديث الحسين حديث الحسن, وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله قول الله عزوجل . اذن امتداد الرساله السماويه لم تنتهي بممات رسول الله بل استمرت صافيه قرابه ثلاث ما ئه سنه . يرويها أبا عن جد .
عبد علي البصري
شكرا جزيلا على المقال الرائع, إلا أن هناك بعض الملاحضات الاولى قولك أنهم لو عادوا إلى الحياة ورأوا واقعنا المخجل لفضلوا العودة إلى قبورهم على العيش معنا في هذه الأجواء البائسة. لا لن يفكروا بالرجوع للقبر فسيعلمون على اصلاح المجتمع كما كانوا وبالخصوص لما يرون من يعينهم على العمل الصالح مثلك محمد علي الهرفي أخي الهرفي ما عليك لو رجعت في تفسير قوله تعالى(ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون ) وقوله (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ) وقوله ( فكشفنى عنك غطائك فبصرك اليوم حديد .
ابراهيم الدوسري
تحمل يزعلون منك هم يسمون ابوبكر ... ويصفقون لعبارة غاندى
عقول طائفية متحجرة !
لو نادت حيا لأجاب ولكن لا حياة لمن تنادي !
مقال جميل
هناك من يريد ان يعيش في الجهل ، هل تعلم ان معي في العمل اخوة ... لما اعطيهم الصحيفة السجادية والتي فيها ادعية الامام السجاد يقولون لي ان فيها شرك عظيم ! لا اعلم ماهو الشرك وهم لم يقرؤها ابداً
الصحيفة السجادية كلها توحيد لله جل وعلا وكلها تأديب للنفس ولكن البعض يرمي البغض الاخر يالتهم جزافا
أكتفي بهذه العبارة للتعليق وشكرا للكاتب المحترم
ولكننا بحاجة إلى عقول ناضجة وقوة في الحق مقتدين بالإمام جعفر رضي الله عنه.
وربما تطلب المستحيل !!!!!
يااخي
ي.... اما عن التفاهم بين المسلمين السنه والشيعه فهذا امر طبيعي وممكن ولكنك شملت ولم تتوقف عند اكثر ... المتشددين القتله ناحري الرقاب. هم من يحارب ... ويبيح دمهم ويكفرهم لما لاتتكلم عنهم
اتحدوا
ماشاء الله مقال موفق ومسدد وجميل وهو يمثل فعلا رؤية لوحدة المسلمين الذين فرقهم الخلاف واضعفهم لاسباب واهية وغير واقعية وفعلا سيرة الامام جعفر عليه السلام خير شاهد فقد كان من نسل ابو بكر وكان يدافع عنه وعن الخلفاء وايضا هو امام المذهب الشيعي فلم يتناقض هذا مع ذاك رحمه الله رحمة واسعة
كلام صحيح % 100
هالمره اقول لك بارك الله فيك
إيه الزم الجاده.الله يهديك الى الصراط المستقيم.
خوش مقال.
صدقت ايها الاستاذ
الغريب ائمتنا كانوا يوحدون الأمة ولكننا نقتدي بهم لتفريق الأمة. عموما وعلى الرغم من قلة العدد والناصر فأن هناك من يسعى جاهدا لتوحيد الأمة. شكرا على مقالك الرائع