العدد 4367 - الخميس 21 أغسطس 2014م الموافق 25 شوال 1435هـ

الهدف هو نسيان الديمقراطية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

هي ذات اللعبة القديمة المجرّبة من قبل كلّ المتلاعبين بالشعوب: إذا أردت أن ينسى الناس شيئاً مهماً فاشغلهم بأشياء أخرى هامشية.

وهكذا، فمنذ اللحظة الأولى لظهور شرارة ربيع أمة العرب المبشّرة بوهج الانتقال العربي التاريخي من قرون أنظمة التسلط السياسي ونهب ثروات الأمة إلى نظام يجسّد شعارات الجماهير الثلاثة في الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية... منذ تلك اللحظة والقوى المضادّة لذلك الحدث التاريخي، سواءً في الداخل أو الخارج، منصبّة على إفشاله وذلك عن طريق حرفه عن مساره الأساسي الواسع الجامع لملايين المواطنين، إلى مسارات فرعية صغيرة متباعدة تنسي الناس أهداف وروعة ما في المسار الواعد الكبير: أهداف الانتقال التاريخي إلى نظام ديمقراطي سياسي – اقتصادي – اجتماعي عادل، يجسّد الشعارات الثلاثة في الواقع وفي حياة المواطن المعيشية اليومية.

من هذا المنطلق، منطلق نسيان الجماهير العربية لهدف الانتقال إلى الديموقراطية والانشغال بأشياء أخر، اجتاحت الأرض العربية موجة العبثية العدمية التي نراها ماثلةً أمامنا.

في اليمن تفجَّر موضوع صراع الدولة الطائفي مع الحوثيين، وصراع الدولة القبلي مع الانفصاليين الجنوبيين، وانشغل الناس بالموضوعين ونسوا موضوع النضال من أجل نظام حكم ديمقراطي عادل.

في مصر تراجعت ثورة يناير الجماهيرية المبهرة ضدّ حكم عسكري أمني تسلّطي فاسد، لينشغل الناس بهدف يعلو فوق كل أهداف يناير الديمقراطية، وهو هدف شيطنة واستئصال جماعة الإخوان المسلمين وكل تمظهراتها الإسلامية السياسية الأخرى، وليتقبل الناس، باسم ضرورة ذلك الاستئصال، كلّ مظاهر الاعتداء على أسس الديمقراطية التي خرجوا من أجلها.

في سورية قامت ثورة شعبية واسعة سلمية من أجل نفس المطالب الديمقراطية إيّاها، لكنّ البلادات والمخاوف المرضيّة من البعض، والتآمر الواضح من البعض الآخر، جاءوا بجحافل الجهاديّين التكفيريّين الذين دمّروا روح تلك الثورة السلمية وإمكانيات الانتقال إلى نظام ديمقراطي عادل، من خلال ممارساتهم البربرية وتخلُّف فهمهم وممارستهم لدين الإسلام، فنسيت جماهير سورية الأهداف الديمقراطية الأولى، لتنشغل بأهداف إطفاء حرائق «داعش» و»النصرة» وأخواتهما، وترميم الدّمار الهمجي الذي طال سماء سورية وأرضها وتراثها وبنية مجتمعها.

في بلدان الخليج العربي نجحت القوى المضادّة لأيّ تغيير كبير، في بناء وترسيخ صراع سنّي – شيعي طائفي عبثي وغير إسلامي، فانشغل الناس بهذا الصّراع المتعمّد لينسوا تطلُّعاتهم الديمقراطية المشروعة، ويضيعوا في متاهات لغوٍ وثرثرةٍ وغمزٍ ولمز قبلية ومذهبية متزمتة ومثيرة للفتن والأحقاد والبؤس الأخلاقي.

في العراق، وآهٍ على العراق ومن العراق، ضاعت أحلام الديمقراطية ونسيها الناس عندما أصبحت منتهى تطلُّعاتهم الآن إيقاف الزّحف المغولي البربري القادم من الشمال تحت رايات «داعش» وأخواتها والمسحورين بتكبيراتها. وبعد إيقاف ذلك الزحف سينشغلون بحركة انفصال شمال العراق، وقيام دولة كردستان العراق، التي تسلّح الآن حتى الأسنان تمهيداً لتقطيع أوصال العراق في المستقبل القريب. ولن يكون آنذاك وقت للديمقراطية، إذ سينشغل الناس بمعركة الوجود ووسائل خياطة الأوصال الممزّقة المتناثرة.

ومثل ذلك انشغال شعوب ليبيا بالصّراع القبلي والجهوي؛ والسودان بمحاولات الاستمرار في تمزيقه إرباً إرباً؛ ودول المغرب العربي بالقضية الأمازيغية؛ وتونس بحماية حدودها ضدّ جحافل برابرة القاعدة وحلفائها من بعض السلفيين الذين لن يطفئ عطشهم لحرق الأوطان حتى مشاركة حركة النهضة الإسلامية لغيرها في الحياة السياسية بفعالية بارزة؛ وفلسطين بمذابح غزة من قبل الاستعمار الصهيوني.

في كل الأرض العربية، وبدون استثناء، سيكون الهدف إشغال الناس وحرفهم عن المطالب الديمقراطية، بل وإقناعهم بطرق شيطانية بأن كل المصائب والمحن التي يواجهها الوطن العربي هي ناتجةٌ عن الإيمان بالديمقراطية، وأنّ حبل النجاة هو القبول بدولة التسلُّط الأمني والنّهب الفئوي والحكم غير الديمقراطي، وأنّ الأفضل هو أن تقبل بكل مصائب وابتذالات مجنونك حتى لا يأتيك من هو أجنّ وأكثر ابتذالاً.

السؤال: هل سيقع شباب ثورات وحراكات الربيع العربي، وهم المعنيُّون بإرجاع ربيع أمّتهم إلى المسار التاريخي الديمقراطي الصحيح، هل سيقعون في فخّ هذا الحرف المخطّط له بإتقان وغوايات شياطين الداخل والخارج، أم أنهم على الرغم من ضرورة مساهمتهم مع الآخرين في إطفاء الحرائق الهائلة التي تشتعل في كل مكان، سيبقون جذوة المطالب الديمقراطية ويصّروا على أن تحقيق تلك المطالب هو قمة العلاج لكل المصائب التي تواجهها الأمة؟

لقد صنع شباب الأمة العربية التاريخ منذ أربع سنوات، وعليهم أن يجيبوا على هذا السؤال التاريخي بجواب تاريخي أيضاً.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4367 - الخميس 21 أغسطس 2014م الموافق 25 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 9:32 ص

      إلا ثورة البحرين يا د علي

      النظرة الاستعلائية للثورة ...هي إحدى مؤشرات توهم ضياعهامن بين مؤشرات أخرى كانحراف مسارها وعنفيتهاووسمها بالطائفية ووو إلى غير ذلك مما في جراب الحاوي( المغرض ) من عصي يتوهمها ضعيف الإيمان بالحق ثعابين أما المؤمنون بحقوقهم في الحرية والديموقراطية والعيش الكريم والساعين بصدق من أجل وطن يتساوى فيه كل أبنائه كأسنان المشط فإنهم لا يرون شيئاً من هذا. ولا ينظروا إلى ما يحدث من حراك بكل تلاوينه إلا ثورة سلمية لشعب متحضر وليس إلا امتداد لحراك بدأ منذ عقودضحى من خلاله هذا الشعب كثيراً ونصره مؤكد.

    • زائر 5 | 8:07 ص

      استادى الله يحفضك

      كلما الناس ابتعدو عن الله وشرعه حل البلاء عليهم لويرجعون الى الله شان الدنيا اصير بخير اللهم اهلك كل ظالم دمر الاسلام

    • زائر 4 | 3:12 ص

      المشكلة يا دفي الشعوب ايضا البحرين نموذجا

      المشكله في الشعوب أيضا الانظمه مصلحتها ذلك لكن وين وعي الشعب البحرين نموذجا

    • زائر 3 | 3:04 ص

      عبد علي البصري

      الديموقراطيه هي التحرر من التسلط الدكتاتوري الاحمق الغبي , الديموقراطيه تحملها قلوب ديموقراطيه لا قلوب دكتاتوريه حمقاء , اعني بالحمقاء التي لا تفهم الدين و لا الانسانيه , تلقفوها يا بنو اميه ؟؟؟ هي تجربه انسانيه عربيه تلقفتها اكف وأذرع الحمقى والاغبياء , أوهنتها وكسرت شوكتها .... ولاكنها تجربه أخفق

    • زائر 1 | 11:28 م

      وطن لايرجف فيه الجميع

      كلام جميل النعيمي رحمة الله عليه
      أنتم الضمانة قالتها منيرة فخرو للجماهير
      تعالوا نفتح قلوبنا على بعضنا البعض قالها
      ش علي سلمان للجماهير.

اقرأ ايضاً