دفعتنا المحاولة أن نجرّب قراءة التافه من الإصدارات والركيك منها؛ كاتب المقال؛ والراحلان: جمعة الفيروز؛ أحمد راشد ثاني؛ والصديق ثاني السويدي. كان ذلك ذات اغتراب في دولة الإمارات العربية المتحدة قبل سنوات؛ وتحديداً في ثمانينيات القرن الماضي، وكان مقرراً للتجربة أن تصمد عامين. لن تنجح بطبيعة الحال. لا أحد باستطاعته أن يصمد في هكذا تجربة، وبصريح العبارة: أن يلقي بنفسه إلى التهلكة! كل رداءة تهْلكة!
مرّت شهور. نعلم أن هنالك من لم يفِ بالاتفاق. ربما قرأ أحدنا إصداراً... إصدارين؛ لكنه في نهاية المطاف بشر. تؤلمه وتذبحه الرداءة. القراءة على مضض تجلب الكراهية. نقرأ لنحب. هل كان اتفاقنا نوعاً من التغيير؟ أن نجرب الكراهية، نحن الذين اعتدنا على المحبة؛ واستغفال كثيرين لنا؟ لم يكُ ذلك وارداً. لم يعترف أحد بإخلاله بالاتفاق. لم نطلب أو نستجوب أياً منا، نحن الأربعة. هكذا بجنوننا المعهود؛ وغرائبيتنا التي نطلع بها على الوسط الأدبي، ونحن؛ أو بعض منا كان في بداية تجربته.
من قُدِّر له أن يصمد في قراءة أعمال تجاوزت العشرة؛ كان أكثرنا تحولاً وسوء خُلُق، عوّضه في اشتغال وقفزات طوال الفترة المتفق عليها. سوء خُلق عابر لا يتجاوز محيطنا والمجموعة؛ وقدرة على امتصاص ذلك التحوّل.
أفراد من المجموعة اختفوا لبعض الوقت. كنّا نضرب أخماساً في أسداس؛ ظناً منا أن التزاماً بالاتفاق يتم تأكيده لقراءة التفاهات من تلكم الإصدارات.
طوال عامين من الاتفاق، لم يسَلْ أحدنا صاحبه عمّا قرأ إلا قليلاً.
عمَّ كنا نبحث؟ المطابع العربية كانت تضخ المبهر والجميل في ذلك العقد من الزمن. ماذا وراء ما كان يظنه كثيرون أنه عبث؟
لا شيء سوى أن نحصّن قدرتنا على تجنّب إغواء العناوين، وتجنيب أنفسنا الأسماء التي كرّسها بعض إعلام دولنا باعتبارها مُفتتح القيمة والإبداع وكل ما يبعث على الدهشة والصدمة. كانت تجربة لفهم العلاقة في التواطؤ الذي مارسه بعض الإعلام ودور النشر التي لا تهمها قيمة ما تضخّه مطابعها بقدر ما يهمها رصيدها من العناوين والأسماء؛ أية عناوين وأي أسماء؛ علاوة على رصيدها المصرفي، وحضورها في السوق.
خرجنا بالتجربة بالانشداد إلى قيمة ومضمون الإصدارات والأعمال. الأسماء لا تدل دائماً على أصحابها، وكذلك العناوين. كنا في بحث عن المضامين، ومحاصرين بالعناوين.
ازدهار ذلك العقد من الزمن بما قدّم من ملفت ومغاير وعميق لم ينفِ عنه ولم ينْجُ من الغث والركيك والتافه؛ اتكاء على قائمة من تلك التفاهة تحت مسمّى إصدارات، وهي في حقيقتها صفارات إنذار بأن الذوق والخيال وكل ما أبدع الله من خيال في الجنس البشري في منطقتنا كان مُختطفاً من تلك «البراميل» الفارغة في هيئة نجوم سوّقها إعلام «سوقي»!
قرأنا أدباً رديئاً بـ «امتياز» في تلك الفترة - تفرّغاً - وترصّداً وبخبث لم نتبرأ منه! كانت محصلة التجربة أننا نمزّق اليوم ما نكتب أكثر مما نتجرأ على نشره، وولّدت لدينا قناعة بإلقاء المجاملات والتجمّل في أقرب مُستوعب للنفايات كي لا نكون شركاء في صناعة الرداءة في الكتابة والذين يقفون وراءها، ممن سيصبحون - كالعادة - نجوماً بفعل الصمت والمداهنة!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4368 - الجمعة 22 أغسطس 2014م الموافق 26 شوال 1435هـ