العدد 4355 - السبت 09 أغسطس 2014م الموافق 13 شوال 1435هـ

ثقافة الاختلاف وتقبل الرأي الآخر

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كل منا يملك رأياً وموقفاً، ومن السهل أن ينطلق كل واحد منا برأيه ويفصح عنه بل يدافع عنه بكل ما أوتي من قوة وعناد، ولكن من يكون أوسع صدراً، وأرحب أفقاً في أن ينصت لرأي آخر مخالف بدون انفعال أو عصبية، أو يسمح للطرف المغاير أن يطرح ما يجول في خاطره دون أن يرد عليه بما يجرح، بل يتمادي البعض في استخدام ما يمتلك من قوة في أن يعاقب ويعذب من ينطق فاه بما لا يرتضى عنه.

الرأي تعبير، وهو مجموعة من الأفكار والمفاهيم التي تنم عن مواقف وسلوك ناتجة عن حكم عقلي صادر عن فرد أو جماعة يشتركون في الانتماء أو يرتبطون بمصالح مشتركة اتجاه موقف من المواقف، والرأي حق مقدس لصاحبه أن يفصح عنه دون أن يحوي إساءة أو تجريحاً أو استهزاءً بمعتقد أو دين أو جماعة.

للرأي أساسيات وله جذور بنيت عليها تلك المفاهيم، ربما يكون الرأي ناتجاً عن معتقد أو مجتمع مرتبط بعادات وأعراف، أو خبرات مر بها على الأرض مصدرها الأسرة أو المدرسة أو ارتباط بجماعة لها اتجاهات وميول ومواقف. وقد جُبلت الطبيعة البشرية على أن تتناسق مع من يمثلها ويسير باتجاهها، و تنفر ممن يغايرها، ويرى بعض علماء النفس والباحثين الاجتماعيين أن الإنسان الذي لا يتقبل الرأي المخالف لرأيه وتوجهه، يعاني من خلل نفسي راجع إلى الأنانية وحب الذات والتمحور حول المصلحة الشخصية، فلا يريد إلا أن يطغى رأيه وما يراه، لأنه يعتقد أن رأيه فيه الكفاية، وهو يعاني من طغيان الأنا سواء يمثل فرداً أو جماعة.

الاختلاف سنّةٌ من سنن الطبيعة وسط الجماعات المختلفة والمتعايشة، لكن مجتمعاتنا نشأت على أن الاختلاف يولد الخلاف، لذا فإن جهدنا يصب في ردم الاختلافات والتخوف من بيانها، خشيةً من أن يهب أحد منا ويشار إليه أنه مخالف، وتناسينا أن الاختلاف رحمة وسمة لمدنية الإنسان وتحضره. على أن هذا الاختلاف لا ينبغي أن يأخذ مداه إلى حد الاقتتال أو أن تضيق به السلطة الحاكمة ليتحوّل أصحاب الرأي المعارض لسياستها إلى مقموعين وتبدأ التضييق عليهم في شتى طرق المعيشة والحياة.

أول قصة إنسانية تعود إلى الاختلاف وانتهت بالاقتتال هي ما كانت بين قابيل وهابيل، اللذين تحاكما إلى تقديم القربان، ويشار في روايات التفسير أن هابيل قدّم كبشاً سميناً وهو أفضل ما يملك، في حين قدّم قابيل قمحاً رديئاً وهو أردى محاصيله الزراعية، وقد كسب هابيل الرهان، وأصبح من حقه أن ينتسب للمتقين. ولم يستطع هابيل أن يرد هذه الحقيقة، فكانت ردة فعله أن قال لأخيه «لأقتلنك». هكذا أنهى قابيل بالدم الاختلاف الراجع في أساسه إلى الغيرة والمكابرة، بينما رفض هابيل هذا الخيار بقوله: «لئِنْ بَسَطتَ إِليَّ يدَك لتقتلني ما أَنا بباسطٍ يدِيَ إِليكَ لأَقْتُلك إِنِّي أَخافُ الهَق ربَّ العالمينَ» (المائدة، 28)، لأن فيه تشريعاً لمبدأ التصفية، لتصبح الغلبة للقوة الجسدية، أو تصبح المراهنة على الخيار بين السكوت والرضوخ أو التهديد بالموت، لذا أرسى هابيل قاعدة التعايش مع الاختلاف ونبذ العنف.

الرأي الأوحد وباء يستشري في بعض مؤسساتنا الإعلامية على الرغم من إنها تنادي بأنها منابر للتسامح الفكري، لكنها تجاهر بأنها صاحبة الرأي الأصوب، وما عداها فهو خائنٌ ومارقٌ وعميلٌ ومنافق. هي لا تخجل من ذلك ما دامت تعتقد أن رأيها وطني وما عداه فهو مارق، حرية الرأي -وليس خطابات ومقالات التهريج- من المبادئ الإنسانية العظمى، وهي ثقافة ينبغي على الجميع، حكومةً ومجتمعاً مدنياً، إرساء قواعدها دون الجنوح إلى التعدي والاستهزاء، لبناء مجتمع راق يرى واجهته الحضارية في ثقافة الاختلاف وتقبل الرأي الآخر.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4355 - السبت 09 أغسطس 2014م الموافق 13 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً