العدد 4361 - الجمعة 15 أغسطس 2014م الموافق 19 شوال 1435هـ

الفنان اليمني حكيم العاقل: كل جبال اليمن عين طائر

هناك من على صخور جبل سمحان في صنعاء تأخذك المناظر المجنونة إلى أبعاد هذه المدينة التاريخية وكأن التمعن نظراً في ألوانها البراقة الباهجة تنطوي على فرح مغلف بكتل غيم من أزرق وبنفسجي ورمادي وتركواز وأزرق يشدُّك إليه وبقوة في عطفته على ألوان الغسق وهي من حنان شفيف تناغي سطح الجبل.

من قمم جبال اليمن السعيد ترى البقر والماعز والشجر والقرى والوديان والمآذن والبشر على هيئة مخلوقات متناهية الصغر.. ترى الطير وكأنك تتمثل عينيه الحادقتين.. تراه محلقاً يعبث محملق البصر وهو في حريته المتناهية حد النشوة.

بالتحليق الهادئ والطويل والممعن تركيزاً في كل ما هو أسفل السماء.

تطلّ على أسفل الجبل، تتمثل الطير في نظره المركز حيث السحيق منه فترى سجاداً يمانياً محكوم النسيج صممه.. رسمه.. ونسجه الفنان حكيم العاقل.

يقول حكيم «تعتمد مجمل تجاربي على مرجعية المكان وخصوصية البيئة اليمنية بما تحمله من تفرد وخصوصية تسكنني كسلسلة من الذكريات تعيش معي بل هي جزء من تكويني الإنساني ومرجعيتي التي لا تنضب».

ذات يوم ساقته ارتفاعات جبال اليمن الشاهقة.. الألوان البارقة.. الناس بأوضاعهم الاجتماعية المميزة والمختلفة عن محيطها بعمق تراثها وحضارتها وعاداتها الاجتماعية. حكيم يحلق عالياً ليلتقط من أعالي الجبال ما تقع عليه رؤياه/ هذه الرؤيا التي تخترق ما هو مخفٍ.. وتقتحم كل مستور من زوايا ومساحات بتركيز عالٍ لتكون موضوعات رسمه. كما الطير من أعلى ارتفاع ينقض ليلتقط ما وقع عليه نظره بعد تأنٍّ وتروٍّ في اختيار الهدف. هل يمكنني القول إنه استرجاع لما خزنه قلب الطفل حكيم ذات طفولة... ذات تأمل، وحلَّت ساعة تفريغ كل الشحن البصرية.

لحكيم أكثر من عدسة يقرب عبرها ما يشتهي من زوايا: زواياه متعددة.. مختلفة المواضيع والأوضاع، يلعب بها وبتكويناتها أبداً كما احتفظت به ذاكرة ذاك الطفل حتى ساعة التفريغ.

مخزون بيئة يمنية صرفة لوناً وتكويناً وحياة فارهة ببراءتها وبساطتها ربما كان أكثر المنتبهين إلى ذلك المرحوم رائد الفن اليمني هاشم علي. ليس غريباً على مثل حكيم التشبث بهذا الموروث الغني، بهذا المعطى الأخاذ وهو الذي كان في يوم ما تلميذ هاشم. الرؤية نحو ذلك مختلفة والتعاطي معه مغاير تماماً.

يستحضر المكان الصرف باللون اليمني الخالص برسم واقعي ذي تكوينات غرائبية بعض الشيء على ما اعتادت رؤيته العين من رسوم واقعية محضة، وهذا من أسرار جمالية العمل الفني واختلافه لديه، كلما ازداد، كلما استحضر المكان.. البيئة.. الإنسان.. يختلط الواقعي بالمتخيل.. تتدفق المواضيع ويبدأ اللعب على التكوينات رغم صعوبة الموقف تقنياً حيث الاعتماد على الرسم على (عين الطائر) حضور الإنسان بمختلف الأوضاع، نظراته، الجلسة.. وطريقة الاستلقاء مثلاً، يستحضر كل التفاصيل الصغيرة ليهب المشهد العام للعمل الفني فسحة من الاتساع عبر «رسم معقلن». كما يقول ولوناً بارقاً جذاباً، فكلما بسط كلما ازداد تعقيداً في آنٍ.

هذه البساطة المعقدة وهذا التدفق اللوني السلس والخط الذي يؤكد عليه لتعميق رسمه وترسيخ أهمية موضوعه إنسانياً، به يعمّق رؤاه الجمالية ويجعلها باباً مفتوحاً على فضاء الأسئلة فنياً وتقنياً التي تتضمنها كل لوحة من لوحاته.

العدد 4361 - الجمعة 15 أغسطس 2014م الموافق 19 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً