العدد 4354 - الجمعة 08 أغسطس 2014م الموافق 12 شوال 1435هـ

الدولة العيونية تؤسس أول عاصمة تجارية في أوال

منذ القرون الأولى للإسلام، تكونت دولة في بلاد البحرين، هذه الدولة أُعطيت نوعاً من الاستقلال الذاتي، وفي ظل هذا الاستقلال نمت التجارة في البحرين. ومنذ نهاية العصر الأموي، تأسست في البحرين دور خاصة لضرب العملة. وكانت عملة البحرين، في بدايتها، بسيطة، وتصنع إما من النحاس المخلوط بالرصاص أو من الرصاص أو من البرونز. وقد عثر على المئات من العمل التي تعود للحقبة الأموية والعباسية، والتي ضربت في بلاد البحرين الكبرى؛ حيث إننا لا نعلم بالتحديد في أي منطقة من البحرين ضربت وإنما كتب عليها «ضربت بالبحرين»، وعلى عملات أخرى توجد عبارة «لأهل البحرين»، وكأنما هذه العملات ضربت خصيصاً ليتم تداولها في البحرين فقط. وهي بالفعل لا يوجد لها مثيل في بقية الدول المجاورة في ضمن حدود الدولة الأموية أو العباسية. وقد ورثت الدولة القرمطية هذا النظام الاقتصادي التي تكون في الحقب الأموية والعباسية. وبعد زوال القرامطة، ورث العيونيون ذلك النظام الاقتصادي وعملوا على تطويره، بعد أن أنشأوا أول عاصمة تجارية في البحرين.

ويلاحظ في جميع تلك العملات التي ضربت في البحرين القديمة، أن معدني البرونز والرصاص شكلا المعادن الأساسية التي استعملت في ضرب النقود التي أصدرتها دار السك في البحرين، ولم يثبت استخدام معدني الذهب والفضة في البحرين لسك النقود، فهذه النقود الذهبية والفضية والتي كان يجري تداولها في بلاد البحرين كانت تأتي عن طريق التجارة (الشرعان 2002، ص82).

نقود البحرين في العهد الأموي

لا يعلم بالتحديد متى تم تأسيس دار لسك العملة في بلاد البحرين الكبرى، والدلائل الآثارية تشير إلى وجود دار لسك العملة في البحرين في نهاية العصر الأموي، حيث ضربت عملات من الرصاص أو النحاس المخلوط بالرصاص. وتتميز هذه العملات ببساطتها، وقد نشر «Lowick» فلسين من هذا النوع يعودان لهذه الحقبة، عثر عليهما بالقرب من القطيف، أحدهما مصنوع من الرصاص والآخر من النحاس ومخلوط بالرصاص، وكلاهما يعودان إلى أواخر العصر الأموي (Lowick 1982).

أما أفضل مجموعة من هذه العملات فلم تصل للمتاحف وإنما إلى جهات خاصة؛ ففي الخمسينيات من القرن الماضي عثر على ثماني عشرة عملة تعود لنهاية الحقبة الأموية في البحرين وقد ضربت في البحرين.

ولم يحدد المصدر أين عثر عليها بالتحديد بل قيل عثر عليها شخص يعمل في شركة النفط في البحرين. ولا يعلم إذا كان المقصود البحرين أو شرق الجزيرة. وتتميز بعض نقود هذه المجموعة بأن عليها مكان الضرب، وهو البحرين، وبعضها الآخر يتميز، بالإضافة لوجود مكان الضرب وهو البحرين، أسماء أمراء البحرين في تلك الحقبة، وعرف منهما اثنين، هما حسان بن سعيد وبشر بن سلام العبدي (Stephen album 2010, Schindel 2012). وكلا الأميرين ذكرا في كتب التاريخ (الجاسر 1966).

نقود البحرين في العهد العباسي

واصلت دار السك في البحرين ضرب النقود في العهد العباسي، وقد عثر في شرق الجزيرة العربية على عدد كبير منها، وقد نشر «Lowick» قرابة 9 أنماط من العملات العباسية، مصنوعة إما من البرونز أو الرصاص. بعض هذه العمل يحمل تاريخ إصدار العملة، هذه التواريخ هي: 140 هجرية، و 148 هجرية، و 155 هجرية. وبعض تلك العملات تحمل اسم أمير البحرين في تلك الحقبة، وقد عرف منهم عبد ربه بن شريك والربيع بن عبد الله (Lowick1982)، ولم يذكر في كتب التاريخ إلا عبد ربه بن شريك بن عبد ربه وهو من عمال أبي جعفر المنصور على البحرين.

وفي العام 2002 عثر في إحدى المواقع الأثرية في جبلة حبشي في جزيرة البحرين على عملة عباسية مصنوعة من البرونز (Al-Sulaiti 2005, p. 121)، وهذه العملة شبيهة بما عثر عليه في شرق الجزيرة العربية من العمل التي ضربت في البحرين والتي تعود لقرابة العام 140 هجرية (757 م).

نقود البحرين في العهد القرمطي

قام القرامطة (929 - 1064 م) بضرب نقود في بلاد البحرين، وهي نقود خاصة فقط ببلاد البحرين، وهي نقود من الرصاص، ويبدو أنها منخفضة القيمة، حيث إن هذه النقود توضع في زنابيل (جمع زنبيل أي زبيل وهو وعاء من الخوص)، ويتم التعامل بهذا الزنبيل لا بالقطع النقدية. يقول ناصر خسر في كتابه (سفرنامه):

«والبيع والشراء والعطاء والأخذ يتم هناك (أي في الأحساء) بواسطة رصاص في زنابيل يزن كل منها ستة آلاف درهم، فيدفع الثمن عدداً من الزنابيل، هذه العملة لا تسري في الخارج» (طبعة الهيئة المصرية 1993، ص 160).

وقد نشر «Lowick» عدداً من النقود القرمطية المصنوعة من الرصاص والتي عثرت عليها البعثة الدنماركية التي نقبت في البحرين، وربما تكون هذه العملات هي ذاتها التي ذكرها ناصر خسرو (Lowick 1974). ويبدو أن القرامطة أصدروا هذه العملات في أواخر عمر دولتهم، حيث اقتصر نفوذها على الإحساء فقط (الشرعان 2002، ص 86).

الدولة العيونية والطفرة الاقتصادية

بعد زوال القرامطة من البحرين، ورثت الدولة العيونية (1077 - 1238 م) النظام الاقتصادي الذي تم تأسيسه في البحرين، وقامت بتطويره حيث تم إنشاء دور لسك العملة في العديد من مناطق البحرين، عرف منها الخط وجزيرة أوال، وجميع الدول التي سكت من معدن الرصاص، (وللمزيد حول هذه النقود يرجع لكتاب نقود الدولة العيونية في بلاد البحرين للشرعان). لم تكتفِ الدولة العيونية بسك النقود بل بنت في جزيرة البحرين أول عاصمة تجارية فيها، وهي المدينة الإسلامية التي توجد في موقع قلعة البحرين ويتبع لها الحصن الإسلامي الذي تم تحويله من قبل العيونيين إلى مصنع للدبس.

وبالإضافة للتجارة، فقد اهتمت الدولة العيونية اهتماماً كبيراً بالزراعة في كل بلاد البحرين، حيث طورت الزراعة وطرق الري، وحافظت على زراعة محاصيل معينة كالقمح والشعير (الحسين 2006).

وهناك العديد من الدلائل التي تشير بوضوح إلى أن بذور القمح والشعير قد تحولت لمادة غذائية أساسية في جزيرة البحرين منذ حقبة قبل الإسلام إلى ما بعد الإسلام بقرون؛ فهناك تقارير توضح أن القمح والشعير كانا من أبرز المنتجات الزراعية في البحرين منذ القرن الثاني عشر وحتى القرن التاسع عشر حتى أن البوكيرك في وصفه للبحرين العام 1510م وصف أيضاً حقول الشعير (Nesbitt 1993).

وبلا شك أن مني ومروزان وكرزكان، وهي قطع أرضية مملوكة للأمراء العيونيين، تم تطويرها في الحقبة العيونية لتصبح أفضل المناطق الزراعية.

العيونيون وتأسيس العاصمة التجارية

لقد سبق أن ذكرنا في الفصل السابق أن البعثة الدنماركية ترجح أن بناء المدينة الإسلامية وتطوير الحصن في موقع قلعة البحرين، حدث في القرن الثاني عشر أي إبان الدولة العيونية، وتأتي هذه المعلومة موازية للمعلومات التاريخية الأخرى التي تم جمعها، من تطوير للزراعة، وإنشاء دور لسك العملة في البحرين. كل هذا يؤكد وجود طفرة اقتصادية واضحة في بلاد البحرين إبان الدولة العيونية.

وقد بقيت هذه المدينة التجارية بعد الدولة العيونية؛ حيث ورثها الهرمزيين والسلغريين، وورثوا النظام الاقتصادي فيها. وأياً كانت القوة السياسية التي تسيطر على أوال، فإن هوية هذه المدينة الدينية بقيت لم تتغير، يدلنا على ذلك الآثار التي عثر فيها، وعلى المقبرة الإسلامية الأثرية التي تتبع هذه المدينة والتي تشبه لحد كبير مقبرة أبي عمبرة، بما فيها من قبور مبنية وما فيها من أسرار غامضة، كلها طمست قبل أن يعرف عنها شيء. يتبع.

العدد 4354 - الجمعة 08 أغسطس 2014م الموافق 12 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:53 ص

      العملة أكبر دليل على هوية البحرين من بداية العصر الإسلامي

      البحرين .....شعبها من الموالين للإمام علي عليه السلام من قبائل تميم التي ناصرت الإمام في جميع حروبه

اقرأ ايضاً