بمساعدة من الأمم المتحدة، تحاول موريتانيا المعرضة للجفاف والتي تعاني من الجوع المزمن الوصول إلى المانحين العرب وتشجيعهم على تجاوز دورهم المعتاد في التنمية والمشاركة في جهود الاستجابة الإنسانية.
ويذكر أن جزءاً كبيراً من المانحين التقليديين هم أعضاء في لجنة المساعدات الإنمائية التابعة إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. غير أن إسهامات المانحين غير التقليديين وغير الأعضاء في هذه اللجنة شهدت زيادة في السنوات الأخيرة. ومع قيام العديد من المانحين الغربيين بخفض موازناتهم وسط مخاوف من حدوث ركود آخر، برز دور منطقة الخليج في مجال المساعدات، وخاصة في البلدان ذات الكثافة السكانية الكبيرة من المسلمين.
وفي أوائل شهر فبراير/ شباط، زارت مجموعة من المانحين العرب منطقتي البراكنة وغورغول اللتين تعانيان من انعدام شديد في الأمن الغذائي، وذلك في إطار رحلة نظمها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا). ووفقاً لأحدث دراسة في هذا المجال، تجاوزت معدلات سوء التغذية الشديد منذ ديسمبر/ كانون الأول 2011 الحد الطارئ المحدد من قبل منظمة الصحة العالمية، حيث بلغت 11,7 في المئة في غورغول و12,5 في المئة في البراكنة.
ويقوم برنامج الأغذية العالمي ومنظمة أو سيكور Au Secours غير الحكومية الشريكة له باستهداف 7000 أسرة في جميع أنحاء المنطقة للاستفادة من برنامج للتحويلات النقدية يوفر 20000 أوقية للأسرة شهريّاً.
وقد أخبر عمدة إحدى القرى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، سيدي إبراهيم ولد سامبا، أن قريته «كغيرها الكثير، تفتقر إلى كل شيء، الوصول إلى المياه والحصول على خدمات التعليم والصحة». وأضاف أنه على رغم المساعدة المستمرة التي تتلقاها القرية من الحكومة وبرنامج الأغذية العالمي والمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة الأخرى، إلا أنها ليست كافية أبداً للارتقاء بسكانها لأبعد من مجرد البقاء على قيد الحياة.
الاحتياجات
وقال ولد سامبا، الذي دعا المانحين إلى مساعدتهم على إنشاء مركز صحي، إن سكان القرية يعتمدون بشكل كلي تقريباً على الاقتراض أو التحويلات المالية من الأسر في المناطق الحضرية للخروج من براثن الفقر. موضحاً أن أقرب مستشفى للإحالة يقع في ألاك على بعد 230 كيلومتراً.
وأخبر ولد سامبا المانحين قائلاً: «نحن بحاجة إلى مدرسة وإلى أسوار لحماية المزارع الصغيرة وإلى المال لإقامة مشروع مدر للدخل - ناهيك عن الحاجة إلى توفير مصدر أفضل للمياه».
من جهته، قال عمدة قرية أخرى في البراكنة شيدت لإيواء النازحين، أبو ولد الحكيم، الذين شُردوا خلال فيضانات العام 2012، إن الاحتياجات ضخمة. وأضاف «لقد دمرت الفيضانات محصولنا... نحن نواجه جميع المشاكل التي يواجهها أي مجتمع تعرض حديثاً للنزوح». وقد شكر الجهات العربية المشاركة على الزيارة وعلى الدعم الذي تنوي تقديمه.
من جهتها، قالت مريم بنت بوبكر، وهي عضوة في تعاونية البستنة النسائية في القرية: «مع القليل من المساعدة كالحصول على المياه وبعض المعدات الأساسية والتدريب يمكن للمرأة أن تلعب دوراً أكبر بكثير في دعم الأمن الغذائي في القرية».
وقد أكد العمدة موسى سو أن كادي، وهي مدينة في منطقة غورغول، كانت ذات يوم سلة الغذاء بالنسبة إلى موريتانيا. وأضاف «نحن الآن في أوج انعدام الأمن الغذائي في البلاد ... مديونية سكان القرية ليست المشكلة... بل عدم توافر دعم هيكلي للمزارعين».
وأضاف العمدة أن الإنتاج اللائق لن يتحقق مطلقاً من دون بذور وأدوات وأساسيات الزراعة الحديثة، مثل توافر الأسمدة والآلات الأساسية الأفضل.
وقد صرح العديد من المانحين بأن الزيارة حفزتهم لزيادة أو تدشين جهود الاستجابة للاحتياجات التي شهدوها. وقد أكد بعضهم عزمهم على التدخل في مشروعات تمكين المرأة، وبعضهم الآخر على تقديم البذور والأدوات، بينما أفادت مجموعة أخرى من المانحين استعدادها لتقديم المساعدة لقطاع المياه.
العمل من أجل التعاون
وتهيمن الجهات المانحة التقليدية على تمويل المساعدات الإنسانية في موريتانيا. ففي العام 2013، كانت أكبر الجهات المانحة الإنسانية هي المملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية واليابان. وقد جاءت الكويت في المرتبة 13 والبنك الإفريقي للتنمية في المرتبة 15، وفقاً لنظام التتبع المالي لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا).
يذكر أن المانحين العرب نشطون بالفعل في موريتانيا، لكنهم يميلون إلى التركيز في الغالب على مشروعات التنمية - البنية التحتية وتطوير قطاع الأعمال - وبشكل رئيسي في المناطق الحضرية، مثل العاصمة نواكشوط. وقال العديد منهم إنهم لا يفرقون بين حالات الطوارئ والمعونات الإنمائية.
وقد قدمت المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة مجتمعة مبلغ 46.9 مليار دولار في إطار المساعدة الإنمائية الرسمية بين العامين 2000 و2011، وفقاً لتقرير المساعدات الإنسانية العالمية للعام 2013.
وقد كان في صفوف الزوار رفيعي المستوى للبراكنة وغورغول منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، وممثلون حكوميون من الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر وأعضاء من جمعيات الهلال الأحمر في الإمارات العربية المتحدة وقطر، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ومؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية القطرية، فضلاً عن ممثلين من الاتحاد الإفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ومكتب المساعدات الإنسانية التابع إلى الاتحاد الأوروبي.
وقد شددت الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية فائقة سعيد الصالح، على الحاجة إلى تمويل التعليم وبرامج إدرار الدخل التي تستهدف النساء، بينما قال ممثل المنظمة غير الحكومية التركية للكوارث وإدارة الطوارئ أونور دميركول، إن المنظمة تركز على تطوير البنية التحتية في المجتمعات التي تضررت من فيضانات 2012 و2013.
كما تحدثوا عن توثيق التعاون مع الجهات المانحة التقليدية والحكومة، وضرورة تحقيق عن المزيد من الانفتاح وبناء القدرة على الصمود.
من جهته، صرح الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي عطاء المنان بخيت بأنه «من خلال تعزيز الشراكة بين الجهات المانحة المحتملة فقط يمكن أن تكون لهذه المجتمعات فرصة أفضل لبناء القدرة على الصمود ضد الأزمات المستقبلية».
بدوره، قال منسق الشئون الإنسانية في منطقة الساحل روبرت بايبر، إنه من المؤمل أن يعزز المانحون دورهم في المساعدات الإنسانية ودعمهم على المدى الطويل لتعزيز قدرة السكان في منطقة الساحل على الصمود.
واضاف «تأسيس شراكات مبتكرة في عالم العمل الإنساني قد بدأ. ولم يعد الغرب هو الذي يستجيب لاحتياجات البلدان النامية. ويمكن لهذه البعثة التي زارت موريتانيا أن تطلق أخيراً الاجراءات المشتركة».
العدد 4367 - الخميس 21 أغسطس 2014م الموافق 25 شوال 1435هـ