لا تزال وتيرة التفاعل مع قضية المسلسل الكرتوني «الـ99» (The99) تتصاعد بعد إعلان مؤلف العمل نايف المطوع، أستاذ علم النفس السريري، بدايات شهر يوليو/ تموز 2014، أنه بصدد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد من يقف خلف حسابات تويتر التي أهدرت دمه ورمته بالكفر، مشيراً في تصريحات له عممتها وكالة الأنباء الكويتية في 1 يوليو 2014، إلى أنه يأخذ تلك التهديدات على محمل الجد.
وكانت بعض الحسابات التابعة لتنظيمي القاعدة و«داعش»، قد أطلقت حملة تغريدات نهايات شهر يونيو/ حزيران 2014 تدعو لإهدار دم المطوّع وقتله. جاء في إحدى تغريدات حساب «قاعدة الجهاد»، «اقتلوا نايف المطوّع، دمه هدر فمن وجده فليقتله وطوبى لمن قتله»، وفي تغريدة أخرى ««أقولها بصراحة لا خير فينا إن بقي حياً أكثر من ثلاثة أيام»، فيما قال حساب «داعش»، «من لقتل نايف المطوّع يستهزئ بأسماء الله».
تهديدات القتل استحقها المطوع، بحسب أصحاب الحسابات، بسبب تأليفه سلسلة «الـ99» وهي سلسلة قصص مصورة نشرها المطوع أولاً على هيئة قصص كوميكس في مايو/آيار 2006 عبر شركة تشكيل كوميكس ثم تحولت لمسلسل كرتوني تلفزيوني في مارس/ آذار 2009 ترجم إلى العديد من اللغات وعرض على قناة «إم بي سي 3».
لم يحدث الكثير بعد تصريحات المطوّع، سوى بيان نشره محاميه محمد دشتي في 6 أغسطس/ آب 2014، اعترض فيه على الفتوى الصادرة بحق العمل عن إدارة الإفتاء والبحوث في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية (في الكويت) بعدم جواز تداول المسلسل مشيراً إلى أنها جاءت بناءً على طلب فتوى مغالط للحقيقة وإلى أن المسلسل نال موافقات الجهات الرقابية في الكويت والسعودية قبل عرضه على القنوات الفضائية.
كما انتقد دشتي الشكوى المقدمة ضد المطوّع مؤكداً على أن استخدام وسائل القانون في أذية الناس وتحميلهم وزر الفهم القاصر للبعض، سينتج عنه تقديم دعاوى تعويض ضد من تعرض لشخص المطوّع بالتكفير وكل من قذفه بالزندقة سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل كما هو حال الشكوى المقدمة ضده.
تصور القصص موضع الجدل والإشكال، فريق من الأبطال الخارقين الذين يحملون أسماء مأخوذة من أسماء الله الحسنى البالغ عددها 99 اسماً، وتتطابق شخصيات الأبطال مع الأسماء التي يحملونها. يقومون بأعمال خارقة تشبه تماماً ما يقوم به أبطال مثل سبايدرمان من جهود تصب في إنقاذ العالم من كل الشرور.
يمتلك كل واحد من الأبطال حجراً من أحجار النور التسعة والتسعين التي تختزن بداخلها المعرفة التي احتوتها كتب بيت الحكمة، وهي التي فُقدت أثناء اجتياح المغول لمدينة بغداد، وكانت تحمل كلّ ما تبقى من حكمة ومعرفة الحضارة الإسلامية للدولة العباسية ببغداد (في إشارة إلى الفكرة الصوفية حول أحجار النور). يجد الأبطال الخارقون أنفسهم مسئولين عن إنقاذ العالم ومواجهة قوى الشر والظلام.
ومنذ البداية، حرص المطوع على أن يكون محتوى السلسلة مراعياً لحدود الشريعة، حتى إنه اضطر حذف أل التعريف من هذه الأسماء، للتذكير بأن شخصياته بشر، بل إنه لم يستخدم أسماء مثل الباقي والباري.
حصل المطوع على موافقة السلطات السعودية على العمل، ثم حصل على تمويل لمشروعه من بنك «يونيكورن»، وهو بنك سعودي إسلامي أخضع مشروعه لتمحيص دقيق. يقول معلقاً «كانت للبنك هيئة لامعة في الأمور الشرعية. وقد كان هذا بمنزلة الصك الشرعي الذي نبحث عنه».
امتثل مؤلف العمل لكل اشتراطات الجهات المسئولة في السعودية وفي البنك الإسلامي السعودي، حتى حصل على الموافقة. جاء مشروعه للنور بعد مشقة، عرضته «الإم بي سي» وروجت له على على موقعها الإلكتروني بأنه «تعاليم إسلامية سامية، وأخلاق حميدة، تدعوكم إلى التعرف عليها والتمتع بها من خلال متابعة حلقات مسلسل الرسوم المتحركة «الـ 99»، الذي يأتيكم عبر MBC3».
لكن المسلسل أوقف عرضه الآن، وعودة إلى آخر تطورات الدعوة لقتل مؤلف العمل، فقد اعتبر المطالبون بقتله المسلسل مسيئاً للإسلام ويستهزئ بأسماء الله الحسنى، صاحبه كافر ولذا وجب قتله!!
قبل الدعوة للقتل كانت حملة احتجاجات عنيفة قد انطلقت في ديسمبر/كانون الأول 2013 على يد بعض الدعاة في السعودية والكويت، عبر موقع التواصل «تويتر». الحملة استهدفت المسلسل بالدرجة الأولى ومن ثم قناة «الإم بي سي».
هؤلاء اعتبروا العمل يجسد أسماء الله الحسنى في صور آدمية، واعتبروا ذلك إساءة إلى الذات الإلهية واستهزاءً بأسماء الله الحسنى. طالب المغردون بمحاكمة المطوّع والقائمين على القناة، وأنكروا على أي مسلم المشاركة في هذه الأعمال، وأكدوا أن الهدف من هذه القصص هو «إسقاط هيبة الله عند الأطفال»، وحمّلوا مالكي القناة وزر ما يذاع على شاشاتها ووزر من شاهده وتأثر به.
استجابت الجهات المعنية للحملة، وهي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وأصدرت فتوى بتحريم العمل ومنع عرضه معتبرة السلسلة نوعاً من التجديف والكفر ، وقعها مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز الشيخ وستة من أعضاء هيئة كبار العلماء أعضاء لجنة الإفتاء.
صدرت الفتوى في مارس 2014، في الوقت الذي كانت آخر حلقات المسلسل قد بثت منذ شهور. المطوع جاء رد فعله في صورة بيان أرسله للصحافة أعلن فيه أنه يتفق مع ما جاء في الفتوى، لكنه أوضح أن السؤال الذي طرح على المفتي صيغ بسلبيات وأخطاء ربما عن قصد وسوء نية وربما عن جهل، مؤكداً «أن عدوي وعدو مفتي المملكة واحد».
أبدى المطوّع استغرابه من الفتوى الصادرة وتساءل «لماذا هذه الفتوى بعد 6 سنوات من الانتشار الناجح في السوق السعودي مع الدعم الكامل والموافقات الضرورية من وزارة الإعلام السعودية، وبعد سنتين من بداية بث السلسلة على التلفزيون السعودي، وبشكل مثير للحيرة بعد أشهر من بث آخر حلقة في السلسلة حالياً. لماذا قضى المفتي بفتواه في حق مسلسل لم يعد يبث منذ أشهر؟».
نفى المطوّع ما نسب لعمله ودعا المشككين فيه لمشاهدة السلسلة أو قراءة القصة المصورة لاكتشاف الأمر بأنفسهم وقال: «هناك زعم بأني ابتكرت 99 شخصية لكل منها صفة واحدة من صفات الله الحسنى لدرجة أنها ستندمج لتصبح إلهاً آخر، وهذا من شأنه أن يوقع الأطفال في حيرة ويبعدهم عن وحدانية الله. حسناً، إن كنت قد قمت بذلك، فإن ذلك يعتبر في الواقع كفراً. والحقيقة هي أن قصة الـ99 المصورة تتضمن أقل من 40 بطلاً في الوقت الحالي، وخلال أول مقابلة أجريتها حول الـ99 مع جريدة نيويورك تايمز الأميركية سنة 2006، ذكرت بشكل محدد أنه من المستبعد أن نقترب من ابتكار 99 من الأبطال الخارقين، وخاصة أن بعض صفات الله الحسنى غير قابلة للتمثيل في أي شكل إنساني. بعض الصفات الأخرى، تحمل طابعاً إنسانياً، لكن ليس في شكلها المطلق (مثل الكرم والقوة). وبعض هذه الصفات تحمل طابعاً إنسانياً، لكن غارق في التجريد».
وقال أخيراً: «إنه لمن المؤسف بعد سنوات من العمل الشاق، أن يحكم على الـ99 كتجريد وكفكرة أكثر منها كعمل له تأثير عالمي».
في المقابل طرح المطوّع عبر بيانه تساؤلات عدة طالباً فتوى من هيئة العلماء ودار الإفتاء السعودية، منها «ما حكمكم في مفهوم أدى إلى خلق نماذج اقتداء إيجابية مستوحاة من الثقافة الإسلامية وموجهة للأطفال حول العالم؟ ما حكمكم في مفهوم يعتمد على قيم إنسانية لأقل من 40 من أسماء الله الحسنى الـ99 مثل الكرم والرحمة والصفات الأخرى التي يمكن للإنسان اكتسابها بدرجات أقل، ويمكن للمواطنين الصالحين عبر العالم أن يطمحوا إليها؟ ما حكمكم على سلسلة مستوحاة من الثقافة الإسلامية تحظى بإقبال واسع من طرف ملايين الأطفال في العالم من الصين إلى الولايات المتحدة الأميركية؟ ما حكمكم على سلسلة ألهمت الكثير من الشركات الإعلامية الرئيسية إطلاق أبطالها الخارقين المسلمين، بدل الأشرار المسلمين الذين كانوا سائدين قبل الـ99؟ ما حكمكم على سلسلة ساعدت في تغيير الطريقة التي يتم بها تناول الإسلام في الإعلام الدولي من خلال التركيز على جوانبه الإيجابية والمتسامحة، مما يجعل الكثير من الناس أكثر تقبلاً للإسلام؟».
لكن الأمر لم ينتهي مع إصدار الفتوى ولا مع بيان المطوّع، ففي شهر يونيو/ حزيران 2014، عاد باحث سعودي متخصص في شئون السنة النبوية هو خالد الشايع لإثارة القضية من جديد. أصدر الشايع الذي يشغل منصب الأمين العام المساعد للهيئة العالمية للتعريف بالرسول محمد (ص)، بياناً عنوانه «الانتصار لأسماء الله الحسنى ضد إلحاد مسلسل كرتوني في قناة إم بي سي»، وصف فيه العمل بأنه «نوع من الإلحاد»، وقال: إن الفتوى الصادرة بحق العمل هي «تأكيداً لبُطلانه وخطره على العقيدة الإسلامية» وعلى «أنه عملٌ باطلٌ يجب إنكاره والنهي عنه تعظيماً لأسماء الله وصفاته».
الشايع شكك في نوايا المؤلف والقناة التي تعرض عمله، وقال إن «التمادي بعرض المسلسل يعد جُرماً عظيماً»، ودعا إلى «أن تستجيب مجموعة mbc لفتوى اللجنة الدائمة للإفتاء وتوقف بث المسلسل فورًا، وأن تقدم الاعتذار الصريح عما تضمنه من إساءة للعقيدة الإسلامية وأذية للمسلمين في أشرف ما يملكون، وأن يوقف مسؤلو الثقافة والإعلام عرض المسلسل وما أشبه مما يناقض العقيدة ويهدم القيم، مع إجراء مراجعة شاملة لمنهجية قنوات «mbc» وما أشبهها، وهل هي محققة للمصالح العليا الوطنية والعربية والإسلامية، وإن أصرت القناة على غيها، فبأيديهم إغلاق مكاتب القناة، وتعطيل ترخيصها».
الشايع دعا رجال الأعمال والشركات المعلنة في مجموعة «mbc» للتوقف عن دعم القنوات، كما دعا المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، لوضع مبادرة لحماية عقيدة وثقافة المجتمعات الإسلامية «بكشفها لخطورة البرامج والمسلسلات الموجهة كالمسلسل المشار إليه»
العدد 4368 - الجمعة 22 أغسطس 2014م الموافق 26 شوال 1435هـ