العدد 4361 - الجمعة 15 أغسطس 2014م الموافق 19 شوال 1435هـ

مسرح البيادر: بين المسموح والممنوع «أروح لمين»

في آخر مسرحياته بعيد الفطر

ضحك متواصل، حضور جماهيري، خفة ظل، نقد اجتماعي ساخر، وحتى سياسي أحياناً، معادلة فنية بدأ مسرح البيادر يتقنها مسرحيةً بعد أخرى خصوصاً في ظل بحث الناس عن وسيلة تعبر بها عن ذاتها في ظل المراوحة بين المسموح والممنوع.

في مسرحية «أروح لمين» التي عرضها مسرح البيادر خلال أيام عيد الفطر المبارك، تبدأ المسرحية بخروج مجموعة من شباب البيادر من وسط الجمهور كاسرين حاجز الوهم والتمثيل وهم متلثمون ويحملون لافتات كتب عليها (أريد بيتاً.. نبي بيت) بصيغ مختلفة، بالفصحى والعامية، ما يلخص مظاهرة سريعة في مواجهة أزمة المواطنين مع وزارة الإسكان بأغنية من أغاني الراب الجميلة التي تقول (إذا على الزواج نويت خذ لك وحده عندها بيت) في إيقاع سريع وبموسيقى صاخبة ساخرة.

وتحكي المسرحية مأساة مواطن في ظل أزمة السكن ومتطلبات الزواج، والتي قدمها الممثل احمد شريف بإيقاع سريع، والذي ظل حائراً ما بين إجراءات وزارة الإسكان وإصرار عمه الممثل المبدع محمد حسن على ضمان حياة مناسبة لبنته ومسكن يليق بها، فلا يدري شريف لمن يلجأ في هذه المتاهة التي ترميه الحياة فيها، هل يلجأ لأخيه مخرج المسرحية والدينمو الذي لا يكلّ ولا يملّ عادل الجوهر الذي يقضي حياته بالسخرية والتهكم غير مبالٍ بالهموم رغم قسوتها عليه هو الآخر، أم يلجأ بطلنا شريف للنواب أم لغيرهم أم للشارع لحل مشكلته وتخليصه من هذه المأساة المحدقة به. وخصوصاً حين يكتشف أنه وبعد التعب في المشاوير (والروحات والجيات) لوزارة الإسكان والمناقشات الطويلة مع موظفيها أنه لا يستحق بيتاً؛ لخطأ في تصنيف حالته كمالك لسكن ورثه من أبيه، أو لخطأ في توصيف حجم بيته الضيق والآيل للسقوط. ورغم حله لكل الأخطاء التي جرّت عليه ما جرّت من تعب ومشاوير ومدة انتظار طويلة، وإذا به يجد نفسه أن عليه أن ينتظر من جديد، وكأنه لم تمر عليه فترة الاستحقاق الطويل.

سارت المسرحية بإيقاع سريع، وخفة ظل ممثلي البيادر، الذين أتقنوا اقتناص الضحكات من الجمهور الحاشد الذي ملأ الصالة الثقافية في الثمانية عروض الجماهيرية التي عبّرت عن الناس خير تعبير في مآسيهم سواء مع وزارة الإسكان أو مع النواب الذين ليس في يدهم أي شيء. ورغم الضحك المتواصل الذي استلّه الممثلون من الجمهور إلا أن الأخير ما كان يضحك سوى على مأساته ممثلاً للضحك الأسود الذي هو ضحك كالبكاء. فحين لا يكون لديك من أحد تستطيع أن تلجأ إليه لتقدم شكواك فليس لديك إلا أن تقف متسائلاً «أروح لمين» ولن يكون لديك شيء سوى الضحك الذي يعبر في أشد حالاته عن البكاء العميق، ولن يكون لديك من وسيلة تشكو فيها هذه الحالة سوى منصة المسرح.

منذ البداية تضعنا المسرحية في لبّ المأساة وبصيغة فيها من التحدي الكثير، فخروج جوقة الممثلين متلثمين وهم حاملون اللافتات على إيقاع أغنية الراب السريعة هي حالة تحمل من ضمن ما تحمل استنكاراً على وجود هذه الظاهرة واستمرارها (انتظار بيوت الإسكان) التي تجرّ وراءها طوابير كبيرة وسنين كثيرة ومآسي وفيرة، ما يجعل الناس منها في هذا البلد في حيرة.

توظيف المخرج لكسر الحاجز بين الجمهور والممثلين يجعل المسرحية تقوم بوظيفة تحذيرية أو تنبؤية ملخصها أن الوضع إذا استمر على ما هو عليه فإن هذه الصورة من الاستغناء عن ممثلي الشعب واليأس من كل الأطراف والتظاهر في الشارع حالة قادمة لا محالة ليس ممن تعوّدوا على التظاهر بل حتى من الشارع الآخر الذي هو يغلي من الداخل، بينما نحسبه ويحسبه الكثيرون صامتاً راضياً كل الرضا.

ولعل ما تحمله المسرحية بهذه الصيغة أن الهم واحد لدى المواطن، وأن هموم الناس توحدهم دائماً فالقضايا واحدة ولا يغرّنا محاولة البعض تقديم صورة مجتزأة عن المواطن هنا أو هناك فإن الجميع في مركب واحد، والكارثة إذا جاءت فإنها لن تستثني أحداً .

عنوان المسرحية «أروح لمين» صيغة استفهام إذا جاءت على لسان المواطن فإنها تلخص حاله وتختصر مأساته وتحمل حالة من اليأس من أكثر من جهة، يأس من طول الانتظار، يأس من وزارة الإسكان وبالتالي من الوزراء، ومن غيرهم وكذلك من النواب وهو ما ركزت عليه المسرحية وأتقنه كل من البسام وجوهر ومحمد حسن في تقديم شخصيات متنوعة ومختلفة في ملامحها ولهجاتها. ولم يكن هذا التقليد الساخر سوى مدخل لتقديم نقدٍ لاذعٍ لطريقة تعاطي النواب مع ناخبيهم خصوصاً بعد فوزهم بالمناصب النيابية وتطنيش بعضهم للناس راصدين المفارقة بين ما قبل الفوز وما بعده في شيء من التهكم والسخرية متتبعين بعض اللوازم اللغوية لبعض النواب ومقلدين نماذج من المواقف المضحكة التي شاعت بين الناس.

العدد 4361 - الجمعة 15 أغسطس 2014م الموافق 19 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً