كلما ازدهرت الفنون والآداب لدى الأمم، كلما كان ذلك سبباً من أسباب انحيازها إلى ما يحفظ الاستقرار والانفتاح على سواها من الفنون والآداب، وتجنَّبت التوحّش والنزوع إلى الاستبداد والطغيان على ما عداها من الأمم والشعوب، وتجد في كل ذلك قوّة لها، وتماسكاً وتنوّعاً تحتاجه، ولن تكون في يوم من الأيام في غنى عنه.
وكلما هُمِّشت تلك الفنون والآداب في أمّة من الأمم، كلما كان ذلك سبباً في اندثارها والنسيان الذي سيحيق بها لزمن بعيد.
في كل ذلك ذاكرة لأية أمة من الأمم. وبات من بديهي القول، إن أول مدخل لمحو وجود أمة هو تسلّم ذاكرتها والإمعان فيها نفياً وتحريفاً وإقصاء. ولن تجد شاهداً صارخاً وماثلاً لتلك الذاكرة إلا في شيء من الاثنين (الفنون والآداب).
بيننا اليوم من يقوم بذلك. لا نحتاج إلى قوات أجنبية غازية تقتحم سماواتنا والحدود والمياه الإقليمية كي تقوم بذلك المحو والنفي والتحريف والإقصاء. بيننا اليوم من يتبرّع بذلك وعبْر مداخل وتبريرات يُقحمها إقحاماً بالدِّين وينسبها إليه، وهو من كل ذلك براء.
والذين أخذوا على عاتقهم امتداد وانتشار الدِّين الحنيف في المعمورة التي طالتها إمكاناتهم والوسائل في الزمن الغابر، كانوا أكثر وعياً وإدراكاً لأهمية تلك الذاكرة. لم تطل معاول هدمهم وسيوفهم آثار الفنون والآداب تلك في البلاد التي انتصبت فيها قبل مجيئهم وفتحهم لها بآلاف السنين. لم يقحموا الدِّين كما يحدث اليوم - بالفهم القاصر والمُجيَّر والنفعي - في موقف يبرّر لهم هدمها أو طمسها أو اقتلاعها من الجذور، بفهم بليد بحجّة النأي بالناس عن عبادة ما دون الله، وجعلها أدوات وصوراً من أدوات وصور الشرك بالله. لم يذهب وعيهم مذهباً كالذي نشهد صوره وممارساته وإجراءاته في يومنا هذا. وبفهمهم المبكر أيضاً أن فيه آيات للسائلين، والذين يبحثون عن نمط وطريقة وأسلوب حياة أمم سبقت، وهيمنت وعدلت وظلمت، وأفسدت وأصلحت أيضاً من بين مجموعة أمم في ذلك الموازييك البشري الحضاري المبكر من تاريخ العالم. وفي ذلك حق للمجموع البشري كله. حق في تلك الذاكرة؛ بغضّ النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها.
الاختلاف مع أية جهة لا يبرر لأي مخلوق الحق في الاقتلاع والنفي والطمس والمحو. ومن سنة خلق الله للعالم والبشر، ومن بديع ذلك الخلق، هو في صور اختلافه لا الاتفاق الذي يستحيل أن يعمّ ويشمل البسيط والمركَّب فيه.
لم يستحلّوا نفيَ ذاكرة أمة سيطروا وهيمنوا على أراضيها. ولم يجدوا لزاماً عليهم أن يفرضوا ذاكرتهم على الأمم التي دانت لهم، وكانوا تحت سطوتها وهيمنتها؛ ويبدّلونها بذاكرتهم؛ إذ في ذلك إجحافٌ لحق النوع البشري في ذلك التنوّع ومثول نماذج ذلك الفهم، بما يراكمه ويعمّقه ويثريه على أكثر من صعيد.
ومن عدالة الدِّين الذي حمل لواءه الأوائل إلى أصقاع الأرض، أنهم وعوا تماماً قُبْح المساس بأية ذاكرة مجسدة على الأرض أو غير مجسّدة، لأية أمة من الأمم قُدّر لها أن تزول في طبيعة وسنة كونية، التماساً للفحص والفهم والإدراك لقيمة كل أمة وذاكرتها، صلحت أم فسدت، ففي صلاحها تلمّس طريق سعته، وفي فسادها تجنّب ما أوْدى بها إلى الزوال والهلاك. في ذلك عِظة وعِبرة على أقل تقدير.
لا اقتفاء أثر من دون فهم أو مراجعة أو تراكم معرفي غالب - إذا توافر ذلك - بل في الصميم من المزاوجة أيضاً بما يعزّز تلك الغَلَبة ويجنّبها أسْر التقليد وأن تكون تابعة لا خيار لها.
بيننا اليوم من يعمد إلى ما عداه من ذاكرة، وما عداه من قيمة وشواهد مجسّدة على الأرض، فيمعن فيها نسفاً وهدماً ومحواً. لكأنه بذاكرته الهشة - إذا كان ثمة من ذاكرة - يجد في كل ذلك تهديداً لرخاوة وجوده، والدموية التي اتخذها منهجاً للحكم بين الناس، استبدالاً لذاكرتهم التي كانت منفتحة على الأمم بذاكرته التي نشهد في صور الانتقام والذبح وإراقة الدماء، مما لم نشهد ما يبزّها ويتجاوزها فيما قرأنا ووعِينا عليه من السيرة. سيرة الذين يدّعي أولئك أنهم امتداد للأوَّلين!
أي انتصار، وأي فتح وأية قيمة ترتجى من هدم مساجد ومقامات وأضرحة وكنائس ونصب تذكارية؟ وهل الدّين بتلك الهشاشة والضعف بحيث يُخشى عليه من كل ذلك؟ وهل فات المتأخرون الوقوف على كل ذلك؟
بيننا من يرى في الذاكرة عدوّه الأول؛ لذا يعمد إلى قتلها أحياناً قبل أن يستفتح بقتل بشرها، وأحياناً بالتزامن. لا يهم بمن يبدأ أولاً؛ مادام المحو هو المآل! مادام هو الاجتثاث. هو الهدف!
ونسأل: هل تنتصر الجماعات تلك -دائماً- في محاولاتها قتل ومحْو الذاكرة؟ التجربة والشواهد تقول خلاف ذلك، فالأمم قادرة على استعادة وتجديد ذاكرتها في أكثر من صورة وأسلوب ومنحى وشاهد! نتحدّث هنا عن قتل الذاكرة في الأمة الواحدة التي يظهر بينها من يقرّر أنها طارئة على الأمة، ويرى ألاَّ صلة تجمعه بها!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4349 - الأحد 03 أغسطس 2014م الموافق 07 شوال 1435هـ
كلمة حق
كلمة حق يراد بها باطل
الخوارج
حينما يتحدّث الإمام علي(عليه السلام) عن مشكلة الخوارج يشخّصها بخطئهم في استعمال المقاييس الموصلة إلى الحقّ رغم محبّتهم لإتباع الحقّ، يقول(عليه السلام):
« لاَ تُقَاتِلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي فَلَيْسَ مِنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأهُ كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَه »(9) .
اخر الزمان
من علامات اخر الزمان ظهور هكذا من الناس لا بسلم بشر ولا حجر
المختار الثقفي
هؤلاء الطارئين على الدين الذين تسموا بأسماء السلف وانتسبوا ونسبوا أنفسهم ما لي ليس فيهم الا كل موبقة يمقتها البشر فضلا عن الإسلام بما للبشر من انسانية، فهم لم يقرؤا تاريخ السلف الذين رأوا الاهرامات ولم ينفضوا عنها حتى الغبار ليهدموها وقاموا ببناء الاضرحة وتفننوا في ذلك، ولم يقرؤوا تعاليم الدين ومنها عدم قتل الاسرى وعدم اللحاق بالهاربين.. أين هم من هذا الدين القويم الذي أنزل الله تعاليمه على نبيه محمد صلى الله عليه وآله.