لماذا نعتقد «نحن» أننا على حق، وكل الأدلة معنا؟ لماذا يعتقدون «هم» أنهم على حق، وكل الأدلة معهم؟ إنه الوهم وتركيبة العقل المنطقي والعقل الفلسفي في الإنسان.
كل أحكام الإنسان خاضعة لعقله المنطقي، والعقل المنطقي تلاعب به المجتمع، حيث يقوم المجتمع ببرمجة الطفل من الصغر، ويضع فيه معلومات ومعتقدات تكون محور الحقيقة التي يرتكز عليها عقله في إصدار الأحكام. وبالتالي فإن هذا الإنسان يعتقد أنه على حق... دون أن يدرك أنه يعيش أوهام المجتمع في عقله؟
أولاً، ما هو العقل المنطقي؟ هو معادلات فكرية، كالمعادلات الرياضية، تستند إلى حقائق، للتأكد من حقائق أخرى أو تفنيدها، مثل ضرب الرأي ببعض الرأي لتوليد الصواب.
للتوضيح، عالم أخذ طفلاً من نعومة أظفاره، وأعطاه معلومة «أن النار تأكل الخشب»، ثم سأله سؤالاً: هل النار تأكل الطاولة؟ فأجاب: نعم. فسأله كيف عرفت؟ فأجاب: بما أن النار تأكل الخشب، فأنها بالتأكيد ستأكل الطاولة، لأن الطاولة مصنوعة من الخشب.
فالعقل المنطقي للطفل، استند على حقيقة، للوصول إلى إجابة صحيحة. لكن ماذا لو أن هذا العالم أعطى الطفل معلومةً خاطئةً مثل أن البنزين يطفئ النار، هل ستكون استنتاجاته صحيحة؟
مثال آخر، لو سألنا طفلاً، عن سبب وفاة رجل إطفاء سقط ميتاً عندما فتح الماء لإخماد الحريق في منزل. والنار لم تمس جسم رجل الإطفاء، وجسمه خالٍ من الحروق.
هنا الطفل لن يجيب إجابة صحيحة، لأن المعلومات التي يمكن البناء عليها لاستنتاج صحيح غير متوفرة، وبالتالي العقل المنطقي لا يستطيع عمل أي معادلة فكرية. لكن لو زوّدنا الطفل بثلاث معلومات الأولى، أن النار التهمت مجمع الكهرباء في البيت؛ المعلومة الثانية، أن الماء موصل للكهرباء، المعلومة الثالثة أن الكهرباء قد تقتل الإنسان.
هنا العقل المنطقي للطفل، سيعمل معادلة نتيجتها أن سبب وفاة رجل الإطفاء هو الكهرباء، فالعقل المنطقي للإنسان خاضع للمعرفة المتوفرة، وكلما زادت المعرفة تطور العقل المنطقي. ولكن صحة الاستنتاجات تعتمد على مدى صحة المعرفة، فإذا كانت صحيحة ستكون الإجابات صحيحة، وإذا كانت خاطئة، ستكون الإجابات كذلك.
في المسائل المادية الواضحة هناك اتفاق بين جميع الناس، مثل النار تأكل الحطب، أما في المسائل الفكرية وغيرها فهناك اختلاف متعدد بين الناس بسبب أن العقل المنطقي قائم على برمجة المجتمع والبيئة. وسلامة عقلك هي بالتحرّر من هذه البرمجة والرجوع إلى الفطرة.
عندما نقول «نحن» على حق، فإن عقولنا مبرمجةٌ على نتيجة واحدة، فمهما بحثت في شرق الأرض وغربها ستكون جميع نتائج دراستنا واحدة، وبالتالي نعتقد أن جميع الأدلة معنا، وكذلك «هم» بنفس المنطق.
للتوضيح أكثر، خذ قلماً وورقة، وقم بهذه المعادلة الرياضية، اختر أي رقم من دون أن يعلمه أحد، اجمعه مع 10، ثم اقسم الناتج على نفسه، ثم زد 4 على الناتج، وزد 2 على الناتج، وزد 3 على الناتج، ثم اطرح واحداً من الناتج، سيكون الناتج النهائي 9.
نبدأ من جديد، اختر رقماً أخرى، وقم بنفس المعادلة فسيكون الناتج النهائي 9. مهما اخترت من أرقام سيظهر لك الناتج رقم 9، لأن المعادلة الرياضية صيغت بطريقة يكون ناتجها النهائي 9.
ويمكن عمل معادلات أخرى تكون نتائجها النهائية رقماً معيناً، وكذلك عقلك المنطقي برمجه المجتمع وفق معادلات بحيث تكون نتيجته النهائية شيئاً واحداً، تعتقد أنه الحقيقة.
تم برمجة عقلك بمعارف ومعلومات ومعتقدات، وبالتالي فإن كل أحكامك ستكون واحدة، مهما فعلت ستصل إلى نتيجة واحدة، وهي نتيجة المعادلة التي وضعها المجتمع في عقلك عندما كنت طفلاً، مثل المعادلة الرياضية.
والإنسان لا يمكن أن يحرّر عقله المنطقي ويغيّر المعادلة التي تبرمج عليها، إلا بالانتقال إلى بيئة أخرى، مثل بحريني يغير مكان عيشه إلى أميركا، أو هندوسي يغير مكان عيشه إلى مجتمع مسيحي. ومن يعتقد أنه حر فهو يعيش الوهم، ومن يعتقد أنه على «الحق المبين» أكثر وهماً، والأكثر وهماً من يعتقد أنه يعرف «الحقيقة المطلقة». فـ»نحن» و»هم» على برمجة المجتمع وليس على حق أو باطل.
الحقيقة كالمطر المنهمر، وكل إنسان أو فكر أو معتقد يجمع منه بحجم الدلو الذي لديه، ومحالٌ أن يجمع المطر كله في دلو، وكذلك محال أن تختزل الحقيقة في فرد أو فكر أو معتقد.
ثق تماماً أن الله خلق الحياة في غاية الروعة والجمال، وفيها ما يملأ حياتك فرحاً وسروراً، والقلب سعادة غامرة، فإذا لم تكن سعيداً، فاعلم أنك لم تصل الحقيقة بعد.
عندما تتحرّر من برمجة المجتمع، وتعود إلى فطرتك، ستعرف قيمة الحياة، وستعرف أن الذي خلقك يحبك، ويغدق عليك بحبه وعطفه ونعمه من دون توقف أو مقابل.
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 4371 - الإثنين 25 أغسطس 2014م الموافق 29 شوال 1435هـ
....
بارك الله فيك وفي فكرك المستنير استاذ عباس. الله يكثر من امثالك
عن اي منطق تتحدث ؟
مجتمع منقسم طائفياً يسيطر عليه رجال الكهنوت كيف تتوقع منه ان يفكر بالمنطق ؟ دعم يتخلصوا من سيطرت رجال الكهنوت من الطائفيتين بعدين يصير خير
قال
قال امير المؤمنين علي عليه السلام كلمة الحق توجع ولم تخلى اليه اى صديق فالحكومة لاتريد احد ان يقول الحق تريده ان يسكت ويصير اليهه عبد لاكن الشعب قالها لن نركع الى لله وسناخد حقنا المسلوب باذن لله والصبر جميل
لا يمكن للمنطق الانتشار الا
لا يمكن للعقل و المنطق ان ينتشرا الا بإلغاء الخرافه و الدجل الذي يروج لهما ........... فهؤلاء من مصلحتهم انتشار التخلف و الدجل
أمنية
كتب الدكتور علي الوردي في مقدمة أحد كتبه دعاء : اتمني من يقرأ كتابي هذا ان يفهمه كما هو و ان لا يفسره كما يهوي.
اتمني ان يقرأ القراء هذا المقال و يدركوه و يفكروا في طريقة حكمهم علي الامور و نحصل علي أعداد اكبر من غير المتعصبين.