بينما كنت أقرأ الصحف هذا الأسبوع لفت انتباهي خبر نشر في إحدى الصحف المحلية، وكان عنوانه: «اليابان تنظم استخدام الهواتف الذكية عند الأطفال»، حيث أوضح الخبر بأن السلطات اليابانية المحلية، بالإضافة إلى رابطات أولياء الأمور والمعلمين هناك تسعى إلى وضع قواعد جديدة بشأن استخدام الهواتف الذكية بين الأطفال للحد من المشاكل المتزايدة الناجمة عن ذلك، خصوصاً بين طلبة مرحلتي التعليم الأساسي (الابتدائي) والإعدادي، مما يؤثر على صحة الطلاب وتحصيلهم العلمي، إضافة إلى أنها بدأت تصبح وسائل للعنف وارتكاب الجرائم الجنسية، بحسب وكالة «جي جي برس» اليابانية.
وقد بدأت اليابان بالفعل أولى الخطوات للتنظيم، وذلك في مدينة كاريا بمقاطعة ايتشي، حيث ناشدت كل مدارس التعليم الأساسي والمدارس الإعدادية البالغ عددها 21 مدرسة في المدينة جميع الأسر بوضع قواعد تدعو أولياء الأمور إلى الامتناع عن شراء هواتف ذكية لأطفالهم واستخدام برامج تصفية المحتوى في الهواتف الموجودة وعدم السماح للأطفال باستخدام الهواتف الذكية بعد التاسعة مساء. وقد وضع هذه القواعد مجموعة من نظار رياض الأطفال ومدارس التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي التي تم تشكيلها للارتقاء بالمستويات البدنية والذهنية للأطفال.
جميلة جداً الأسطر السابقة، فهي تعبر عن تحمل المسئولين في الحكومة اليابانية، بالإضافة إلى أولياء الأمور هناك مسئولياتهم الاجتماعية في تربية وتنمية أجيال المستقبل، فهم يسعون بكل تأكيد إلى خلق أجيال قوية وذكية قادرة على العطاء، لذلك تجد أولياء الأمور متعاونين مع الدولة في سبيل تحقيق ذلك.
ما سبق يحدث في اليابان، وهي إحدى الدول المتقدمة والمتطورة، بينما نحن في دولنا العربية والخليج خصوصاً، تجد خلاف ذلك تماماً. فإن كان عمر ولدك خمس سنوات ولا يملك هاتفاً، ولا يتواصل مع أصدقائه عبر «الواتس آب» أو الـ«الفيسبوك» أو «التويتر».... إلخ، فأنتم حتماً عائلة «متخلفة تكنولوجياً»!!.
هذا ليس هراء، هذا واقع مؤلم نعيشه حقاً وبشكل يومي... فإن جلست للحوار مع أحد أصدقائك وأكتشفت أن ابنك ليس لديه هاتف ذكي، فسيبدأ بطرح أسئلته وسيبدؤها بـ«لماذا؟!»، إن أجبته هو صغير ولا يدرك كيف يتعامل مع مثل هذه الأمور، سيبدأ بالضحك عليك، ويستهزئ بكلامك، مبدياً دهشته بأنك تعيش في عالم آخر، وأن كل الأطفال باتوا يتقنون استخدام التكنولوجيا، ولماذا تحرم ابنك وأنت لديك المال، هل أنت معقد نفسياً... وغيرها من الأمور.
صوت العقل في داخلك، إن أردت إقناعه بوجهة نظرك، سيقول لذلك الشخص: مهلاً عزيزي... هل نحن متخلفون تكنولوجياً لأن ابننا ليس لديه هاتف ذكي؟!، أم أننا بخلاء لا نريد شراءه له؟ أم نحن معقدون نفسياً؟ أو أننا نعيش في عالم مختلف؟... لا عزيزي أنا فقط أحاول ترتيب حياتي العائلية البسيطة التي لخبطتها التكنولوجيا، كما أنوي حماية خصوصياتنا وتحصين أنفسنا من الوقوع في الأخطاء. فبوصول الهاتف الذكي لأيدي الأطفال وبغياب الرقابة من قبل أولياء الأمور، بات لديهم أصدقاء نحن نجهلهم ونجهل تربيتهم. كما أن الروابط الاجتماعية باتت ضعيفة، فبدل أن يقابل الطفل والديه على مائدة الأطفال أو الغداء أو العشاء، تجده يرسل رسائل لذويه عبر هاتفه الذكي قائلاً: «صباح الخير... أو سأتأخر على الغداء... أو مساء الخير... أو كل عام وأنتم بخير... إلخ»... بمعنى آخر علاقاتنا الاجتماعية باتت محصورة عبر هذه الشاشة الصغيرة، هذا بالإضافة إلى دخول الأطفال في مشاكل لا حصر لها واكتسابهم لطباع وصفات غير طبيعية أو غير أخلاقية، وغيرها من الأمور التي باتت تثار نتيجة للاستخدام غير السليم للهواتف الذكية للأطفال.
اليابان أدركت خطورة الوضع باكراً، فمتى سيستيقظ مجتمعنا؟ ليعي خطورة الوضع الذي يعيشه الأطفال في وطننا العربي نتيجة لغياب الرقابة عن استخدام الأطفال للهواتف الذكية.
مناهل
العدد 4366 - الأربعاء 20 أغسطس 2014م الموافق 24 شوال 1435هـ