يومياً تأتينا صورٌ من ليبيا تُنسِي لاحقتها سابقتها لما فيها من ألم. وربما كان أكثر الصور تعبيراً عن حالة غياب الأمن وانحلال الدولة الليبية، هي الصورة التي يظهر فيها رجل وهو يضع طائرة حربية على متن شاحنة كبيرة يقودها بنفسه، ومتوجهاً بها إلى بيته!
ورغم أن تلك الصورة فيها من الطرافة الكثير، إلاَّ أنها تنطوي على حزن لا حد له أيضاً، وهي تعكس الأوضاع المأساوية في تلك الأرض الطاهرة ذات الـ 1.759.541 كيلومتراً مربعاً، وبشعبها ذي الستة/ السبعة ملايين نسمة، ولمستقبلها القاتم في ظل تلك الظروف المفزعة، رغم تاريخها العريق.
عندما قرأنا جميعاً خبراً يقول بأن 90 في المئة من الطائرات الرابضة في مطار طرابلس الدولي قد دُمِّرت نتيجة القتال بين ميليشيات متنافسة (كتائب مصراته المتحالفة مع الإسلاميين ومقاتلين من بلدة الزنتان الغربية التي تسيطر على المطار)، بالإضافة إلى تضرر القاعات وأبراج المراقبة والرادارات، بدا وكأن الأمر مشهد من فيلم هوليودي ليس له علاقة بالواقع.
رئيس وزراء يُختَطَف! برلمان يُقتَحَم ويُطرَد نوابه إلى مدينة طبرق بأقصى شرق ليبيا! وزير دفاع يُقتَل! نواب يُلقَى القبض عليهم من ميليشيات متناحرة! مطار يسيطِر عليه سلاح متخاصم، وميناء نفطي يُسيطر عليه سلاح آخر متنازع مع بعضه! بنوك تُقتَحَم! وسجون مناطقية غير خاضعة للدولة! هذه هي ليبيا اليوم.
قبل يومين، حَلَّت علينا الذكرى الـ 74 لتأسيس الجيش الليبي، الذي أُنشئ في التاسع من أغسطس/ آب العام 1940. سبعة عقود كانت كافيةً لأن يتحوَّل هذا الجيش إلى قوة ذات تراتبية عسكرية صارمة، وذات مؤسسات اقتصادية وأمنية داعمة للدولة، لكن ذلك لم يحصل، بل عادت ليبيا إلى نقطة الصفر، بعد الإطاحة بنظام القذافي قبل ثلاثة أعوام، الذي أماتَ هو الآخر عقيدة الجيش الوطني لصالح صراعات مع العرب وفي خارج الحدود.
كان الجيش الليبي قوياً منذ تأسيسه. بل إنه كان قادراً حتى على ابتلاع عمليات الانقلاب التي حصلت ضد الملكية ما قبل العام 1970، حينما قامت قوة دفاع برقة بقيادة محمود بوقويطين بمحاصرة هيئة الأركان في بنغازي بعد تحركات قائد الجيش الليبي السنوسي اللطويش نحو التمرد. نعم كانت هناك هنَّات ولكن ليس بالشكل الفاقع.
لقد كان الجيش الليبي منذ تأسيسه يرتكز على خبرة وتاريخ طويل من الجهاد وقتال المستعمر الإيطالي. بل إن الأرشيف في روما قد دوَّن 420 معركةً خاضها المجاهدون الليبيون ما بين 1911 و1931 ضد القوات الإيطالية، وقد دوَّنها بصبر خرافي وجهد مشكور خليفة التليسي في معجم معارك الجهاد.
ولو افترضنا أن أصغر مَنْ شارك في الجهاد ضد المستعمر الليبي كان مولوداً في العام 1894، فإنه وخلال فترة التأسيس كان في عمر الـ 46 كقائد عسكري متمرس، وهكذا دواليك حين نحسب المعارك التي تلت العام 1931. بمعنى آخر أن نواة الجيش الليبي كانت صلبة.
اليوم، لا تبدو ليبيا في مستواها العسكري في العام 1940، بل هي حتى غير قادرة على تعريف نفسها على وقع تاريخها الجهادي، الذي قَهَرَ الإيطاليين الفاشيست وقهر غرورهم وعنجهيتهم وقسوتهم التي جَعلها المؤرخون أشد من أي احتلال آخر بما فيه الفرنسي.
المشكلة اليوم في ليبيا هي مركبة ومعقدة، خصوصاً أنها تتعلق بالسلطة. والسلطة تعني النفوذ والثروة، وهما أهم أمرين يصوغان المصالح في هذا الحاضر. وعندما نقول أن المشكلة معقدة ومركبة، مضافاً إليها مسائل النفوذ والثروة، مع التقسيمات المناطقية المتباينة ما بين شرق وغرب وشمال وجنوب وقبائل، فإن الخطر سيتحول إلى عمودي غائر.
بمعنى أن الشعب الليبي داخل في مسألة الاصطفاف القائمة، التي تدفع باتجاه انقسام أكبر. وربما رأينا قبل أيام كيف أن كلاً من العاصمة الليبية طرابلس ومدينة بنغازي، شهدتا مظاهرات داعمة للبرلمان الليبي، في حين خرجت أخرى في ميدان الشهداء بوسط طرابلس لتأكيد معارضة جزء آخر من الليبيين للبرلمان، ولميليشيات القعقاع والصواعق، وهكذا خرجت مظاهرات مماثلة موازية لكنها مؤيدة لمجلس النواب في ميدان الجزائر.
فالمجتمع الليبي هو مجتمع تتحكم فيه القبلية، التي تسيطر عليه من شرقه إلى غربه ستون قبيلة، تتباين أحجامها في العدة والعدد. وقد ذكرت في السابق أن المجتمع القبلي هو مجتمع ينتمي في الأصل إلى مُكونات بنائية خاصة، من حيث طبيعة الانتماء، والعلاقات والسلوك والجزاءات، وبالتالي هو مزيج ما بين مجتمع حديث وآخر تقليدي. لذا، فإن اقترابه من التناقضات السياسية والاجتماعية والحزبية يصبح أمراً حساساً.
آخر ما يخشاه المرء هو أن يصل الليبيون (وربما وصلوا) إلى نقطة الخوف على الذات من الزوال، فيلجأون إلى التمسك بأي شيء للبقاء، بما في ذلك التعويل على الميليشيات. فمع غياب جيش قوي يحمي البلاد والإنجاز ويستظل به جميع الليبيين، تنهار الدولة لتصبح خردة، وينهار معها الشعور الوطني لدى الليبيين ليبحثوا عن مخلِّص.
وربما يستغل البعض ذلك لتقسيم ليبيا إلى دويلات كما كانت في السابق، رغم أن هزيمة الفيدراليين في البرلمان الليبي يعطينا أملاً بصلابة موقف الوحدة في ليبيا أمام فدرلتها، لكن ذلك لا يمنع من أن يقوم البعض باستغلال الموقف الأمني الرخو كي يقيم معادلات تقسيم اجتماعي، تعيد إنتاج مفهوم التقسيم وتقويه لدى المناطق، كي يتعاظم.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4356 - الأحد 10 أغسطس 2014م الموافق 14 شوال 1435هـ
الله المستعان
نحن على ثقة بأن هذا كله لايحدث إلا بحكمة يريدها الله عز وجل. وسيأتي يوم يزدهر ليبيا وتنعم بالأمن والأمان وتتحقق العدالة الإلهية بأن تعيش الدول التي ساهمت في ماحدث في ليبيا نفس ماتعيشه ليبيا الآن ونسأل الله أن يكون هذا عاجلا غير آجل
انشالله
الله يسمع منك وانشالله عن قريب لكل الدول العربية والإسلامية
الله يرحم عمر المختار
قاتل واستشهد لبناء ليبيا ولكنه لايعلم أن هناك من سيأتي خلفه ليدمرها
مقال مفيد
شكرا للكاتب على الإفادة
الفكر المتخلّف اذا حكم دمّر
الفكر السلفي التكفيري اذا توغل في مجتمع فقل عليه السلام فقد حل الدمار والخراب وهذه حقائق نراها على ارض الواقع ما دخل هذا الفكر بلدا الا وجعل ارضه محروقة افغانستان ، الصومال، سوريا، العراق، ليبيا والحبل على الجرّار .
عبير
حتى الطليان لم يتمنوا لليبيا ما يجري فيها.
رد على زائر 5
الطلبان دمروا ليبيا وأعادوها إلى العصور الوسطى وارادوا تقسيمها حتى يرث الله الارض ومن عليها
رد على زائر 8
إذا كان الطليان أرجعوا ليبيا للعصور الوسطى فإن أبناءها الآن يعيدونها للعصور الحجرية و شريعة الغاب. يعني عبير ما كذبت
الفاروق
انها الصومال بنسختها الثانية
شكرا
مثلث المال والسلطة والنفوذ هو ما يدفع هؤلاء المأجورين على العبث بليبيا. شكرا للكاتب على هذا المقال المفيد
تحية للشعب الليبي وتباً لهذه الجماعات المتطرفة
الشعب الليبي شعب كبير في جهاده وخرج علماء كثيرين ومن الظلم ان يحكمه هؤلاء الهمج الرعاع
اين هم
الذين تسميهم شعب لا وجود لهم. الحاكم جعلهم شعوبا و قبائل ليتفرد بهم. هذه هي النتيجة. المهم و الأهم هو. ملك ملوك افريقيا. عميد القادة العرب. مؤلف الكتاب الأخضر. الذي وقف في المؤتمرات و المحافل الدولية ينصح القادة و الرؤساء.
اصل الأزمة
جميع من يصلون الحكم ينشدون الراحة و زهو المقام. لم يفكر احدا منهم في كيفية بناء الامة و الوطن. المهم هو و توريث الحكم لأولاده. القذافي مثال واضح لتصرفات بقية الحكام و ليس النموذج الوحيد