عند مناقشة موضوع العلاقة بين الأمن الإنساني والبيئة، من الضروري دراسة وتصنيف مرتكزات وجوانب الترابط بين الأمن كظاهرة وفلسفة اجتماعية، والبيئة كعنصر مهم وضرورة موضوعية لدعم الوجود الاجتماعي.
ومن الطبيعي أن يدفعنا ذلك إلى ملاحظة أن هناك تناغماً وتوافقاً وتفاعلاً مستمراً في إطار خلية واحدة ومحيط واحد، يبرز القواسم المشتركة بين الأمن كوسيلة وآلية مهمة للحفاظ على سلامة البيئة ومواردها، والبيئة كركيزة ومورد ومقوم رئيس لتدعيم قوة وقاعدة الأمن المجتمعي، وان ذلك الترابط العضوي والتوحد في المهام والوظائف يشكلان مسألة ضرورية لتحقيق المصلحة الاجتماعية في تأمين مقومات الحياة واستمرار حضارات المجتمعات البشرية.
إن الأمن كفلسفة ومنهج إنساني وظاهرة اجتماعية، يشكل هاجساً إنسانياً منذ تكوّن المجتمعات البشرية، وبروز ظاهرة الأمن اقتضته متطلبات الحياة، والاحتياجات الإنسانية، وارتبط ذلك بضرورة وحتمية وجود المقومات والعناصر والمؤثرات التي تسهم في تكون تلك الحالة الإنسانية، وتتمركز في الجزئية المهمة من المقومات التي تشكل الركيزة المباشرة والفاعلة في تكوين الظروف الملائمة لاستمرار حياة الإنسان وبقاء الحضارات البشرية.
إن متطلبات واحتياجات الإنسان الأمنية اختلفت بين مرحلة وأخرى، وارتبط ذلك باختلاف الظروف الحياتية ومستوى تطور المجتمعات البشرية، وعوامل الصراع الاجتماعي، وأضحت ظروف مرحلة التطور المجتمعي تفرض مقومات وشروط ونهج الأمن الذي يقتضيه واقع وظروف تلك المرحلة. ففي بداية تكوّن تلك المجتمعات كان التفكير الملازم للإنسان يتمحور في العمل من أجل إيجاد المقومات الحياتية الرئيسة للحفاظ على وجوده واستمرار بقائه. والأمن الشخصي كان أهم بوادر التفكير الإنساني ومرتكزات توجهات حياته الأولية، وفي سياق ذلك التوجه سعى الإنسان إلى ابتكار الأدوات البدائية والوسائل الكفيلة لتحصين وجوده وتدعيم قدرته الأمنية في مواجهة قسوة المحيط البيئي والحالات الطبيعية الطارئة، والتي يمكن أن تكون وسيلة أكيدة لتأمين سلامة بقائه وتحقيق الأمن الشخصي للفرد والجماعة.
كما أن الأمن الغذائي يشكل هو الآخر هاجساً رئيساً لتفكير الإنسان في إطار سعيه لتأمين الظروف المناسبة للحياة والحفاظ على ديمومة البقاء. وكانت تلك الصفة الرئيسة التي رافقت المراحل الأولى لوجود الإنسان على البسيطة، وأضحت كذلك ركيزة رئيسة ملازمة لمختلف مراحل تطور المجتمعات البشرية. وتغير الظروف الحياتية وبروز حروب التوسع والعدوان وما تشكّله من خطر حقيقي على أمن التجمعات البشرية، كانت العامل الفعلي والرئيس الذي أسهم في بروز مفهوم ما يعرف بـ «الأمن العسكري» إلى الوجود.
وعلى الرغم من التفاوت الزمني لبروز ذلك المفهوم، ومفهوم الأمن الشخصي للدولة، إلا أنهما لا يختلفان في الجوهر العام، حيث أن الأمن العسكري من أهم أهدافه ومرتكزاته العمل بشكل فعلي للحفاظ على الأمن الشخصي للدولة، وأولى مهامه الحفاظ على شخصية وجود مجتمع ما. وفي إطار تطوّر الآلة العسكرية في العديد من البلدان تزايدت المخاوف من المخاطر العسكرية التي يمكن أن تهدّد الأمن الوطني لدولةٍ أو مجموعةٍ من الدول، ورافق ذلك تصاعد في حدة التوتر الدولي، ما تسبب في بروز مفهوم ما يعرف بـ «الأمن النووي». وعلى الرغم من سيادة آلية النزعة العسكرية بمفهومها التقليدي والنووي في استراتيجية الدول الأمنية لمرحلة ليست بقصيرة، إلا أن ذلك النهج أثبت عقمه من ناحية إمكانيته الفعلية في تحقيق الأمن للفرد والمجتمع. ولسنا بحاجة هنا إلى ذكر مجموعة الأحداث والوقائع التاريخية المعروفة أصلاً والمؤكدة تاريخياً، التي أسهمت في زعزعة أمن المجتمعات، وذلك لما أحدثته من دمار شامل للمحيط البيئي للإنسان، بما فيه الإخلال بالتوازن البيئي وتدهور الموارد الطبيعية للدلالة على صحة وجهة نظرنا.
إن حتمية التطور الحضاري اقتضت تعمق فكرة إنسانية الفكر البشري في خطط واستراتيجية الدول الأمنية، وكان ذلك نتيجةً أكيدةً للانعطافة التاريخية في مفهوم أولويات تنظيم العلاقة الدولية، وذلك يشكل طفرة نوعية في تغليب الجوانب الإنسانية لمفهوم الأمن بمختلف تجلياته في تطور أسس ومبادئ العلاقة بين الشعوب، حيث تجسّد في إطار تعاون وتفاهم عناصر المجتمع الدولي لحل المعضلات العالمية وتحقيق أمن مختلف التجمعات البشرية؛ منطق العقلانية في التعاطي مع متغيرات الحياة الإنسانية وما تفرزه من إشكاليات اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية، وهو الأمر الذي فرض واقعه على منظومة قرارات المجتمع الدولي والاتفاقيات الدولية المختلفة الاتجاهات والركائز والمعايير القانونية.
وقضايا البيئة محور رئيس في قرارات واتفاقيات المجتمع الدولي، حيث أرست القواعد الرئيسة لنظام الأمن البيئي الشامل، الذي يرتكز على المبادئ الدولية التي تحرم مختلف أشكال التدمير البيئي الناجم عن الحروب، واستغلال البيئة للأغراض العسكرية، والاستثمار غير المشروع وغير الرشيد للأنظمة البيئية ومواردها الطبيعية، والتي تؤكد ضرورة العمل لصياغة نظام اقتصادي عالمي يراعي الشروط الرئيسة لأمن الإنسانية، ترتكز في جوهر مضامينها على ثوابت تكافؤ الفرص في الحياة والعيش الكريم، إلى جانب العديد من الاتجاهات ذات الارتباط بقضايا الأمن الحضاري للتجمعات البشرية، وذلك هو المنهج الذي تسعى البشرية إلى تجسيده وجعله واقعاً ملموساً في فعلها ونشاطها، على الرغم من الظروف المحيطة بواقع تحقيق ذلك الطموح والهدف الإنساني.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4367 - الخميس 21 أغسطس 2014م الموافق 25 شوال 1435هـ
لماذا لا يوجد شخص قادر علي اتخاذ قرار كبير
لماذا لا تولى الحكومه اهتماما بالبيئة أكثر وين البلديات نستطيع الآن وبجهدورأس مال لنعيد بيئة البحرين كما كانت قبل ستين عاما لقد فعلتها دولا كثيره التكنولوجيا الآن تستطع فعل ذلك مع الاراده