العدد 4354 - الجمعة 08 أغسطس 2014م الموافق 12 شوال 1435هـ

ليس دور الكاتب أن يتحوَّل إلى حليمة السعدية!

لا تكون كاتباً جيداً إلا إذا كنت قارئاً جيداً. وحين تكون كاتباً سيئاً فإما أنك لا تقرأ أو أنك تقرأ السيئ من الكتابات. تلك قاعدة لا تحتاج إلى معادلة رياضية لإثباتها. وأفضل الكتّاب أولئك الذين لا يسلّمون ولا يتفقون مع كل ما يقرؤون. أسوؤهم الذين لا إمكانية لديهم لفهم ما يقرؤون كي يحدّدوا اتفاقاً أو اختلافاً مع ما يقرؤون. والأسوأ من أولئك الذين لا يقرؤون أساساً ولديهم إجابات عن كل شيء!

الكاتب الجيد هو الذي يحتال على الشرط. يحتال على الرقيب فيه. وحدهم الذين يستحضرون أطراف العلاقة مع الكتابة والذين يقفون أمام محاذير محددة، أو تلك التي يمكن أن يضعها الكاتب لنفسه افتراضاً. وكثيراً ما يكون القارئ/ الشرطي داخله هناك، يحصي عليه أنفاس المحاولة. محاولة التحايل تلك.

والكاتب السيئ هو الذي تحتشد داخله طوابير من الشرطة. يظل مشدوداً ومنشدّاً إلى تلك المخلوقات التي روّضته ودجّنته وبات عاجزاً عن الإفلات من عقالها. لا يجيد شيئاً من دون ذلك العقال. ولذلك هو لا يجيد الكتابة في المحصلة النهائية.

والقارئ الجيد هو الذي يملك من الحواس ما يدله على تضامن أو تواطؤ الكاتب، معه أو عليه. تضامنه لا في ما يريده من كتابة؛ بل ما لم يجرؤ عليه أحد ممن يعرف. وتواطؤه في كتابة ما يريده الذين راكموا عذاباته وفاقته وقلقه على التافه في الحياة لا الحياة نفسها.

والقارئ السيئ هو الذي لا يريد كاتباً ينتشله من غربته وتفاهته؛ لأنه لم يسعَ أساساً لانتشال نفسه منها. هو ذلك الذي لا يختلف كثيراً عن أجهزة الاستقبال. لا خيار له فيما يريد وما لا يريد. هو الذي يبحث عن مزيد من التشويه في روحه وقيمته ومعناه. لا هدف له سوى أن يتنفس كأي بهيمة من بهائم الله. لن تجد كبير فرق بين رأسه والحذاء، مع اختلاف الشكل وهندسته! هندسته الفارغة.

والكاتب الجيد هو الذي يُتقن أدوات التعرية لا التغطية؛ والمشاكسة لا المهادنة؛ واجتراح أدواته؛ لا تسوّلها. ذلك الذي لن يكون واقعياً حين يُحاصر؛ ولا خبير تفاوض مع مختطِفين. ذلك الذي يرفض أن يتحوّل إلى «حليمة السعدية» كلما احتاج طرف ما إلى الرضاعة؛ بحسب تعبير تراجيدي للكاتب والشاعر السوري الراحل محمد الماغوط!

والكاتب السيئ هو الذي يتاجر بوعيه من دون أن يحتاج إلى أحد يبتزّه في ذلك الوعي؛ إن وجد أساساً! هو الذي يجد فضيلته الوحيدة في أن يكون شبيهاً بمكبٍّ للنفايات، لا خيار له سوى أن يتلقّى ما استغنى عنه العالم وما يسعى إلى التخلّص منه. التخلّص من كل فائض لا قيمة له؛ سوى قيمة أن يكون مكبَّاً!

والكاتب السيئ يلتقي مع القارئ السيئ في كثير من استهلاك الزمن من دون أن يشعر أي منهما أنهما في حراكه وأثره. في الانصراف شبه الكلي إلى التفاهة والتفريط والوصفات التي تأخذ بيديهما إلى حظائر الأرض وعلفها، وكل ما يدل على الفصل بين المخلوقات وأدائها!

والأسوأ من كل أولئك أن تفرد أمة/دولة/سلْطة المساحات والفضاءات لأولئك كي يخربوا ما لم تطلْه يد تخريبهم، ويجهزوا على ما تبقى من رمق في هذه الروح!

العدد 4354 - الجمعة 08 أغسطس 2014م الموافق 12 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً