استعرض النّاقد الفنّيّ البحرينيّ محمّد الخزاعيّ من خلال ندوة «الفنّ التّشكيليّ العربيّ المعاصر: الرّهانات والتّحدّيات» التي انعقدت على مدى يومين (17 و18 أغسطس/ آب الجاري) في مركز الحسن الثّاني بمدينة أصيلة المغربيّة تطور الفنون المتّصلة بجزيرة البحرين، حيث ارتباطها بحضارة دلمون التي ازدهرت في إقليم البحرين القديم والتي كانت البحرين الحاليّة حاضرة لها في الألفيّة الثّالثة قبل الميلاد.
وذكر أنّ فنونها تمثّلت في تصميم وصناعة ما يُسمّى بالأختام الدّلمونيّة، مبيناً أن «هذه الأختام كانت تُستَخدم لتوثيق المعاملات وكعلاماتٍ تجاريّة وشخصيّة، لا بدّ أنّها كانت من إنتاج فنّانين وحِرَفيّين مَهَرة بإمكاننا أن نطلق عليهم تسمية الفنّانين القدماء.
وتابع الخزاعيّ ملاحظاته الفنّيّة المرتبطة بتاريخها في البحرين، مشيرًا إلى أنّ الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، كانت البحرين - كما الحال في الجزيرة العربيّة - تمارس نمطًا من الفنون التّشكيليّة تمثّل في صناعة التّماثيل أو الأصنام التي اتّخذها السّكّان أوثانًا يعبدونها، مؤكّدًا أنّ فنّ النّحت كان متطوّرًا في ذلك الوقت. أمّا المرحلة اللّاحقة فقد شهدت اندثار صناعة الأصنام، وذلك تبعًا لظهور الإسلام وتحريم عبادة الأصنام، حيث اختفت إحدى ظواهر الفنّ التّشكيليّ نتيحة إحجام النّحّاتين عن ممارسة هذا الفنّ.
وبين أنه نتيجةً لهذا التّحوّل في الدّيانة والذي نتجَ عنه تحوّلٌ موازٍ في الفنون، استطاعت البلاد الإسلاميّة أن تجد ضالّتها في فنّ الزّخرفة المعروف بالأرابيسك، والذي كان يتّخذ من الأشكلال الهندسيّة موتيفات زخرفيّة. مشيراً الخزاعيّ إلى أنّه وعلى رغم انغلاق الحضارة العربيّة على الفنون التّشكيليّة، فإنّها انجذبت في المقابل للفنون المعماريّة، وخصوصًا عمارة الجوامع والقصور، كما هو الحال بالنّسبة للمعمار المسيحيّ للكنائس والكاتدرائيّات.
وأوضح أنّ الفرق يكمن في استخدام الزّخارف بدلاً من الأيقونات والتّماثيل والزّجاج المعشّق الجميل، والاستعاضة عن كلّ ذلك بالخطّ الجميل للآيات القرآنيّة التي زيّنت الجدران، مبيّنًا أنّ ذلك جعل من الخطّ العربيّ أداةً من أدوات الفنّانين التّشكيليّين، وأنّ تطوّر الخطّ العربيّ بحروفه الجميلة أوجدَ أجيالاً من الخطّاطين والنّاسخين في مختلف البلاد العربيّة.
وعن الفنّ التّشكيليّ بمفهومه الحديث، أكّد أنّ البحرين عرفته منذ فترةٍ تُقارب قرنًا من الزّمن، وذلك مع إدخال مادّة الرّسم والأشغال اليدويّة كأحد النّشاطات الصّفّيّة في التّعليم النّظاميّ الحديث في البحرين، مشيرًا إلى أنّ هذه المادّة كان لها الفضل في اكتشاف الكثير من المواهب بين طلبة المدارس التي كانت تقيم المعارض الفنّيّة لأعمال الطّلّاب الموهوبين.
وأوضح أنّ انتشار المدارس وجمعيّات الفنون التّشكيليّة وصالات العرض الخاصّة والعامّة ساهم في أن تكون الفنون التّشكيليّة رافدًا مهمًّا من روافد الثّقافة في البحرين. مبيّناً أنّ العديد من الطّلّاب توجّهوا إلى التّعليم الجامعيّ والتّخصّص الفنّيّ، مّا أثرى الحركة التّشكيليّة في البحرين، كما أنّ الجيل الأقدم لم يكن بمعزل عن تقنيّات المدارس الفنّيّة المختلفة، بل قام بتقليدها ليكون له موطئ قدم على السّاحة الفنّيّة.
وذكر أنّ البحرين تعيش ظاهرةً جديرةً بالاهتمام تتمثّل في كون هذا البلد العربيّ الصّغير يضمّ عددًا كبيرًا من الفنّانين التّشكيليّين بالنّسبة إلى عدد السّكّان. ومع تنوّع إبداعات الفنّانين التّشكيليّين منذ العقد الثّالث من القرن الماضي انتشرت ظاهرة المعارض الفنّيّة، مشيرًا إلى أنّه لا يكاد يمرّ أسبوع إلّا وتشهد البحرين افتتاح معرضٍ لفنّانين مواطنين أو زائرين أو وافدين.
وفي ورقته العلميّة، أكّد الخزاعيّ أنّ فكرة الرّهانات والتّحدّيات أمام الفنّ التّشكيليّ العربيّ تتمثّل في الاعتراف بإنتاج الفنّانين العرب وعرضها في غاليريهات وصالات الفنون في العالم، وبناءً عليه فإنّ أحد التّحدّيات التي يواجهها الفنّان العربيّ تتمثّل أساسًا في ظاهرة الانتشار عبر الآفاق العالميّة الرّحبة، والذي يتحقّق من خلال مشاركة الفنّانين في معارض عالميّة بشكلٍ منتظم وعبر اختراق صالات العرض الخاصّة من جهة أخرى.
إلى جانب ذلك، طرح النّاقد البحرينيّ مسألة تسعير الأعمال الفنّيّة التي ترتبط أيضًا بانتشار الفنّ، وأشار إلى أنّ التّشبّه بالفنّانين العالميّين في طلب أسعارٍ عالية قد يكون عائقًا أمام انتشار الفنّ العربيّ على جميع الأصعدة.
وفي مقارنةٍ بين فنّاني هذا العصر وفنّاني القرون الماضية، أوضح الخزاعيّ أنّ السّابقين لم يستطيعوا أن يجنوا أموالاً طائلة لأعمالهم، بل عاش الكثير منهم عيشة الكفاف والعوز، وأنّ ما نشاهده الآن من بيع أعمال في المزادات العالميّة تصل إلى عشرات الملايين من الدّولارات ناتجٌ عن عدّة أسباب لها علاقة بطبيعة إدارة تلك المزادات وتكالب بعض المتاحف العالميّة على اقتناء هذه الأعمال.
العدد 4364 - الإثنين 18 أغسطس 2014م الموافق 22 شوال 1435هـ