خلال الثلاثة أعوام الماضية، ومنذ حدثت ثورة 25 يناير، قمت بثلاث زيارات لأرض الكنانة، والتقيت خلالها جميعاً، بمثقفين وناشطين سياسيين، ومهتمين بالشأن العام.
في الزيارة الأولى، كان الناس مشغولين بنتائج ما اعتبروه في حينه الثورة، والتحول الكبير. وكانت مصر حينها، في الفترة الانتقالية، تدار من قبل المجلس العسكري الأعلى. كان الجميع منشغلاً بالحديث عن الانتخابات البرلمانية وتعيين أعضاء مجلس الشورى، والانتخابات الرئاسية، وإعداد الدستور، متصورين أن مصر، على أعتاب الانتقال للحكم الديمقراطي، وبناء الدولة المدنية.
لم يدر في خلد أحد ممن تحشدوا في ميدان التحرير، والميادين الأخرى بالمدن المصرية، أن جماعة الإخوان سوف تتمكن من اختطاف الثورة. وكنت حينها، أرى أن ما حدث، رغم كل التضحيات، لا يتعدى الحركة الاحتجاجية، وأن شروط التحول الاجتماعي لم تبلغ بعد حد توصيف ما جرى بالثورة، ولم تكن هذه القراءة تسعد كثيراً من أصدقائنا المصريين.
في الزيارة الثانية، وقد أخذت مكانها قبل شهر من الإطاحة بالرئيس مرسى، كانت الأجواء قاتمة وكئيبة. فقد سيطرت جماعة الإخوان على جميع مفاصل الدولة، وعملت بقوة ودون كلل، على أخونة الدولة والمجتمع. وكان كثير من المثقفين، يتطلعون إلى موجة ثانية، من موجات الثورة، تعيد لمصر وجهها العربي، وتحول دون تحولها إلى قلعة من قلاع التخلف.
في الزيارة الأخيرة، استكملت معظم بنود خريطة الطريق التي أعلن عنها، بعد الإطاحة بالرئيس مرسي، ولم يتبق منها سوى إجراء الانتخابات النيابية، وتأسيس مجلس شعب جديد، يمثل السلطة التشريعية.
لأول وهلة، ومنذ وطأت قدماي مطار القاهرة الدولي، بدت البلاد تعج بالحركة. فقد بدأت أرض الكنانة تستعيد عافيتها بقوة. فموسم السياحة هذا العام هو موسم ناجح بكل المقاييس، إذا ما قورن بالسنوات العجاف التي مضت منذ ما عرف بالربيع العربي. والصحف المصرية، تحمل كل يوم، ما يشير إلى أن بوابات أمل كثيرة تفتح وأن البلاد تستعد بقوة لاستكمال البناء السياسي والاقتصادي. فالمصريون الآن منشغلون كثيراً بالحديث عن قناة السويس الموازية، ويرون فيها دليلاً أكيداً على أن حقبة البناء والتنمية تسير على السكة الصحيحة. ويتوقعون أن تشهد الأيام والشهور القادمة الإعلان عن مشاريع تنموية أخرى جبارة.
وفي هذا الاتجاه يجادل كثير من المثقفين والمفكرين المصريين في أن نجاح عملية التنمية المصرية رهن قدرة البلاد على الخروج من عزلتها، مؤكدين أن هذه العزلة قد تسببت في تراجع دور مصر في العقود الأخيرة. لقد أكد التاريخ المصري، منذ عهد محمد علي باشا حتى يومنا هذا، أن مصر المنعزلة والمنكفئة على ذاتها، مآلها الحتمي الانهيار والفناء، وأن مصر حين تخرج من دائرة حدودها الضيقة إلى عمقها الاستراتيجي بدوائره الثلاث، العربي والأفريقي والإسلامي، فإنها لا تؤكد حضورها السياسي فحسب ولكنها أيضاً تكون قادرة على النهوض بذاتها على كل الأصعدة.
وعلى هذا الأساس ينظر بارتياح إلى تطور علاقة مصر بالبلدان العربية. وقد برز ذلك بشكل خاص بالدور الذي تلعبه القيادة المصرية الآن من أجل حماية الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة والذي يتعرض لهجمة وحشية وحملة إبادة من قبل الكيان الصهيوني الغاصب.
إن القيادة المصرية، وهي تعمل على إنقاذ الشعب الفلسطيني، تمارس عملاً أخلاقياً ووطنياً وقومياً، ومن خلاله تستعيد دورها القومي والإنساني الذي من شأنه أن يعزز مكانتها السياسية على مستوى الأمة العربية جمعاء.
في ظل هذه التطورات، ينشغل المصريون أيضاً بأمور أخرى لا تقل أهميةً عن القضايا التي أشرنا إليها، وعلى رأس هذه الأمور الهاجس الأمني والقضاء على الإرهاب، الذي استفحل مباشرةً بعد الإطاحة بنظام مرسي والإخوان. ويضاف إلى ذلك أن مصر تتهيأ هذه الأيام لاستكمال خريطة الطريق بإجراء الانتخابات البرلمانية .
فيما يتعلق باستعادة الأمن والقضاء على الإرهاب، قطعت الأجهزة الأمنية والقوات المصرية شوطاً كبيراً على هذا الطريق، لكنه لايزال طويلاً وصعباً، ففلول الإخوان المسلمين لاتزال تعمل على تعكير الأمن والاستقرار، وأعمال الإرهاب ومحاولة تفجير وتخريب المؤسسات وترويع الآمنين لاتزال مستمرة، وإن لوحظ تراجع نسبتها. وفي سيناء لاتزال بؤر الإرهاب موجودةً في أماكن عديدة، بما يستدعي استمرار المواجهات والقتال من قبل الجيش المصري والمؤسسات الأمنية للقضاء عليها.
إن معالجة الأوضاع الأمنية والقضاء على الإرهاب من وجهة نظر كثير من المثقفين المصريين، لن تكون ناجحة باستخدام الوسائل الأمنية فحسب، بل لابد من تزامنها مع التسريع في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إن من يطرحون هذه الرؤية، يستدلون عليها بتجربة الرئيس جمال عبد الناصر. لقد تمكن الرئيس عبد الناصر من هزيمة الإخوان المسلمين، بالإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين، وبالتصنيع وتحقيق التنمية وتأميم القناة وتحقيق مجانية التعليم والعلاج وتأمين السكن، وبمد شبكة مواصلات واسعة لكل الأراضي المصرية، وتحسين دخل الفرد ومضاعفة معدلات الإنتاج، وتبني سياسة وطنية مستقلة.
إن استعادة هذه الروح بما يتسق مع اللحظة الراهنة والزجّ بالشعب المصري كله وتحفيز قدراته في المواجهات الوطنية الكبرى للإرهاب، هو الذي سيتكفل بإلحاق الهزيمة الماحقة به بكل تشعباته.
ومن هنا ينتظر المصريون بفارغ الصبر تشكيل مجلس الشعب القادم. فعلى الرغم من أن موعد الانتخابات النيابية لم يتحدّد بعد، ولم تنجز بعد خريطة الدوائر الانتخابية، فإن القوى والأحزاب السياسية تتهيأ منذ الآن للدخول في تحالفات وتشكيل كتل سياسية لضمان حضور قوي في تلك الانتخابات.
الأمل كبير بأن تعبر مصر جسر الخوف واليأس، إلى مرحلة جديدة ينتصر فيها الأمل، وتستعيد بها مصر دورها العربي، الدور الذي أسهمت في صناعته منذ قديم الزمان حقائق الجغرافيا والتاريخ.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 4360 - الخميس 14 أغسطس 2014م الموافق 18 شوال 1435هـ
المصريين
المصريون أخذوا ارزاقنا ةاستغلوا الوضع البحريني لنهب قوتنا ولم يكتفوا بل حتى عوائلهم تم جلبهم لمزاحمتنا في قوت يومنا ما ذنبنا نحن الكل ينهش من لحمنا الجالية المصرية في البحرين خطر قادم يطمعون في الجنسية بعد الوظيفة هذا ما نشاهده في الواقع