أعلن قادة عسكريون أمريكيون عن قناعتهم بأن هناك حاجة لخوض حرب معقدة وطويلة الأمد، تشمل التدخل في سوريا والعراق، من أجل استئصال "الخلافة" التي أسسها تنظيم "الدولة الإسلامية" من البلدين، بحسب ما أفاد موقع البي بي سي.
لكن لكي يحدث هذا، لابد من حل الكثير من المشاكل الأخرى المعقدة التي يعانيها كلا البلدين.
وسيكون من الضروري تغيير الكثير من الأطر، والعلاقات والتحالفات السياسية.
وسوف يستغرق هذا وقتا، ربما يكون طويلا. ويوما بعد يوم، ستزداد المشكلة تعقيدا، يرسّخ مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" مواطئ أقدامهم.
فقد أصبح التنظيم بالفعل عدوا لدودا بدرجة أكبر من تنظيم القاعدة، الذي انبثق عنه بالأساس والذي يستنكر ممارساته، حسبما يقر به قادة عسكريون أمريكيون.
ويسيطر التنظيم حاليا على مناطق شاسعة في البلدين، حيث يحكم مدنا وبلدات يسكنها الملايين.
ويمتلك التنظيم موارد مالية ضخمة بالإضافة إلى تسليحه الجيد، ما يوفر له قدرا كبيرا من الاستقلالية على المستوى المالي ومستوى التسليح، وهو ما يساعده على التخلص من نفوذ الرعاة الخارجيين السابقين.
ولا يقتصر ما يظهره مقاتلو "الدولة الإسلامية" في أرض المعركة على ضراوة شديدة واتقان في استخدام الأسلحة المتطورة، وإنما يمتد كذلك إلى مهارات تكتيكية واستراتيجية، حيث يديرون هجمات في مواقع متباعدة في الوقت نفسه.
وقد انضم إلى هؤلاء آلاف من مناطق مثل الموصل حيث تتسيد الأموال الموقف وسط البطالة المنتشرة بين الشباب.
الحاجة إلى حلفاء
ومن الواضح أن قوى الغرب لا تميل إلى إرسال قوات برية إلى أرض المعركة، لأسباب تاريخية سليمة.
ولا يعد السبب الوحيد أن شعوب هذه الدول تعارض فكرة عودة جثث أبنائها الجنود بأعداد متزايدة في ما قد يكون التزاما غير محدد الأجل.
فمن الواضح أن قادة البنتاغون يدركون تماما أن تورط الولايات المتحدة على الأرض قد يفاقم البعد السياسي للموقف ويبرهن على أنه يأتي بنتائج عكسية تماما.
وببساطة، فإن الضربات الجوية وحدها قد تحقق أهدافا تكتيكية، لكنها لن تحسم الصراع ولن تستأصل تنظيم "الدولة الإسلامية".
لذا فإن من الضروري تنسيق الغارات الجوية مع تحرك لقوات المنطقة الحليفة على الأرض.
ويحدث هذا بالفعل في شمال العراق، حيث نجحت قوات البيشمركة الكردية، بمساعدة الغارات الجوية الأمريكية، في وقف التقدم الخاطف لمقاتلي التنظيم المتشددين والتصدي لهجمتهم المباغتة منذ أسبوعين.
لكن الوضع الكردي يتسم بالبساطة مقارنة بباقي المناطق في العراق. فالأكراد متحالفون مع الغرب منذ عقود طويلة وهم شركاء طبيعيون.
رغم ذلك، لا يمكن نقل هذا النموذج إلى باقي الأراضي العراقية والوصول به إلى سوريا.
شراكات غريبة
أحد الجوانب الشديدة للنزاع التي تستعر يوميا في أنحاء شتى بالعراق هو حرب أهلية طائفية بين المؤسسة الحاكمة ذات القيادة الشيعية في بغداد والعرب السنّة الذين يعانون إقصاءا بسبب السياسات المثيرة للانقسام التي اتبعها رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، الذي مازال يتولى تسيير الأعمال حتى ينتهي رئيس الوزراء الجديد، حيدر العبادي، من تشكيل حكومته.
ونجح تنظيم "الدولة الإسلامية" في ركوب موجة استياء العرب السنّة في العراق من ممارسات حكومة بغداد.
وكانت النتيجة هي انخراط العديد من الثوار السنة، الذين يمكن تفهم شكواهم، في صفوف التنظيم المتشدد. لذلك، فإن انضمام الولايات المتحدة إلى المعركة ضد التنظيم سوف يهدد بتأجيج غضب سنّة العراق، كما سينظر إليه باعتباره انحيازا لطرف دون الآخر في الحرب الأهلية.
لذا لا يطيق الجانب الأمريكي صبرا حتى تظهر حكومة عراقية جديدة شاملة تستطيع استعادة التوازن وبناء منصة ينطلق منها تحرك وطني موحد ضد التنظيم.
ولكنها مهمة تنطوي على قدر كبير من الصعوبة. فبعيدا عن رفض الشيعة لمطالب سنة العراق في ما يتعلق بالتمكين، هناك العديد من تيارات الرأي السنية، حيث تتراوح الأفكار - في ما يتعلق بصيغة معادلة تقاسم السلطة التي ترضيهم - بين الإدارة بالتفويض من الدولة والحكم الذاتي والأمن الذاتي وهكذا.
وتكمن الفكرة هنا في سحب البساط من تحت أقدام تنظيم "الدولة الإسلامية" وعزله وضربه من خلال ائتلاف من القوى يضم مقاتلين وطنيين من العشائر السنّية العراقية، ووحدات سابقة من الجيش العراقي، وقوات البيشمركة – إذا أقلعوا عن رفضهم الانتقال إلى المناطق ذات الأغلبية السنية – وربما بعض القوات الإقليمية من دول الجوار التي من الممكن أن تتضمن إيران.
بالطبع من الصعب أن نتخيل حدوث ذلك، ولكن أزمة طاحنة مثل التي تعيشها المنطقة من الممكن أن تؤدي إلى اجتماع الفرقاء على قلب رجل واحد.
رد اعتبار الأسد
في شمال العراق، شارك حزب العمال الكرستاني التركي بالفعل في التحرك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، جنبا إلى جنب مع قوات البيشمركة التابعة للحزب الكردي العراقي فيما تسود اختلافات بين الجانبين.
وفي شمال سوريا، نجح حزب الاتحاد الديمقراطي، المنبثق عن حزب العمال الكردستاني التركي، وجناحه المسلح في تحطيم أسطورة تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي لا يُقهر من خلال الصمود لأشهر عدة في مواجهة المتشددين بمساعدة محدودة من الخارح وبدون غطاء جوي.
بذلك، تكون الولايات المتحدة قد انضمت من الناحية التكتيكية في العراق إلى معسكر حزب العمال الكردستاني التركي، الذي تعتبره واشنطن وتركيا - حليفتها في حلف شمال الأطلسي - رسميا منظمة إرهابية.
ماذا بعد؟ هل تكون هناك نقطة التقاء مشابهة للمصالح الأمريكية مع مصالح إيران والميليشيات التابعة لها مثل حزب الله؟
لقد حدثت أمور غريبة، ومن الممكن أن يكون هناك أمور أغرب في ضوء الزخم الذي يكتسبه تحدي تنظيم "الدولة الإسلامية".
ينطبق ذلك على سوريا، التي تسعى حكومتها للحصول على رد اعتبار دولي من خلال احتلال موقع الشريك في الحملة ضد حضور المتشددين - الذين تواجه دمشق اتهامات بتمكينه وتشجيع ظهوره - ومن ثَمَ تتمكن من تلطيخ رداء المعارضة السورية بالكامل بتهمة "الإرهاب".
لكن هل من الممكن أن يُنسي التهديد الحالي الذي يمثله تنظيم "الدولة الإسلامية" قوى الغرب معارضتهم لبشار الأسد أو أن يدفعها إلى الانضمام إليه والضغط على حلفائهم من المعارضة ليتنحوا جانبا عن قضيتهم الأساسية ويتفرغوا لمقاومة الكيان المتشدد ويقفوا في صف واحد مع القوات النظامية في سوريا أثناء تنفيذ تلك المهمة؟
ببساطة، فإن شن غارات جوية في سوريا لن يحقق الكثير، كما سيكون من الصعب القيام بهذا دون التعاون مع الدفاعات الجوية لنظام السوري أو تحطيمها.
يصعب تخيل حدوث كل ذلك. لكن الكابوس الحالي الذي تعيشه المنطقة لم يكن أحد ليتخيله أيضا. وسوف يكون هناك اصطفاف للمزيد من المتشددين، الذين يجتمعون على مضض، وهو الاصطفاف الذي لابد أن يحدث إذا ما كان هناك تحرك جاد لمواجهة التهديد.
حريق مايطوف لا اخضر ولا يابس
عذا الي تبونه ياعدوان علي واولاده