تحل اليوم الذكرى الأليمة الـ24 للغزو العراقي للكويت، الذي استهدف، في الثاني من أغسطس عام 1990، دولة ذات سيادة واستقلال كاملين، الا أن الجهود الدولية تضافرت وتصدّت للعدوان وأعادت الحق الكويتي الى أهله بعد احتلال دام قرابة سبعة أشهر، بحسب ما أفادت صحيفة القبس الكويتية في عددها اليوم السبت (2 أغسطس/ آب 2014).
وترك الغزو آثارا سلبية واسعة على الشعب الكويتي، تمثلت في الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان التي ذهب ضحيتها 570 شهيدا ونحو 605 أسرى، الى جانب ما تركه من خسائر وأضرار هائلة تمثلت في إشعال 639 بئرا نفطية، خلفت كوارث بيئية جسيمة برا وبحرا وجوا، وأدت الى وقف انتاج النفط لفترة طويلة.
وعلاوة على ذلك استهدف الغزو -على نحو ممنهج- البنية التحتية في البلاد والمؤسسات والمنشآت الحكومية، التي أمعن المحتل في تدميرها، فضلا عن سرقة وثائق الدولة وأرشيفها الوطني، كما تسبب في سياق آخر بإحداث شرخ وانقسام في الصف العربي الذي لطالما حلمت الشعوب العربية بوحدته وتقوية أواصره.
جريمة كبرى
ودان المجتمع الدولي تلك الجريمة الكبرى بحق الكويت وشعبها منذ الساعات الأولى للغزو، وتصدى له مجلس الأمن الدولي بقرارات حاسمة، بدءا من القرار رقم 660، الذي دان الغزو وطالب النظام العراقي بسحب قواته فورا من دون شروط أو قيود، لتتوالى القرارات الدولية تباعا، مضيقة الخناق على النظام العراقي لينصاع الى الارادة الدولية.
في المقابل أبرزت محنة الغزو مدى تماسك الشعب الكويتي وصموده ومقاومته للاحتلال والدفاع عن بلاده، سواء داخل الكويت أو خارجها، الى جانب التفافه حول حكومته وقيادته الشرعية، ما عكسه مؤتمر جدة الشعبي، الذي عقد في المملكة العربية السعودية الشقيقة في شهر أكتوبر عام 1990.
وأظهر المؤتمر صورة الكويت كدولة حضارية ديموقراطية دستورية وتمسك شعبها بنظام الحكم الذي اختاره منذ نشأته، وارتضته الأجيال المتعاقبة، وأكد وقوف الشعب الكويتي صفا واحدا خلف قيادته الشرعية من دون مساومة أو تفاوض على سيادة الكويت واستقلالها وسلامة أراضيها، وأثار هذا التماسك بين الكويتيين إعجاب العالم بأسره.
وكشف المؤتمر أيضا زيف وبطلان كل الادعاءات والمزاعم التي ساقها النظام العراقي السابق تبريرا لجريمته واحتلاله الكويت، حيث أعلن المشاركون أن الشعب الكويتي رغم الآلام وجراح العدوان الآثم لا يضمر الشر للشعب العراقي الشقيق، كما شكل المؤتمر عددا من الوفود الشعبية الكويتية لتطوف حول العالم لشرح قضية الكويت العادلة.
وبرزت جهود القيادة الشرعية الكويتية إبان فترة الاحتلال، متمثلة في الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد -رحمه الله- وعمله الدؤوب ومساعيه المتواصلة من خلال مشاركته في المؤتمرات الدولية والتباحث مع قادة الدول حول العالم لتأكيده وإصراره على ضرورة عودة الكويت كما كانت واحة أمن وأمان وسلام واستقرار.
كما كان لولي العهد آنذاك الأمير الوالد، الشيخ سعد العبدالله -رحمه الله-، دور واضح منذ اللحظات الأولى من الغزو مع وزرائه من غرفة العمليات العسكرية بوزارة الدفاع واتخاذه القرار الحاسم بحماية رمز البلاد من خلال إقناع الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بمغادرة قصر دسمان الى السعودية، كما تابع -رحمه الله- أحوال المواطنين داخل الكويت، وأمدهم بالمساعدات المختلفة.
دحر العدوان
وكان تعنّت النظام العراقي وعدم استجابته لتلك الإرادة قد استوجبا تصدي المجتمع الدولي له بكل حزم واقتدار، فكان لابد من اتخاذ القرار الحاسم بدحر هذا العدوان الآثم، وانطلقت عملية عاصفة الصحراء، التي قامت بها قوات التحالف الدولي في 17 يناير 1991، حتى تحررت الكويت في 26 فبراير من العام ذاته.
وبعد تحرير دولة الكويت وافق العراق على قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالغزو بكل ما ترتب عليه من تبعات، وبذلك حسمت تلك القرارات بشكل نهائي كل القضايا ذات الصلة.
وعقب سقوط النظام العراقي السابق شهدت العلاقات الكويتية العراقية نموا تدريجيا، حيث سارعت الكويت الى تقديم المساعدات الانسانية من الأغذية والأدوية للشعب العراقي الشقيق من خلال مراكز المساعدات الانسانية وجمعية الهلال الأحمر الكويتية.
في موازاة ذلك قام عدد من المسؤولين المعنيين من الجانبين بزيارات متبادلة بهدف تطوير العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والبرلمانية والاقتصادية، بما يعود بالنفع على الشعبين الشقيقين.
عهد جديد
ودشن سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد عهداً جديداً أساسه طي الملفات العالقة بين البلدين وترجمة التطمينات إلى أفعال، وهو ما لا يمكن أن يتحقق لولا وجود قيادة سياسية تتمتع بالحنكة البالغة والحكمة السديدة.
خروج العراق من الفصل السابع
لعبت الكويت دوراً كبيراً في الإسراع باتخاذ مجلس الأمن القرار الخاص بخروج العراق من أحكام الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة وتحقيقه مكاسب كبيرة، واستعادته سيادته كاملة غير منقوصة وقوته الاقتصادية في المنطقة، ووطد أيضا العلاقة الأخوية بين البلدين.
جارالله الجارالله يروي بعض ذكرياته
كانت تجربة مريرة وقى الله شرها، وذلك على يد جارالله الجارالله، الذي استفاد من إشرافه على جمعية ضاحية عبدالله السالم في التواصل مع الجنود لأجل رفع أذاهم عن الناس، وعندما علم بخبر اعتقال الشيخ خالد المذكور أثناء فترة الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 سارع بالتوجه إلى مخفر ضاحية عبدالله السالم، وهو أول محطة توقع أن يأخذوه إليها، وبسبب تلك العلاقات أخذ يسير داخل الممرات مسرعاً من دون أن يعترضه أحد، يقول عن ذلك الجارالله «كنت أخشى أن ينتهوا من التحقيق معه، ويأخذوه إلى مكان آخر لا يمكننا الوصول إليه، حيث يغيّرون الاسم، ويخفون هويته حتى ولو كان داخل المستشفى، وقد حدث هذا كثيراً، قمت بفتح أبواب المكاتب الواحد تلو الآخر، فإذا وجدت المكتب مفتوحاً وليس فيه الشخص الذي أبحث عنه انتقلت إلى المكتب التالي، إلى أن وصلت إلى مكتب مغلق بالمفتاح، فتيقنت أنهم يحققون مع د. المذكور في الداخل، بحسب تجاربي السابقة معهم، فقمت بضرب الباب بقبضتي بكل قوة، تجاهلوني لفترة، واصلت القرع بشكل مزعج، لأنني أعلم أنهم مع هذا الإزعاج سيضطرون إلى التوقف عن التحقيق ويفتحون الباب، وبالفعل فتحوا الباب، وكان د. المذكور، والعم فيصل البزيع بالداخل، قلت للضابط، وكان يعرفني جيداً، بعبارة مباشرة: «أبو حيدر، هذا وهذا، أريدهم يطلعون الآن»، لا أدري كيف وقعت كلماتي عليهم، ولكن وجبات الغداء الدسم الذي كنت أحضره لهم بأفضل وأطيب أنواع المأكولات والمشاوي اللذيذة من مطاعم الجمعية كانت بالنسبة لهم عنصراً مهماً يخفف عنهم وطأة العزلة العسكرية وينعشهم، كان هذا هو السبب الوحيد لسكوتهم، ونظرهم إلى بعضهم البعض، ثم قال الضابط لزميله «يستاهل أبو حسن، يا الله، مع السلامة».
بمثل هذا الأسلوب، وبغيره من الطرق، استطاع الجارالله أن يخرج من السجن في فترة الاحتلال 80 شخصاً من أهل الكويت، بعضهم صدر عليهم حكم بالإعدام، وبعضهم أخذ بشكل جماعي، مثلما حدث مع لجنة إدارة الهلال الأحمر الكويتي، حينما أصدر المحتل الغاصب قراراً تعسفياً باعتقالهم من دون مبرر من أي نوع.