تابعنا خلال شهر يوليو/ تموز 2014 ظاهرتين لافتتين للنظر، هما انتصار المقاومة الفلسطينية في غزة ضد الجيش الإسرائيلي «الذي لا يقهر»، أو على الأقل قدرة الردع والرد من قبل المقاومة الفلسطينية في الحرب العدوانية الإسرائيلية ضد غزة، رغم التفاوت الكبير في العدة والعدد والعتاد، والعمق الاستراتيجي الجغرافي والعسكري والسياسي لكلٍّ منهما.
يصنّف الجيش الإسرائيلي على أنه رابع جيش في العالم من حيث القدرات العسكرية، ويمتلك أحدث ما في تكنولوجيا الحرب، وخاض عدة حروب ناجحة، وعمقه فلسطين المحتلة كلها، ويحظى بدعم وإسناد من قبل الولايات المتحدة التي أمدته بالأسلحة والذخائر من مخزونها الاستراتيجي ودعم استخباراتي وسياسي، ليس من قبل أميركا وحدها بل الغرب كله، الذي عطل الآليات الدولية لمحاسبة «إسرائيل» وأهمها مجلس الأمن والأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك التكتلات الدولية وأهمها الاتحاد الأوروبي.
في المقابل فإن المقاومة الفلسطينية تقاتل في شريط ضيق ومحاصر من البر والبحر، ومن العدو والصديق، فيما يشبه علبة السردين، يسكنها 1.8 مليون من البشر يتكدسون في مبانٍ تفتقر إلى الملاجئ. أما قوة المقاومة فهي لا تتعدى الآلاف، بسبب ضروريات السرية، والخلافات ما بين الفصائل، وافتقارها إلى الموارد فيما يقتصر تسليحها على صواريخ قصيرة المدى جرى تجميعها محلياً، ومدافع هاون، وأسلحة رشاشة، وباستثناء ما يجرى تصنيعه محلياً، هناك حصار مضروب على القطاع لا يسمح بإدخال أسلحة بل يقنن الأدوية والأغذية.
بعد شهر من القتال طلب العدو من حليفته أميركا أن تسعى لدى صديقتها مصر لإبرام تهدئة تمهد لوقف لإطلاق النار، وهو خلاف الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، في فرض وقف إطلاق النار في حروبها مع العرب وبشروطها، مع إمكانية خرقها في أي وقت وتفسيرها لصالحها، وذلك بعد إلحاق الهزيمة بخصمها واحتلال أراضيه. حدث هذا في حروبها في 1948 ضد الجيوش العربية، وفي حرب 1967 ضد الدول المجاورة لفلسطين وفي حرب أكتوبر 1973 بعد إحداثها للثغرة ومحاصرة الجيش الثالث المصري واستعادتها للجولان السوري بدعم أميركي حاسم، وفي حروبها المتكررة ضد لبنان في السبعينيات والثمانينيات.
مرةً أخرى تخوض «إسرائيل» حرباً ضد المقاومة الفلسطينية في غزة، بعدما خاضت حرباً ضد المقاومة اللبنانية اضطرتها إلى الجلاء عن كامل لبنان في 2000 ثم حرب أخرى في 2006، لحقت بها هزيمة عسكرية واضحة رغم الدمار الهائل الذي ألحقته بلبنان. في حروبها ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية، انتقل ميدان المعركة إلى «إسرائيل» (فلسطين المحتلة)، حيث طالت صواريخ المقاومة معظم مدنها، وحلقت طائرات المقاومة من دون طيار فوق أراضيها. وفي الحرب الأخيرة، استطاعت المقاومة أن تفاجئ العدو بشبكة أنفاق تحت الأرض تصل إلى المستوطنات الإسرائيلية على حدود غزة مثل ناحوم عوز حيث اقتحمها الفدائيون؛ وكذلك الاشتباك بالعدو خلف الحدود، وإنزال بحري ضد قاعدة بحرية قرب عسقلان، وبالطبع الصواريخ المتطورة والطائرات من دون طيار، والأهم جسارة الفدائيين وكفاءتهم العسكرية، بحيث استطاعوا في المواجهات مع العدو أن يلحقوا به خسائر بشرية ويأخذوا أسرى عمد الجيش الإسرائيلي الى قصفهم وتحوّلوا إلى جثث بيد المقاومة. كما أن كمّ البشر المحشور في شريط غزة، ورغم الخسائر الجسيمة التي لحقت بهم من شهداء وجرحى وتدمير هائل يشبه الدمار المترتب على قنبلة نووية، لم يحدث شقاقاً، بل هناك إصرار من الشعب على المضي بالقتال ودعم المقاومة حتى تحقيق شروطها.
تجري هذه الحرب حيث تحظى «إسرائيل» بدعم رسمي من المجتمع الدولي أو تخاذل بعضه بمن فيهم العرب، ولكن في ظل تأييد للشعوب وقواها الحية، بما في ذلك الشعوب الغربية، حيث تجتاح المظاهرات التي لا سابق لها عدداً من عواصم ومدن العالم، ما دفع الوزيرة البريطانية سعيدة وارسي للاستقالة وإحراج حكومة ديفيد كاميرون، وإشهار الموقف المعادي لـ «إسرائيل» وحربها العدوانية وتأييد الشعب الفلسطيني في غزة والمقاومة من قبل النخب الغربية من فنانين ومثقفين وأكاديميين وسياسيين وقادة مجتمع مدني، وهي سابقةٌ في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
وفي هذه المرة تفوّق الفلسطينيون وأصدقاؤهم في الفضاء الإلكتروني والإعلامي، وبالطبع الأخلاقي، إذ استهدفوا قوات العدو الذي استهدف المدنيين ومنازلهم والمرافق العامة من محطات كهرباء وماء ومستشفيات ومدارس.
في مقابل هذه الصورة، يتابع العرب والعالم بذهول «الانتصارات الكاسحة» لجيش الدولة الإسلامية (داعش) في سورية والعراق وكردستان العراق، واكتساحه لمساحات واسعة من مدن كبرى مثل الموصل وتكريت والحسكة ودير الزور وقواعد عسكرية مهمة، بل إن قواته تقاتل في غوطة دمشق وغربي بغداد وقرب أربيل.
هذا الجيش الظلامي، المشكّل من غلاة التكفيريين، حصل على معظم تسليحه مما استولى عليه من قواعد ومعسكرات في سورية والعراق، وتمويله من بنوك الدولة والخاصة التي استولى عليها في المدن التي اكتسحها، ولاشك أن هناك علامات استفهام كبيرة بشأن الصعود السريع لداعش، ما يستوجب تحليله من قبل أخصائيين، وهو ما يتم أساساً من قبل مراكز البحوث الغربية.
لكن الوجه الآخر لانتصارات جيش داعش، رغم وحشيتها وانحطاطها باستهداف المدنيين من مسلمين ومسيحيين وأقليات دينية وعرقية أخرى، هو الهزائم المنكرة للجيوش الثلاثة (السوري والعراقي والكردي)، بل الاستسلام المخزي لعشرات الآلاف من قوات الجيش العراقي دون قتال، وانسحابات عشوائية للقوات السورية والعراقية والكردية، في وجه هجمات «داعش»، بحيث لم تكن هناك معارك حقيقية.
على ماذا يدل ذلك؟ هناك دلالات عديدة، ومنها ما ذكره الزميل سعيد محمد في مقالته «الجيش العربي وين؟» في «الوسط» (9 أغسطس 2014)، ومن أهمها العقيدة العسكرية للجيوش العربية وكذلك قوات البيشمركة، وهو أن عدوها في الداخل، أي الشعب والمعارضة، وليس العدو الخارجي «إسرائيل» أو غيرها.
وعلى ذلك تترتب أمور عديدة تدخل في صلب تركيبة هذه الجيوش وإعدادها، وانتشارها واحترافيتها. إن العقيدة العسكرية للجيوش العربية هي المحافظة على النظام الحاكم، وبالطبع يتبدل هذا النظام الحاكم في ضوء الانقلابات وغيرها. والنظام الحاكم ليس هو الدولة الوطنية المستقرة، التي لا تتأثر بتغير في الحزب أو الائتلاف الحاكم كما في الدول الديمقراطية، بل النظام العربي الحاكم هو مجموعة ائتلاف مصالح ذاتية لأسر حاكمة وحلفائها، أو مجموعة الحكم من الحزب الحاكم أو تحالف طائفي سياسي اقتصادي اجتماعي يحتكر السلطة والثروة، وقد أضحت ركيزته في الأنظمة الجمهورية العربية أسرة مثل مبارك وزين والقذافي وصالح... والحبل على الجرار. ولحماية هذه الأسر الحاكمة الملكية والجمهورية، فإنه لا يكفى تأمين أجهزة الأمن والمخابرات بل لابد من ضمان القوات المسلحة عقيدةً وتركيباً ومهماتٍ لحماية الأنظمة.
ويتم التحكم في بنية القوات المسلحة من خلال كبار الضباط والأركان، حيث ينحدرون من الأسر وأصهارها وحلفائها في السياسة والبزنس والمصاهرة. وهؤلاء في معظمهم ليسوا بأحسن الكفاءات؛ فالولاء هو الأساس، ثم أن التوجه ليس لبناء قوات ذات قدرة هجومية، وإنما المهم وجود قوات برية متمركزة داخل المدن الكبرى وخصوصاً العاصمة، لمواجهة أي تحرك شعبي ضد النظام. وبالفعل فقد استنفرت هذه القوات وخاضت قتالاً طويلاً أو سريعاً ضد خصوم النظام كما جرى في عدة بلدان عربية من المحيط إلى الخليج. وحتى في هذه الهمة فشلت هذه الجيوش أحياناً وتفكّكت سريعاً بفعل الطابع اللامبدئي للتجنيد والترقية، كما حدث في ليبيا ويحدث إلى حدٍّ ما في اليمن والسودان، رغم أنها تواجه قوات غير نظامية أضعف منها عدةً وعدداً.
هذا وغيره هو ما يفسّر التراجع السريع لقوات جيشي سورية والعراق العقائديين وقوات البيشمركة التي أطنب الحديث في قدراتها الخارقة. إنها جيوش لا تتبنى عقيدة وطنية، وتركيبتها ليست وطنية شاملة، وقياداتها ليست كفوءة. علينا اليوم أن نقف وقفه صدق، فالهزائم والانتصارات ليست صدفة وليست قدراً.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4358 - الثلثاء 12 أغسطس 2014م الموافق 16 شوال 1435هـ
اللهم
اللهم اهلك كل ظالم ظلم الناس واهلك امريكا عدوة الشعوب واهلك داعش واتباعه واهلك اسرائيل وحلفائها من الغرب والعرب يارب العالمين اللهم خلص شعب البحرين من الظلم يارب العالمين وفرج عن معتقلينا ورموزنا وارحم شهدائنا
انتصرت المقاومه لان
بعدما اصبحت ايران ملكيه اكثر من الملك او عربيه اكثر من العرب اخذت دور العرب وشدة طهر الفلسطنيين في تشكيل المفاومه لهذا السبب اخذوا الفلسطنيون يتنفسون هواء نقي بعيدا عن النفاق السياسي
كلام فاضي
استخدم العقل يا هذا و اترك عنك العواطف التي ضيعتنا
!
تفضل واخبرنا عن كلام العقل حتى نستفيد.
عبير
باختصار شديد ..
لأن المقاومة من أجل العزة والكرامة. بينما الجيوش من أجل قبض الراتب (أكل عيش يعني)
لأن المقاومة تحارب البغي والظلم والعدوان. بينما الجيوش العربية تحارب شعوبها المتطلعة للحرية والعدالة والشرف.
مقالات اليوم تبدأ ب لماذا
السبب اثنان: البيروقراطية: الجندي يرسل كتاب الي امر الفصيلة و هو بدوره يرفع كتابا لأمر اللواء و هو يرفع الخطاب بعد التوقيع عليه و كتابة كلمة مستعجل لرئاسة الأركان النائمة ولا يوقظها احد. عند اطلاع رئاسة الأركان علي الرسالة يكون العدو متقدما و الوضع متغيرا. الكفاءة: هذا ليس منظورا في بيروقراطية الدول. المهم الولاء
فكر العسكر
مما لا شك فيه فإن الأنظمة العربية حريصة على توفير سواعد تدافع عن فكرها وتوجهها ضد الشعوب التى تطمح للديمقراطية والكرامة لذا تنتصر المقاومات هنا وهناك عليها لان ثوابتها وفكرها اكثر ولاء