في ظل الصبغة المحافظة التي يكتسي بها المجتمع البحريني، لم يعد من الغريب أن نرى انتشار مراكز وهيئات متخصصة في التعليم الديني والصلاة داخل القرى والمناطق البحرينية المختلفة.
فالبعض يرى في مثل هذه المراكز فرصة لاحتواء أبناء المجتمع وتلقينهم أصول الدين بصورة محببة تقيهم وأهليهم شر الضياع.
ولم تكن البحرين بعيدة عن التعلم الديني أبداً، فقد أسست منذ دخول الإسلام مساجد ومنارات علمية رائدة كمسجد الخميس مثلاً، والذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الأول الهجري.
ولحق بالمسجد مدرسة كانت تقوم بدور كبير في نشر التعاليم الإسلامية والدنيوية، حيث يقوم بالتدريس فيها كبار العلماء، ويدرس فيها طلاب العلم من البحرين والمنطقة المجاورة أيضاً.
«المعلم» أساس التعليم الديني في البحرين
إلى جانب ذلك، كان لدى أهل البحرين منذ القدم وعي خاص بضرورة التعلم، الذي اقتصر آنذاك على الذهاب إلى «المعلم» لتعلم القرآن.
ويقول الحاج علي بن كاظم، وهو رجل تلقى تعليمه الأساسي لدى الملا يوسف: «إن الملا كان يعلمنا القرآن الكريم بالإضافة لمبادئ القراءة والكتابة»، ويضيف «قديماً وعندما يصل عمر الطفل إلى السادسة أو السابعة ترغب عائلته بإلحاقه في أحد الكتاتيب أو ما يسمى بالمعلم ليتعلم قراءة القرآن، ويجيد دروس القراءة والكتابة».
ويستذكر قائلاً: «إذا أخللت يوماً بواجباتي أو تأخرت في الدراسة كان الملا يوسف رحمه الله يقوم بضربي ضرباً مبرحاً أو يقوم بحبسي، كما كان الأهل آنذاك يؤيدون طريقة الملا في تأديبنا، ويرون أنه دائماً على حق وأنه أعلم بمصلحتنا... وإحنا نستاهل الضرب».
وأضاف أن «الفتى يكون مدللاً فقط في بداية تسجيله، حيث يوليه الملا اهتماماً خاصاً وعناية حتى يلحقه بباقي زملائه في الدرس، كما يسترعي الولد الجديد انتباه الدارسين فيعملون على مساعدته وتدريبه حتى يحفظ الآيات».
إلى ذلك، يخبرنا بأنه يفرح حين يرى اليوم حفيداته يتعلمن القرآن لدى معلمة، فهذه المهنة بحسب رأيه في طريقها للاندثار، فبعدما كانت تضج القرى بأعداد المعلمين لا نرى اليوم سوى معلمة أو اثنتين على الأكثر في كل قرية، وأغلبهن كبار في السن.
والتقينا معلمة قرآن لا تزال تمارس عملها بروح جميلة، فتقول: «لقد ورثت هذه المهنة من والدتي رحمها الله، كنا نعلم الصبية والبنات القرآن والتجويد حسب أصوله، لكن اليوم الطلب شحيح على التعلم لدينا، فالأمهات يفضلن تسجيل أطفالهن في مراكز القرآن الحديثة، ونحن لم نعد نعلّم أكثر من 5 أطفال في العام، إذا صح التعبير».
وترى أن التعليم في «المعلم» يركز بداية على تعليم نطق الحروف الأبجدية بحركاتها المختلفة، وكتابتها بطريقة جماعية تساعد على الحفظ، ثم الدخول في البسملة (بي كسر بي - سين ساكن بس – ميم كسر مي بسم – ألف لام شده خنجري لام الل – ها كسر هي الله – ألف لام شده نصب الر الر – حا ساكن الرح – ميم خنجري مي الرحم – نون كسر ني الرحمن – ألف لام شده نصب الر الر- حاء كسر حي الرح – ياء ساكن الرحي- ميم كسر مي الرحيم)، فتجمع البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم)، وهذه كيفية تهجئة الحروف المكونة لآية البسملة.
وقالت: «كما أن وظيفتنا إلى جانب تعليم القرآن كانت تقوم على صقل أخلاقيات الصغار وشخصياتهم، وتعليمهم الاعتماد على النفس وتعزيز الإيمان الصحيح فيهم».
في حين يذكر موقع سنوات الجريش، أنه «كان هناك شروط لقبول الطالب في المعلم، وأن تتوافر فيهم خصال أبرزها الأمانة والشرف، الأخلاق والانتظام. حتى وإن جاءهم متعلم متحول من معلمة سابقة للتعلم لديهن، يشترط تزكيته من قبل المعلمة الأولى بأن تشهد له بالخصال الحميدة وبحسن السيرة والسلوك حتى ينضم إلى صفوفهم، كل ذلك حرصًا من المعلمة على سلامتها وسلامة وليداتها (أي طالباتها) من الانحراف. وهناك وقتان للتعليم في اليوم، الفترة الصباحية يبدأ دوامها من الصباح الباكر حتى أذان الظهر، والفترة المسائية ويبدأ دوامها من بعد وجبة الغداء حتى أذان المغرب، في حين تخصص المعلمة جزءاً واسعاً وبارزاً من البيت للتعليم مفتوحاً ومظللاً، بالصيف وبالشتاء داخل (الحوش) لحماية الوليدات».
اما عن طريقة التعليم، فتعتمد على أن «يحضر كل متعلم معه كتاب جزء عمّ أو القرآن، يشتريه من بعض المكتبات المحلية أو من المنامة، وتوفر بعض المعلمات أجزاء لبيعها على المتعلمين، وذلك لتسهيل الأمر، يفصل بحجم الجزء أو القرآن كيس قماشي بطرفه خيط متين للربط ولحفظه بعد الاستخدام، وذلك صوناً وتقديراً لهذا الكتاب المقدّس».
تحفيظ القرآن للأطفال... ضرورة مُلحَّة
وبعد أن مضت السنون، وأصبح التعليم الرسمي أساسياً في المدارس، تحول التعليم الديني إلى وجهة ثانوية يقصدها البعض وليس الكل، اقتصرت في مراكز وهيئات أهلية على غالبية، لكنها تلعب دوراً كبيراً في المجتمع.
لهذا ترى منى حسن أن «المراكز الدينية هي الساعد الأيمن للأهالي في منطقتها، خصوصاً وأنه من واجب كل أب وأم تربية أبنائهم تربية سليمة يكونوا قادرين من خلالها على التفريق بين الحلال والحرام، والالتزام بأوامر الله والتعامل بالخُلق الحسن».
مضيفة أن «هذه الصفات لن تتعزز بأبنائهم إلا من خلال تحفيظهم القرآن والمواظبة على غرسه في قلوبهم قبل عقولهم، ولكنهم في الغالب غير قادرين على القراءة بالأسلوب الصحيح مما يجعلهم يذهبون بأبنائهم للشيوخ في المساجد أو في المراكز الخاصة لتدريسهم بالطرق السليمة»، مؤكدة أن «هذا الشيء مهم علينا كمسلمين أن لا نهمله».
أما زينب مهدي (تعمل في مدرسة القرآن)، ترى أن «مراكز تعليم القرآن لا تقتصر برامجها على تحفيظ آيات الذكر للطلاب فقط، بل تشمل التجويد والتلاوة، إضافة لتعليمهم أخلاق القرآن التي يجب على الإنسان المسلم التحلي بها»، فالقرآن بحسب قولها هو «الطريق الذي يؤدي للصواب».
وتضيف أن لديهم في مدرسة القرآن، عدة برامج أهمها مشروع العهد وهو مخصص للكبار، ومشروع مواهب الرحمة موجّه للأطفال إلى جانب صفوف الصغار المعتادة، مشيرة إلى أن «أعداد الطلبة المقبلين على برامج تحفيظ القرآن في ازدياد كبير... ولله الحمد».
مراكز تعليم الصلاة... خطوة إيجابية
وفي نفس السياق، قامت بعض المراكز بتخصيص حلقات خاصة بتعليم الصلاة، حيث يؤكد عبدالله حسن (معلم صلاة في أحد المراكز)، أنهم بداية وقبل تعليم الصغار كيفية الصلاة، يعززوا فيهم الجوانب الروحية كي تهفو قلوبهم لإقامتها إيماناً وليس تأديتها كفرض واجب فقط.
وأضاف أنه كل ما أتى لهم تلميذ جديد لقنوه نصيحة مفادها بأن «إعلم يا بني أن الله عز وجل ورسوله (ص) لا يرضون عنّا حتى نأتي بالصلاة وهي مفتاح العبادة»، حيث إن أعظم صور تأديب الأبناء هو تعليمهم الصلاة وغرس محبتها في قلوبهم، لأنها الشعيرة العظيمة التي أسماها الرسول (ص) نوراً وجعلها للدين عماداً، وهي الصلة التي تربط بين العبد وخالقه، كيف لا وهي محطات للخلوة بالإله العظيم ومناجاته وتعظيمه.
من جانبها، تخبرنا هاشمية السيد هاشم (مسئولة لجنة الزهرات في مأتم سفينة النجاة بالسنابس)، أنهم قد خصصوا برامجاً لتعليم الصغار، إضافة للأمور الأساسية في الدين كالدروس العقائدية، وتضيف «بدأ مشروع تعليم الصغار منذ سنوات طويلة في قرية السنابس لتكوين جيل مؤمن». ولقد شهد المشروع إقبالاً كبيراً، خصوصاً وأن البرامج لا تستهدف الأطفال فقط بل تشمل الكبار أيضاً.
اتجاه آخر...
وبالرغم من أهمية تعليم أساسيات الدين للأفراد من فروض وواجبات، يرى علي محمد أنه من واجب مراكز التعليم الديني في القرى غرس مفاهيم التعددية الشاملة مثل الاختلاف في العرق والدين، الثقافة والرأي، بالإضافة إلى ترسيخ قيم العمل العصرية وحقوق الإنسان والإيمان بالإنسانية، حيث إن الإنسان كلما ارتقى علمياً وثقافياً (معاً) كلما كان أقرب للانتماء للإنسانية في ذات وقت انتمائه لروابطه الأخرى.
ولا ننسى ضرورة تعليم أبنائنا كيفية العيش المشترك، والذي يعنى بتعميق ثقافة المواطنة، الذي هو بمثابة تأسيس ركيزة العيش المشترك بل وركيزة ثقافة السلام المجتمعي.
العدد 4361 - الجمعة 15 أغسطس 2014م الموافق 19 شوال 1435هـ