العدد 4369 - السبت 23 أغسطس 2014م الموافق 27 شوال 1435هـ

الإمام علي بن أبي طالب (ع) معارضاً

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

إذا كان النبي محمد (ص) أول من مارس الحكم في الإسلام فلربما الإمام علي بن أبي طالب (ع) أول من مارس المعارضة. وإذا كانت فترة حياة النبي (ص) مليئة بالعبر في مجالات الحياة المختلفة ومنها العلاقات الخارجية للمسلمين مع المشركين واليهود والمسيحيين، فإن فترة حياة الإمام علي (ع) تعتبر فترة غنية في مساحة العلاقات الداخلية والبينية بين المسلمين أنفسهم، سواء حين كان معارضاً أو حاكماً. فكيف مارس الإمام المعارضة؟

في البدء، مثل رحيل النبي (ص) حالة انتقالية صعبة وكانت لها تبعاتها الثقيلة على مستويات متعددة، ومنها فيما يخص شئون الحكم والمعارضة، وهذا سبب حدوث الانقسام المذهبي في الإسلام. كان النبي (ص) مختاراً من الله ومسدداً منه بالوحي، ولذا لم يكن حكم النبي بحاجة لمعارضة تراقبه وتوجهه. أما بعد وفاته واستلام أبي بكر الصديق (رض) خلافة المسلمين فاختلف الأمر. اختار من اجتمع في سقيفة بني ساعدة أبا بكر خليفة للمسلمين، هنا انتقل الاختيار من اختيار الله لنبيه إلى اختيار الناس للخليفة الأول، وقد كان اختيار الناس في حد ذاته إيذاناً بحقهم في المعارضة، وهذا ما كان واضحاً للخليفة الأول نفسه حين قال: «وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني».

بعد رحيل النبي إذاً، بدا الاختلاف بين الصحابة في شئون الحكم وغيره اختلافاً يفتقد للمرجعية المتفق عليها والتي توفر الحسم والكلمة الفصل. هذا الأمر في حد ذاته أشاع حالة من الاختلاف نظراً لتعدد القراءات والرؤى في بعض القضايا ومنها قضية خلافة المسلمين بعد وفاة النبي (ص).

اختار من اجتمع في سقيفة بني ساعدة أبا بكر خليفة للمسلمين وهو الأمر الذي اعترض عليه البعض، لاسيما في بداية الأمر، وعلى رأسهم الإمام علي (ع) الذي كان يرى في نفسه الأحق بالخلافة بتنصيب من النبي. اعتراض الإمام علي برمزيته وشخصيته النافذة والمقربة من رسول الله، لم يكن كاعتراض غيره، الأمر الذي قد يرشح الاختلاف لأن يتطور ليصل لمديات أكبر وأكثر تعقيداً. هنا تتبدى شخصية الإمام علي (ع) المعارضة بحكمة وبرؤية لا تتغاضى عن المصلحة الإسلامية العليا والظروف الداخلية والخارجية المحيطة بالدولة الإسلامية الفتية، وخصوصاً في تلك الفترة العصيبة التي تلت رحيل النبي.

على المستوى الفكري، يلاحظ أن الإمام قد اعتمد في معارضته على مستويين. في المستوى الأول وضح علي بن أبي طالب أساس الاختلاف وفق رؤيته وركز على الأصل المختلف حوله دون ما يبدو من ظاهره؛ وفي المستوى الثاني حاول الإمام أن يناقش وجهة النظر الأخرى وسعى لأن يصل في النهاية إلى نفس النتيجة ولكن باعتماد أدوات مختلفة. يتمثل المستوى الأول في بيان الإمام لما يؤمن به من أن اختيار من يلي أمور المسلمين بعد وفاة النبي حقٌ لله سبحانه وتعالى وليس للناس. ولأن الله اختاره حين نصبه النبي (ص) فهو الأولى بالخلافة من غيره. وبالتالي فإن الخلاف، في أساسه، ليس خلافاً شخصياً بين الصحابة حول من يتولى خلافة المسلمين، وإنما هو أعمق من ذلك بكثير. أما المستوى الثاني فيتمثل في مناقشة ما جرى في سقيفة بني ساعدة ليثبت أحقيته بالخلافة حتى من باب الشورى الذي كان عنوان الاختيار في سقيفة بني ساعدة.

الفكرة هنا، هي أن معارضة الإمام، في إطارها النظري، قادرة على التعاطي مع الواقع المتوافق معها والمعارض لها. على أرض الواقع، لم يتم قبول رؤية الإمام علي، ولكن ذلك لم يمنعه من التعاطي مع ذلك ومناقشة آلية الشورى التي تم اعتمادها لاختيار الخليفة. حديث الإمام عن الشورى ليس تخلياً عن الفكرة الأساس التي يؤمن بها، وإنما استجابة واقعية وضرورية لواقع لا مفر من التعاطي معه والتعامل وفق أدواته.

هذه الواقعية في معارضة الإمام علي تجلت في طبيعة علاقته مع الخلفاء الذين سبقوه. أعلن الإمام علي معارضته لما جرى ولكنه في النهاية تعامل مع ما نتج عنه. كانت الأشهر الأولى بعد وفاة النبي (ص) هي الأكثر وضوحاً في معارضته لما جرى واتجه لفترة إلى أسلوب الاعتزال والابتعاد عن دوائر صنع القرار السياسي. رغم ذلك، لم ينقطع حبل التعاطي مع الخلفاء. قدم المشورة للخليفة أبي بكر الصديق (رض) حين عزم على حرب الروم، كما قدم المشورة للخليفة عمر بن الخطاب (رض) حين عزم على التوجه لحرب الفرس، وكان وسيطاً بين الثوار والخليفة عثمان بن عفان (رض) وكثير النصح قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه في الفتنة التي أدت إلى مقتل الخليفة الثالث.

على أساس ما تقدم، يمكن القول أن الإمام علي اعتمد أسلوب المزاوجة بين موقفين في آن واحد. الموقف الأول يتمثل في الإصرار على ابداء رأيه في الحكم طيلة فترة حكم الخلفاء الثلاثة الذين حكموا قبله، أما الموقف الثاني فتمثل في الإصرار على عدم السماح للخلاف حول الخلافة بإرباك الوضع السياسي العام بما يعرض الإسلام نفسه لمخاطر الاعتداءات الخارجية أو يسمح للمنافقين بالاستفادة من الخلاف حول الحكم والانقضاض على الإسلام. وهذه معادلة تثبت الحق وتصر عليه، وفي الوقت نفسه لا تسمح باستغلاله لهدم البيت بمن فيه.

يضاف إلى ذلك، فإن إختلاف الإمام علي (ع) مع الخلفاء من قبله لم يكن دافعاً له لاعتماد المواجهة المسلحة في حل الخلاف حول الخلافة. اكتفى الإمام علي بالمجاهرة بحقه وإلقاء الحجة على الناس وكان جاهزاً على الدوام للقيام بدوره في حكم المسلمين. بعبارة أخرى، رغم اعتقاد الإمام بأحقيته بالخلافة بأمر من الله سبحانه وتعالى، إلا أن قبول الناس ورضاهم والتفافهم حول الإمام كان مطلوباً لتولّي أمر الناس دون فرض عليهم.

كمعارض، كان الإمام علي واضحاً في إعلان موقفه ولكنه في الوقت نفسه كان مراعياً لمصالح الدولة الإسلامية العليا وحريصاً على وحدة المسلمين وسلامة دولتهم (بيضة الإسلام).

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4369 - السبت 23 أغسطس 2014م الموافق 27 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 9:17 ص

      قذاره السياسه

      .... جنب الامام علي من حديثك الذي لا يرقى لمستوى الامام ...

    • زائر 11 | 6:50 ص

      رد على زائر 3

      عندما رجع من الحج الرسول وكان هاده اخر حج للرسول جاء النداء من الله ان يبلغ الناس من بعده خليفة والنداء من الله ان يكون خليفة المسلمين هو علي عليه السلام ...

    • زائر 10 | 5:23 ص

      هناك مقولة شهيرة لعمر بن الخطاب في علي بن ابي طالب

      اذ كان عمر كثيرا ما يردد: أعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبا الحسن. كان علي رضي الله عنه عضوا بارزا في مجلس شورى الدولة العمرية بل كان المستشار الأول، فقد كان عمر رضي الله عنه يعرف لعلي فضله وفقهه وحكمته فقد ثبت قوله فيه: أقضانا علي
      نعم معارضة لمن اسلامية بحتة وليست دنيوة..رضي الله عنهم أجمعين

    • زائر 12 زائر 10 | 8:40 ص

      المتمردة نعم

      لذلك في كتاب المسند لاحمد بن حنبل وصحيح البخاري تم تأريخ ان الصحابي عمر بن الخطاب له حديث مشهور يقول فيه (لولا علي لهلك عمر) من شدة مؤازرة الامام علي للخليفة الراشدي انذاك

    • زائر 8 | 4:37 ص

      لايليق بالإمام علي (ع)

      سلام الله عليه امام المتقين لايليق به هذا الكلام وهذا المنحى الذي تريده الامام علي امام مفترض الطاعة ولم يكن يريد سلطة ولكن اراد توضيح الامور للناس لازاحة اللبس والغشاوة عن الناس لان الفتنة كبيرة وليس هناك معارضة كما فهمت واشرت لامام لاينزل لهذا المستوى الدنيوي

    • زائر 7 | 3:45 ص

      لن تجد كعلي(ع) ابداً

      لم يدون في تاريخ افضل من الامام علي(ع) إلا رسول الله محمد(ص) فهما ابوى هذه الامة

    • زائر 6 | 2:47 ص

      لم تصب الحقيقه

      الامام علي كرم الله وجهه لم يختلف مع الخلفاء رضي الله عنهم بل وقف وساندهم وكان عوينن لهم ولم يكن معارضا لهم لاتفتروا عليه رضي الله عنه.

    • زائر 5 | 2:37 ص

      موضوع جميل

      ولغة جميلة

    • زائر 4 | 1:39 ص

      ....

      جزء (2)
      ثالثا: سيدنا علي كان العون للدولة الراشدية وقبلها كان جنديا في جيش الاسلام وقبلها نشأتة في بيت النبوة كل ذلك ينفي مصطلح المعارضة في فكر سيدنا علي
      ....

    • زائر 3 | 1:32 ص

      .....

      اولا تذكر المصادر التاريخية ان النبي (ص) اوعز لسيدنا ابوبكر بالصلاة نيابة عنة في مرضة الاخير مما يعطي بالمفهوم الرمزي انك بعدي
      ثانيا:سيدنا الامام علي لم يكن يرغب في الحكم ولو ان بعض المصادر تري انة بايع بعد 10 ايام
      ثالثا سيدنا علي كان مواليا لحكم من قبلة حتى في ضعف خلافة عثمان

    • زائر 2 | 1:12 ص

      لا تكيف الامور حسب توجهك السياسي

      لا تصور الامام علي كمعارض وتتصور بأنك تقتدي به هذا امام مفترض الطاعة وهو الخليفة بنص إلاهي وهو لا يسعى الى السلطة ويضحي بالدماء والاعراض من اجلها وقد قلتها انت انه انعزل عن الناس وكانت فترة عزلته طويلة تصل ل 25 سنة فعن اي معارضة تتحدث كفاكم اقحام الائمة عليهم السلام في حراككم السياسي.

    • زائر 9 زائر 2 | 4:58 ص

      اؤيد كلام اخي المعلق

      لا تكيف الامور حسب مبتغاك

    • زائر 1 | 1:00 ص

      رضي الله عن جميع الصحابة

      سيدنا علي عليه السلام بايع ابو بكر في الخلافة وبايع عمر وعثمان وعندما اصبح خليفة قال با يعني من بايع ابو بكر وعمر وعثمان وكان يحبهما ويواليهما والدليل انه زوج ابنته ام كلثوم لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه وختار اسماء اولاده باسمهما ابو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعا

اقرأ ايضاً