العدد 2490 - الثلثاء 30 يونيو 2009م الموافق 07 رجب 1430هـ

آيدلوجيون وليبراليون

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كشفت المناقشات التي دارت خلال ورشة العمل الخاصة بميثاق الشرف الصحافي، عن وجود خلافاتٍ كبيرةٍ في الكثير من الأمور في البيت الصحافي، وهي خلافاتٌ طبيعيةٌ تدل على الصحة والعافية.

الذين حضروا من جهات عمل مختلفة، يمكن اعتبارهم عينة تعكس الواقع الصحافي بدرجة معقولة من التمثيل. فإلى جانب مناقشة الهدايا والعطايا والرشا، المكشوفة والمبطنة، هناك الحساسيات القديمة بين التيارات التي تمثلها الصحف. وهي خلافات تتداخل فيها الانتماءات الفكرية والسياسية، فضلا عن المصالح الفئوية والشخصية.

المحاضران الأجنبيان، البريطاني ماثيو شيلي من منظمة «آيركس»، والأميركي ديفيد ماكرو من «نيويورك تايمز»، ربما أثار استغرابهما إطالة النقاش في هذا الجانب، لكنه كان يعكس واقعا معاشا يثير الكثير من الشجون. البعض يرجع قبول «العطايا» إلى ضعف المردود المادي في العمل الصحافي، وغالبا ما يتم بعلم إدارات الصحف التي تغض الطرف عن هذه التجاوزات، فما لم أستطع تعديل راتبك، سأغمض عيني عن هفواتك وتنازلاتك.

هناك قضايا السرقات «غير الأدبية»، التي رفع معدلها تقدم وسائل الاتصال، بقدر ما رفع احتمال افتضاحها. في الثمانينيات، سرق أحدهم قصة أدبية من مجلة مصرية صادرة في الخمسينيات، واكتشف ذلك صدفة أحد القراء بفضل ذاكرته الحادة. أمّا اليوم فلا يحتاج الأمر لأكثر من إدخال الموضوع المشكوك فيه على محرّك البحث لتعرف مصدره الحقيقي. مع ذلك لم يرتدع البعض عن السرقة، حتى أصابت اللوثة بعض النواب الذين يستأجر بعضهم «كتاب فري فيزا» لصفّ مقالات إنشائية، يضع عليها صورته المقدسة.

هذه السرقات تكشف عن ضعة صاحبها واستخفافه بالقارئ، ويتحول الخطأ إلى خطيئة إذا استولى السارق على جهود زملاء آخرين، فيسهر الليالي ليس لإنتاج مادة جديدة بجهده، وإنما للاستيلاء على ما أنتجه زملاؤه في الصحيفة طوال اليوم، ليبعث بخلاصته لصحف أو مجلات خارج الحدود. والأسوأ من ذلك أن تكتشف زملاء يكتبون تقارير سرية لأجهزةٍ أو جهاتٍ مجهولة، أو يسرّبون أسرار العمل الذي ائتُمنوا عليه لأطراف منافسة، في أبشع مخالفات أخلاقية.

من بين الأمور التي كشفتها مناقشات ورشة العمل، وجود عقدة اسمها «المؤدلجون»، لا أعتقد أنها موجودةٌ في أية بقعة أخرى من العالم. فهذه الكلمة «المسروقة» من كلمة الايدلوجيا، أصبحت لدى الليبراليين «سبّة» أو منقصة! مع ان العكس هو الصحيح، فلا يوجد شخصٌ في العالم بدون آيدلوجيا، حتى اللامنتمين تراهم ينتمون إلى جماعة اللامنتمين. حتى كولن ولسون الذي اشتهر بكتابه «اللامنتمي»، كان منتميا لجماعة «الشباب المثقفين الغاضبين» في الخمسينيات! فالإنسان إذا جرّدته من أفكاره ومبادئه ومواقفه... يتحوّل أوتوماتيكيا إلى قرد.

إن أهم ما يفرّق الإنسان عن الحيوان هو العقل، والعقل هو الذي أنتج الايدلوجيات الكبرى عبر التاريخ. ومن العجيب ان الليبراليين يستميتون في تحويل ذلك إلى نعتٍ ذميمٍ. والتيار الليبرالي الذي يمعن بعض كتّابه في طعن المخالفين دون رحمة، هو من أشد التيارات حساسية تجاه النقد.

علينا أن ندرك جميعا، وخصوصا «الليبرال»، أن زمن الرأي الواحد قد ولّى، والاستئثار بالمشهد الإعلامي أصبح من الماضي، وسياسة «ما أريكم إلا ما أرى» أصبحت من آثار عصور التخلف والاستبداد. وجمال البحرين هو في هذا التنوع الخلاّق، بشرط أن نُحسن إدارة الاختلاف وتقبل الآخر المختلف، دون إقصاءٍ ولا استعلاء.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2490 - الثلثاء 30 يونيو 2009م الموافق 07 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً