العدد 4361 - الجمعة 15 أغسطس 2014م الموافق 19 شوال 1435هـ

المدينة العيونية وإعادة إعمار أوال

أسس العيونيون (1077 - 1239 م) على جزيرة أوال، في القرن الثاني عشر، مدينة ومركزاً تجارياً في منطقة قلعة البحرين، وبعد انتهاء الحقبة العيونية، سيطرت عدد من الدويلات على السلطة السياسية في البحرين، وقد ورثت تلك الدويلات المدينة والمركز التجاري، وكذلك، النظام التجاري الذي أسسته الدولة العيونية. وتابعت هذه الدويلات في تطوير ذلك النظام التجاري ما أدى لمزيد من الازدهار. وقد توقف التطور في المدينة والمركز التجاري في بداية القرن السادس عشر، عندما سيطرت القوات الهرمزية - البرتغالية على جزيرة البحرين؛ حيث هُجرت المدينة وبني فوق جزء من أطلالها قلعة البحرين. وهذا يعني أن الحقبة التاريخية ما بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر هي حقبة إعادة إعمار البحرين، وهذه النتائج التاريخية تتفق مع نتائج بعثات التنقيب، حيث يرجح Larsen أن جزءاً كبيراً من أراضي البحرين تم إعمارها في هذه الحقبة (Larsen 1983, p. 196).

عاشت جزيرة أوال قرابة 140 عاماً في ظل السيطرة القرمطية (929 م - 1064 م) (الجنبي 2012، ج4، ص 2257 - 2258)، وقد قاست خلالها ظروفاً قاسية شملت التضييق على الحريات المذهبية، والضرائب الكبيرة التي تؤخذ من التجار، سواء المحليين أو العابرين؛ ما أثر سلباً على الحياة التجارية في الجزيرة، وأدى، كذلك لهجرة العديد من السكان، وقد كان ذلك جلياً حتى من خلال عمليات التنقيب على الآثار (Carter 2005). وبعد القضاء على القرامطة من كامل بلاد البحرين وسيطرة الدولة العيونية على السلطة السياسية (العام 1077 م)، بدأت حقبة جديدة في جزيرة أوال، حيث الاستقرار السياسي والحرية المذهبية والانفتاح التجاري وإعادة بناء البنية التحتية للجزيرة. ولم تكتفِ الدولة العيونية بتأسيس مدينة ومركز تجاري في موقع قلعة البحرين، بل بدأت بإعادة إعمار جزيرة أوال بصورة عامة، فبدأت بصيانة العيون الطبيعية في البحرين وقنوات الري التحت أرضية أي نظام الثقب والأفلاج.

وتؤكد الدراسات الآثارية أن نظام الثقب والأفلاج تم إعادة العمل به في هذه الحقبة، على رغم أنه لا يعرف بالتحديد متى تم بناؤها (Larsen 1983, pp. 87 - 88). وبحسب هذه المعطيات فإن العديد من القرى تم إعمارها أو إعادة إعمارها بدءاً من هذه الحقبة، وهي تشمل قرى الساحل الشمالي الممتدة من قرية بني جمرة وحتى المنامة، وكذلك، قرى الساحل الغربي الممتدة من قرية «القُرَية» وحتى داركليب. هذه أهم القرى التي تقع بالقرب من العيون الطبيعية ونظام الثقب والأفلاج. وهذا لا يعني أن هذه القرى جميعها تأسست في الحقبة العيونية، ولكن بدأ إعادة إعمارها منذ بداية الدولة العيونية، التي تركت بصمات واضحة تدل على هويتها ووجودها التجاري في أوال، وذلك من خلال نقودهم ونقش تأسيس مسجد الخميس (راجع كتابنا مسجد الخميس لمزيد من التفاصيل).

السلغريون يواصلون عمل العيونيين

في عام 636 هجرية (1239م) استطاع أتابك فارس أبوبكر بن سعد بن زنكي السلغري الاستيلاء على جزيرة أوال وقتل آخر الحكام العيونيين محمد بن أبي ماجد (الجنبي 2012، ج5، ص 3017 - 3018). وقد ورث السلغريون النظام الاقتصادي الذي أسسه العيونيين، فقاموا بضرب عمل خاصة بهم كتب عليها أسماء أمرائهم، كما أن نتائج البعثة الفرنسية للتنقيب في موقع المدينة الإسلامية في رأس القلعة تؤكد على أن هذه الحقبة كانت حقبة نشاط تجاري كبير، وعلى نطاق واسع (Negre et. al. 2005, pp. 297 - 328). لا يعلم بالتحديد متى انتهت سيطرة السلغريين على الجزيرة، فهناك من يرجح أن آل عصفور سيطروا على الجزيرة في عام 1256م، وهناك من يرجح استمرارية السيطرة السلغرية وخاصة مع اكتشاف عملة في جزيرة البحرين مصنوعة من النحاس وهي تحمل اسم أبش خاتون بنت الأتابك سعد بن أبي بكر السلغري (1264م - 1286م) وهي آخر حكام السلغريين (الحميدان 1983)، (Negre 1982).

الأيلخانيون وآثار مدينة القلعة

بعد السلغريين، سيطر الأيلخانيون على البحرين وحكموها بصورة غير مباشرة، وفي عهد الملك الجاتيو (الشاه محمد خدابنده) (حكم ما بين 1304 - 1316 م)، حكم الأيلخانيون جزيرة أوال بصورة مباشرة منذ العام 1311 م وحتى وفاة الجاتيو في العام 1316 م، وربما حتى بداية السيطرة الهرمزية في العام 1330 م (بوشهري 2002). يذكر أن الجاتيو قد اعتنق المذهب الشيعي الاثني عشري في العام 1308 م، ويعتبر أول من سك عملة كتب عليها أسماء الأئمة الاثني عشر (Porter 2005, Blair 1983). ولم يعثر في البحرين، بحسب الدراسات المنشورة، على أي عملة للأيلخانيين، إلا أنه في العام 1982 م عثر في البحرين على 18 عملة نحاسية ضُربت بالشكل نفسه، وفي السنة نفسها وللملك نفسه وبأسماء وألقاب مختلفة. ضرب على ظهر العملة «ضرب مشهد سنة سبعمويه وستعشر 716» (أي العام 1316 م)، أما الألقاب التي ضربت على وجه العملة فهي «السلطان فتح شاه» و «السلطان محمد شاه» و «السلطان زين العابدين» (بوشهري 2002). ويرجح بوشهري أن هذه النقود ضربت تخليداً لذكرى الجاتيو، وأنها ضربت في البحرين، وأما مشهد المذكورة في العملة فهي منطقة الخميس الحالية في البلاد القديم.

ومن الآثار المهمة التي عثر عليها في المدينة الإسلامية في قلعة البحرين والتي تعود لبداية القرن الرابع عشر ختم لأحد التجار نقش عليه أسماء الأئمة الاثني عشر (Porter 2002).

المقبرة الإسلامية التابعة للمدينة

كشفت نتائج التنقيب للبعثة الفرنسية في موقع قلعة البحرين عن مقبرة إسلامية ضخمة، لا يعرف بالتحديد عدد القبور فيها؛ حيث إنه لم يسمح لأحد بالتنقيب فيها (Kervran 2005, pp. 334 - 342). تحتوي المقبرة على مئات القبور، وقد دمر عدد كبير منها، ودفن الباقي تحت الأرض، ولا يعلم بالتحديد كم عددهم. وكل ما يعرف أنها شبيهة تماماً بمقبرة أبي عنبرة وبقية القبور الشيعية القديمة التي عثر عليها في مناطق مختلفة من البحرين (Kervran 2005, pp. 334 - 342). كذلك، يعرف أنها مقسمة إلى قسمين أساسيين، القسم الشرقي، وهو قسم تدفن فيه عامة الناس في قبور عبارة عن لحود غير مبنية، أما القسم الغربي ففيه أضرحة وقبور لها ساجات.

وأثناء عملية التنقيب في الحصن الإسلامي، كشف عن طريق الصدفة عن عدد من القبور التي يرجح أنها تعود للقرن السادس عشر، وقد عثر في هذه القبور على «تربة حسينية»، وقد تم نشر أربع من هذه الترب التي نقش عليها أسماء الأئمة الاثني عشر (Kalus 1990, pp. 95 - 98)، (Porter 2002). ويعتقد أن هذه الترب كانت تجلب من مشهد فقد نقش على بعضها جملة «مهر مشهد الخير» (Porter 2002).

الهرمزيون وحلة العبدالصالح

لا يعرف بالتحديد متى هجرت المدينة التي أسسها العيونيون في موقع قلعة البحرين، إلا أنه من المعروف أن هذه المدينة فقدت أهميتها بداية القرن السادس عشر، عندما أحكمت القوات الهرمزية - البرتغالية المتحالفة سيطرتها على جزيرة البحرين وذلك في العام 1521 م. وفي قرابة هذه الفترة بدأ بناء قلعة البحرين وتحولت المنطقة لثكنة عسكرية (Kervran 2005). وتحول سكان المدينة إلى القرى المجاورة، أما السلطة السياسية، والتي يرجح أنها كانت تسكن منطقة جدحفص، فقد بدأت تتحول باتجاه الأطراف الشمالية الغربية لمنطقة جدحفص. هذه المنطقة حالياً، تتداخل مع حدود قرية أخرى تعرف حالياً باسم «حلة العبد الصالح». في هذا الجزء من جزيرة البحرين الكبرى، يرجح أن القيادة الهرمزية قامت ببناء مقر حكمها. يتبع.

العدد 4361 - الجمعة 15 أغسطس 2014م الموافق 19 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً