هناك من يظن أن الكلمات لا تغني ولا تسمن من جوع، والواقع يقول عكس ذلك، وخصوصاً حين تكون هذه الكلمة هي كلمة حق في وجه باطل؛ فللكلمة اليوم ثقلها، ولهذا فإن الأنظمة والجماعات الاستبدادية تخشاها، وتحاول محاربتها بكل ما أوتيت من قوة وبطش.
كلمة الحق في وجه الباطل نوعٌ من أنواع الجهاد، وخصوصاً في تلك الأوقات التي يصبح فيها الصمت شكلاً من أشكال التخاذل، وشكلاً من أشكال مناصرة الظالم على المظلوم وذلك حين يصمت المرء صمتاً يفهم منه غيره أنه راضٍ عمّا يقوم به ذلك الظالم الذي يعيث في أرضه فساداً.
والأمثلة كثيرة على أهمية هذه الكلمة وجدواها؛ فالأنظمة الاستبدادية اليوم اضطرت لتشغيل الكثير من شركات العلاقات العامة فدفعت لها الملايين كي تُجمِّل صورها التي عرّتها الكلمة الصادقة، وعرّاها أصحاب المواقف التي لا تحمل تسامحاً مع الظلم. هذه الأنظمة باتت اليوم تخشى من يقول الحق ومن يكتب الحق ومن يجاهد بقلمه وكلمته لنصرة الحق، فتراها تعتقل الصحافيين والسياسيين وقادة الرأي من المثقفين وعلماء الدين والكتاب كي لا يفضحوا مواقفهم، وتشن حملات مستعرة كي تسكتهم إمّا بشكل مباشر، أو عن طريق توظيف ميليشيات لا تحمل أسحلة نارية بقدر ما تقوم بمهاجمة هؤلاء بالكلمة أيضاً أو باختراق حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المحافل الإعلامية.
القلم اليوم يعادل سلاحاً، والحنجرة اليوم تعادل سلاحاً، والصورة والكاريكاتير الذي يحمل موقفاً ضد الظلم يعد سلاحاً أيضاً؛ فهاهو العدو الصهيوني خلال الحرب الراهنة على غزة على سبيل المثال يخسر الكثير بفعل وصول الكلمة ووصول الصورة اليوم إلى المجتمع العالمي، ولولا وجود الصحافي الاجتماعي الذي يغرد ويكتب في شتى مواقع التواصل الاجتماعي والذي ينقل الحدث للعالم لما عرف الناس ما يجري هناك بالتفصيل ولمرّت هذه الحرب كغيرها بهدوء عالمي إلا قليلاً، وبدمار وشهداء وآلام في غزة لا يمكن لجزيرة صغيرة أن تحتملها لو لم يكن اسمها غزة. ولأن العالم بأكمله عرف حقيقة ما يحدث وتعاطف مع الفلسطيني واستنكر أعمال الصهاينة، يحاول العدو اليوم أن يُجمِّل موقفه ويُحسِّن صورته من خلال الكلمة أيضاً؛ إذ قام بتجنيد الكثير من الصهاينة وأعوانهم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام المقروء والمسموع ليقوموا بنصرته وقلب الحقيقة كي يصل صوته المغلوط إلى من عرف الحقيقة وشاهدها من موقع الحدث.
وما العدو الصهيوني إلا مثالاً؛ فالأنظمة العربية أيضاً باتت تحاول خنق الكلمة التي باتت تؤلمها بشدة حين تكون صادقة تنقل ما يحدث على أراضيها؛ وخصوصاً خلال هذه السنوات الثلاث التي شهدت موجة من الاحتجاجات والثورات في الدول العربية وشهدت معها قمعاً واعتقالات وقتلاً وبطشاً للشعوب على يد الحكام العرب وأزلامهم لما للكلمة من جدوى وقوة.
من يقول إن الكلمة لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن يقول إن التضامن مع الشعوب العربية وخاصة الشعب الفلسطيني بالكلمة لا جدوى منه فليراجع تاريخ المنطقة ليعرف الواقع والحقيقة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4354 - الجمعة 08 أغسطس 2014م الموافق 12 شوال 1435هـ
كلمة الحق
افضل الجهاد كلمة حق امام سلطان جائر