لا يحتاج شعب غزَّة العربي إلى دموع العرب، إذ لديه أنهار من دموع أصحاب الضمائر والقلوب المتعاطفة تدفّقت غزيرةً من مئات عواصم وبلدان العالم أجمع.
ما يتمنَّاه شعب غزَّة العربي هو أن يتعلَّم أخوته من شعوب الأمة العربية جمعاء بعضاً من دروس بطولاته وتضحياته وصموده الأسطوري في وجه أبشع وأحقر وأقسى آلة حربية عرفتها البشرية. آلة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين المحتلّة المدعومة بشكل مخجل مجنون انتهازي بآلة حربية وسياسية أميركية لم تتوان كل أنظمة حكمها، عبر ستّين سنة، عن ارتكاب كل الجرائم الشيطانية بحقّ شعب فلسطين كلّه، لإبقائه في محنه وعذاباته وغربته بعيداً عن أرضه المغتصبة وتاريخه المتلاعب به تزويراً وتدليساً.
أول هذه الدروس هو الوصول إلى الاقتناع بأن الحدود التي توضع فيما بين الحياة والموت هي حدود وهمية. فهناك أناس يأكلون ويلعبون ويمرحون وهم في الواقع أموات بموت ضمائرهم وكبريائهم وأحاسيس الالتزام الإنساني فيهم تجاه الآخرين. وهناك أناس فنيت أجسادهم، لكنهم متواجدون في ساحات النضال والحروب والفداء من أجل المثل والعدالة والحقوق ومقاومة الظلم.
أهل غزة فضَّلوا موت الجسد على انكسار الروح، وسيبقون أحياء في تلك السَّاحات عبر القرون وفي أرجاء المعمورة.
ثاني هذه الدروس هو رفض التعلق بالرّجاء والأمل إذا كانا سيأتيان من حقارات الآخرين. ثلاثون يوماً وهم يشاهدون السقوط الأخلاقي والسياسي والعسكري والإنساني لمن ظنّوا، وآهٍ من أحلام وفواجع الظنون، بأنهم أهلوهم وذووهم. لكنّ ذلك السقوط التاريخي المخجل لم يُدخل اليأس ولا الخوف ولا التراجع في قلوب شباب وشابات غزة.
فالأمة التي خذلت شبابها وشاباتها في تطلُّعهم نحو الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة، ما عادت تنبض فيها الحياة لتكون مصدر أمل ورجاء. لقد تعرّى عجزها يوم بصق البعض على دماء شبابها وشاباتها الطاهرة؛ ويوم أصمّ البعض أسماعهم عن سماع أنينهم في زنزانات السجون وطرقات المنافي؛ ويوم أعرض البعض عن النظر إلى وجوههم البريئة الحزينة وهم يحاكمون من على منابر إعلامٍ عربي باع روحه للشيطان وفي قاعات محاكم جلس على منصَّاتها قضاة مرتشون. ولذلك لم تيأس روح غزة ولم تضعف عزيمتها، عندما ران صمت القبور على الأرض العربية ونعقت أصوات الشماتة وتآمرت هذه الحكومة أو تلك، وأنزلت أبواق اللؤم الإعلامي الصراع الوجودي مع الصهيونية إلى مستوى أعمال العنف في غزة، وتثاءب الوجدان العروبي، ثم نام. فالأمل الغزَّاوي تفجَّر من ينابيع الداخل ولم يتعلق بسخافات وألاعيب الخارج، مثلما يفعل الآخرون كل يوم وهم يقفون وقفة الذل أمام أبواب واشنطن وغيرها من عواصم الكذب والانحناء للمال الصهيوني.
وثالث الدروس هو التضحية بمباهج ورفاهيات الحياة من أجل تحصين الذات المقاومة المحاربة. عبر سنين طويلة ضحَّى الغزَّاويون بمأكلهم ولباسهم وراحتهم ليحفروا الأنفاق ويصنعوا ما يمكن صنعه للدفاع عن أنفسهم، وليوجعوا عدوهم وليستروا عورات جيوش وحكومات وأحزاب ومليارات أمَّتهم، هذا بينما كان الآخرون يبعثرون مال الأمة الوفير للتباهي فيما بينهم حول من يشتري أفخم متجر في هذه العاصمة أو تلك، أو من يخرج هذه الشركة الأجنبية أو تلك من عثراتها، أو من يبني أكبر أو أعلى أو أفخم مجمّع استهلاكي تبنيه وتستفيد منه وتربح خيراته هذه الجهة أو الشركة الأجنبية أو تلك.
لقد تمّ كل ذلك على حساب بناء استعداد الأمة للذّود عن استقلالها ولتطهير أرضها من جيوش الاحتلال، ولإخراج نفسها من تخلُّفها التاريخي في كل مناحي الحياة وكسب احترام الآخرين الذين لا يرون فيها إلاّ أمة العبث وقلّة الحيلة.
ورابع الدروس هو أن الحياة لا تتطهّر إلاّ من خلال من يعتبرهم الجبناء مغامرين؛ ويعتبرهم الكسالى المستسلمون مشاغبين ومتعبين؛ ومن يعتبرهم من لا يرون في الحياة إلاّ المتع والغرائز العابرة حالمين عابثين. لكن التاريخ البشري يقف في هذا الدرس المتوهّج مع غزة، وليس مع الذين خذلوها وتآمروا عليها.
غزّة في التاريخ علّمت الدروس الكثيرة وفي الحاضر تعاود إلقاء الدروس. وهي لا ترجو أكثر من أن لا يكون تلاميذها من البلداء أو الكسالى أو الحمقى اللاّهين.
يا أمتي، غزّة لا تحتاج لدموعك ولكن تحتاج بكبرياء البطولة أن تستوعبي دروسها بما فيها من معانٍ وألقٍ وسمو.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4353 - الخميس 07 أغسطس 2014م الموافق 11 شوال 1435هـ
بورك مسعاك
بورك مسعاك دكتور مقال جميل
ولكن هل يدرك الشعب العربي ما كتبته
الطائفية
قتلت التعليم في البلاد وللأسف فهي مسشرية من أعلى الهرم في الوزارة حتى أصغر موظف فمتى تنتهي .
مقال رائع من رجل اروع
مقال رائع جداً كعادة الدكتور المفكر الرائع
دكتورفخرو. ..متألق الفكر دائما..
دكتور ..عاصرنا نهضتك بالتربية والتعليم في بحريننا الغالية ولمسنا مدى جهودك المخلصة لرفعة البلد وتطوره..أطال الله بعمرك ووفقك لقول كلمة الحق...
نعم فترة وزارتك فترة دهبية
نعم كانت أحلى لحظات عشتها في التعليم أحس بكرامة والمواطنة الحقة لكم نحتاج امثالكم فيكم ينهض الوطن ويتعلم الطالب لا على حساب الطائفية فكم من تقلد الآن مناصب لا يستحقها سوى بسبب التجنيس الأعمى
نعم فترة وزارتك فترة دهبية
نعم كانت أحلى لحظات عشتها في التعليم أحس بكرامة والمواطنة الحقة لكم نحتاج امثالكم فيكم ينهض الوطن ويتعلم الطالب لا على حساب الطائفية فكم من تقلد الآن مناصب لا يستحقها سوى بسبب التجنيس الأعمى
شكرا
شكرا إستاذ على
شكرا يلغزاوين
شكرا لمن أعطاكم الصواريخ
سوريا إيران حزب الله.
صدقت دكتور واحزنني موقف مفتي الناتو
مفتي الناتو وقف واطلق فتواه الباطلة بعدم اطلاق النفير والجهاد في غزة والسبب امتحان الله وهو بريء من كذب مفتي الناتو بانه العادل الجبار يمتحن صبر المؤمنين في غزة وانا الجهاد في سوريا هو المقدم واقعنا يادكتور اسود بسبب مواقف الكثير من المثقفين
احترمك استاذي
احترم فكرك وماضيك واذكر النهضة والنقلة النوعية والنشاط اللامتناهي والابداع والحضور القوي والاثر الكبير الذي احدثته في وزارة التربية والتعليم في زمن لم نحتج فيه للجودة ولا التحسين ولا حتى السبورة الذكية...اذ كانت الكفاءة حاضرة لتغطي كل المستجدات...ويا اسفي في زمن قليل نسف جهودك بلمح البصر وعدنا للعصر الطائفي
لك احترامي
أصبت
أصبت يا دكتور
تحليل في صلب المعنى والجوهر
سددت مطر من الرصاص لم يقوى على موجهتها البعض لذلك افتقد القراء وجوده بالامس.
لقد اسمعت لو.....
آه آه على هذه الأمة المنكوبة المركوبة الذليلة. أمة اخلدت إلى الأرض فأصبحت اضحوكة بين الأمم. أما آن لك يا أمة العرب نفض الذل والخنوع واللحاق بركب الأمم الأخرى؟ .....
احسنت
كالعادة متألق