قال مساعد رئيس تحرير المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط إسكندر صادقي بروجردي في مقال له تحت عنوان "روحاني والسير على الحبل الرفيع" نشر في موقع صدى التابعة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إنه في حال النجاح في التوصل إلى حل دائم للمأزق النووي - والذي حصل على دعم حذر من مكتب المرشد الأعلى - مما لاشك فيه أن ذلك سيضمن لروحاني مكانة راسخة في التاريخ. من شأنه أيضا أن يساهم في تعزيز موقع الرئيس في مواجهة منتقديه. إلا أن ذلك قد يؤدّي أيضاً إلى خسارة مكتب المرشد الأعلى معظم دوافعه لكبح من يُعادون في العلن الرئيس وجدول أعمال إدارته.
وما يلي نص المقال:
أفاد روحاني جيداً من وجوده في أروقة النفوذ في الدولة طيلة ثلاثة عقود فهو يعرف ماهي المسائل التي يمكنه أن يضغط فيها من دون المجازفة بحدوث تداعيات خطرة، وتلك التي لاتقدّم الكثير على مستوى المكاسب الملموسة. رفعت إدارة روحاني شعار الاعتدال في حين استُخدِم مصطلح "توندرو" (تشدّد) للاستهزاء بمنتقدي الحكومة الذين يجدون الآن أنهم أقلّية ومنفصلين تماماً عن المزاج السائد في البلاد.
يبذل حلفاء روحاني في حزب منفذي البناء، والمتعاطفون معهم، وفصيل الاعتدال الذين يشكّلون الأكثرية في مجلس الشورى بعد فوز روحاني في الانتخابات الرئاسية، جهوداً متضافرة الآن للظهور في موقع وسطي وإقناع أكبر شريحة ممكنة من النخبة السياسية بدعم المسار الذي اختارته الحكومة. حتى الآن، أتاح التركيز على المسألة النووية، والإعفاء من العقوبات، ورداءة الحالة الاقتصادية، تشكيل ائتلاف من "وسطيي" النظام - يضم الإصلاحيين الأكثر محافظية وماكان يُعرَف بـ"اليمين المعتدل" المرتبط بالرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني - و"المبدئيين المعتدلين"، ومنهم رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ووسطيون في مجمع علماء الدين المجاهدين.
مما لاشك فيه أن عدداً كبيراً من الناخبين، إن لم يكن معظمهم، انشغلوا في شكل أساسي بجعل حياتهم اليومية أكثر قابلية للعيش. بيد أن دعم الإصلاحيين لروحاني، الذي تجسّد في التأييد القوي من جانب الرئيس الأسبق محمد خاتمي وانسحاب المرشح الرئاسي محمد رضا عارف على مضض، كان أساسياً في حشد قاعدة انتخابية داعمة لوصوله إلى الرئاسة. على الرغم من أن روحاني لم يرتبط قط باليسار الإسلامي أو بتنظيم "إصلاحي"، إلا أنه دعا إلى فرض سيادة القانون واحترام خصوصية الأشخاص؛ في حين أنه لم يبذل جهوداً فعلية من أجل تنفيذ "شرعة حقوق المواطن" التي وضعتها حكومته وكانت موضع احتفاء شديد.
كذلك يدرك الإصلاحيون أنفسهم، براغماتياً، أن البدائل المتاحة أمامهم ضئيلة، لهذا يستمرّون في دعم النظام. لكن روحاني يحاذر من الضغط في المسائل الحسّاسة فعلاً، مثل الرقابة الاستصوابية (نظارت استصوابي) على العملية الانتخابية من قبل مجلس صيانة الدستور، وإشراف مجلس خبراء القيادة على المرشد الأعلى.
فضلاً عن ذلك، تجاهل المرشد الأعلى خامنئي المطالبات بالإفراج عن قادة الحركة الخضراء - مير حسين موسوي ومهدي كروبي وزهراء رهنورد - أو محاكمتهم بعد وضعهم في الإقامة الجبرية منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتشير التقارير أيضاً إلى أنه معادٍ لخاتمي لأنه يعتبره غير موالٍ له. تكشف هذه التصرّفات عن عدم استعداد للسماح لروحاني وحلفائه بإعادة دمج من تجرأوا ذات يوم على أن يتحدّوا (ولو بصورة طفيفة) شخص المرشد الأعلى والمنصب الذي يشغله.
محاولة لمأسسة التهميش السياسي للشخصيات الإصلاحية تتجلى في مشروع القانون الجديد المطروح في مجلس الشورى حول الأحزاب السياسية. بموجب مشروع القانون، يُمنَع أي شخص أدين بالضلوع في "أنشطة تخلّ بأمن الدولة" أو كان عضواً في حزب منحلّ، من الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو تأسيس حزب جديد. يبدو أن مشروع القانون يستهدف في شكل مباشر تنظيمَين إصلاحيين حظرتهما وزارة الداخلية في العام 2009. الأول هو جبهة المشاركة الإسلامية الإيرانية التي تولّى رئاستها في البداية شقيق خاتمي الأصغر، والثاني هو منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، التنظيم "اليساري" الأبرز، ومن أعضائه بهزاد نبوي، وفيض الله عرب سرخي، ومصطفى تاج زاده الذين سُجِنوا إبان الاضطرابات في العام 2009 وحملة القمع التي شنّها النظام. تؤشّر هذه المعطيات إلى أن السياسيين المحافظين يحاولون منع الإصلاحيين من العمل من جديد على وضع برنامج سياسي قابل للحياة بما يمكن أن يؤدّي إلى إعادة حشد قاعدة داعمة لهم ورصّ صفوفها.
في حين سُجِّل تحوّلٌ ملحوظ وبعض التساهل في المساحة السياسية (لاسيما بالنسبة إلى القوى المقرّبة من النظام)، يستمر اعتقال الأشخاص وحجزهم لدوافع سياسية. من شأن المؤسسة المحافظة المتجذّرة مؤسسياً وغير الخاضعة للمساءلة أن تضغط إذا شعرت بأن امتيازاتها مهدّدة، تماماً كما تحصّن المحافظون بعد "ربيع طهران" بين 1997 و1999.
لكن في حال النجاح في التوصل إلى حل دائم للمأزق النووي - والذي حصل على دعم حذر من مكتب المرشد الأعلى - مما لاشك فيه أن ذلك سيضمن لروحاني مكانة راسخة في التاريخ. من شأنه أيضا أن يساهم في تعزيز موقع الرئيس في مواجهة منتقديه. إلا أن ذلك قد يؤدّي أيضاً إلى خسارة مكتب المرشد الأعلى معظم دوافعه لكبح من يُعادون في العلن الرئيس وجدول أعمال إدارته.
لكن إذا أمكن الحفاظ على التماسك بين الفصائل المختلفة التي ينضوي ضمنها حلفاء روحاني في إطار التحضير للانتخابات النيابية في العام 2016، فمن شأن الحصة السياسية لجبهة الثبات المحافظة، وحتى كتلة المبدئيين برئاسة غلام علي حداد عادل، في مجلس الشورى أن تتراجع إلى حد كبير. وقد يحدث ذلك حتى فيما لايزال الإصلاحيون، لاسيما الأكثر ميلاً نحو التشدّد بينهم، يواجهون خطر التهميش السياسي والمدني "المقنّن" على يد الدولة العميقة.
بيد أن من يُعرَفون بالاعتداليين سيستمرّون في تجنّب التطرّق إلى المسائل التي يعلمون أنها تثير حساسية مكتب المرشد الأعلى والمؤسسات الإشرافية والقوى الأمنية. بدلاً من ذلك سينكفئون بهدوء للاهتمام بالمسائل التي تروّج لرؤيتهم عن الازدهار الإيراني وتحظى بدعم أوسع في أوساط النخبة السياسية، مثل تحسين العلاقات مع دول الغرب النافذة وتعزيز القطاع الخاص. فغالب الظن أنهم يتطلّعون إلى إقامة سنغافورة شيعية في قلب الخليج الفارسي. لكن يبقى السؤال: هل سيتمكّنون من مواجهة الضغوط شبه المحتومة من القضاء والدولة العميقة؟