العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ

تراجع الدراما السورية في 2014 بسبب الأزمة

قبل انتهاء شهر رمضان المبارك، سلّط فرناند فان تيتس، من العاصمة اللبنانية (بيروت)، الضوء على واقع صناعة الدراما السورية في ظل الحرب الأهلية التي مازال أوارها مشتعلاً منذ أكثر من ثلاث سنوات، وخلّفت وراءها أكثر من 150 ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى، إضافة إلى ملايين من اللاجئين الذين توزّعوا على دول المحيط: الأردن، لبنان، تركيا، العراق، وقليل منهم تم قبوله ضمن حصص لم يتم الالتزام بها في أوروبا الغربية وبعض دول العالم. التقرير الذي نشر في صحيفة «الإندبندنت» يوم الأحد (27 يوليو/ تموز 2014)، أشار إلى أن واقع وظروف الحرب، انحدرت بمجمل الإنتاج الذي بلغ في العام 2010 أكثر من 40 عملاً درامياً، وصولاً إلى 20 عملاً للعام الجاري (2014)، إضافة إلى ما يحدث من تحشيد للمواقف من قبل جهات الإنتاج باتخاذها مواقف من الممثلين الذين لم يتردّدوا في إعلان معارضتهم لنظام بلادهم.

لا تترك الحرب فضاء أو حيّزاً لأي فن يتحرك بحرية وإبداع. تختزل الحرب الحياة، وفي ذلك الاختزال يدخل كل شيء تحت مظلتها. هل ثمة حياة أساساً في ظل الحروب؟ الفن هو الآخر يتم اختزاله تبعاً للمواقف والاصطفافات. مع/ ضد. الممسك بزمام القوة يريد توظيف الفن أيضاً لصالحه، كما يوظف معطيات أخرى.

تلك حرب من نوع آخر. حرب على الحقائق وما يدور على الأرض. يُبرر الفن مثل تلك الحروب في كثير من الأحيان ويسوّق لها. من جانب آخر ثمّة فنانون لا يراوغون في ظل واقع كهذا تفرضه الحرب. لا مكان للمناورة. يحدّدون مواقفهم منها ومن الأطراف التي غذّتها؛ وإن كلّف ذلك رحيلهم عن المكان. وإن دخلوا في عداد اللاجئين؛ وإن في ظروف أقل كارثية وبؤساً. بعض من أولئك يلجأ إلى الأعمال التوفيقية. وأحياناً «لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء». يبحثون عن أعمال تدين من جهة؛ وبالرمز ممارسة هنا، ومواقف هناك. الانتفاضات باتت مُدانة في أعمال كانت تلازمها وتصطف معها في بداية بروزها وانتشارها. صارت اليوم الشرَّ المستطير. البحث عن جمع ووحدة ما تفرّق هو الغالب في المعالجة والتناول «وكفى الله المؤمنين شر القتال» وأحياناً «الفرْجة»!

نقف في موسوعة «ويكيبيديا» على اليسير مما يمكن إضاءته في جانب من تلك الصناعة في جانبها الحاضر والمتميز؛ وخصوصاً تلك التي تركّز في طرح مفاهيمها وقيمها على البيئة الشامية؛ إذ تشير إلى أن «مسلسلات البيئة الشامية، هي نمط شائع في الدراما السورية من المسلسلات التي توثّق حياة دمشق في سورية العثمانية؛ أو بداية مرحلة الانتداب الفرنسي».

من جانبها، قالت الصحافية منار ديب، عن نوعية الأعمال تلك بأنها «عمل أنثربولوجي يغلب عليه الطابع الدرامي، وثّق حياة أهل الشام بدءًا بالمسكن والملبس والمأكل والمشرب؛ وانتهاءً بالعادات والتقاليد ونمط الحياة العامة، وعرف نجاحًا كبيرًا كونه وثق تراثًا قد انقرض أو كاد».

تيتس في تقريره يتتبّع أطراف الدراما السورية من بعيد، ويسلّط الضوء على المستقبلين لتلك الدراما. يقرأ واقعها اليوم وأمس. من العام 2010 وصولاً إلى ما آلت إليه أوضاعها وحركة وكمّ إنتاجها في العام 2014، والذي تراجع إلى النصف تقريباً.

يركّز مسلسل «باب الحارة» على الحياة في دمشق القديمة خلال الانتداب الفرنسي، ويجري تسليط الضوء على ذلك ليس فقط في سورية، ولكن أيضاً في لبنان ومصر وبلدان أخرى. كان المسلسل في أوْجِه يحظى بمتابعة 50 مليون مشاهد. وتأتي الآن عودته وهو يعاني مجموعة من التغييرات طالت المنتج والمخرج، ويكشف ذلك معاناة صناعة السينما السورية على مدى السنوات القليلة الماضية. هذا العام (2014)، انخفض عدد المسلسلات التي تم إنتاجها في سورية إلى 20 عملاً، وهو ما يعادل نصف ما تم إنتاجه في العام 2010.

لقد قسّمت الحرب الأهلية هذه الصناعة. ففي العام 2011، وقّع 300 ممثل على ما أطلق عليه «عريضة الحليب»، مطالبين بتوفير الحليب لأطفال درعا، التي تعدُّ مهدَ الانتفاضة. وردّاً على ذلك، تعهّدت 20 جهة إنتاج بعدم العمل مع أولئك الممثلين مرة أخرى. وتم استبعاد أولئك الذين يعارضون النظام.

قبل الثورة، كانت القنوات الخليجية هي الجهة المستقطبة والمشترية للدراما السورية؛ ولكن المشتريات تلك تراجعت بعد أن خفّضت حكومات بلادها مستوى العلاقات مع دمشق. أدّى ذلك إلى رحيل مئات من الممثلين والمنتجين والكتّاب الذين أصبحوا عاطلين عن العمل. ونتيجة لذلك، يجري دعم الأعمال الدرامية في العالم العربي من قبل السوريين.

حالياً، يتوزّع تصوير الدراما السورية على عاصمتين: القاهرة وأبوظبي، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي الوقت نفسه، لاتزال الصناعة تكافح من أجل البقاء، وإن كان ذلك على نطاق أصغر وضيّق.

تم تدمير أطقم؛ ما اضطر إلى الاعتماد على الإنتاج من مواقع بديلة. وتنامى الإنتاج اللبناني السوري المشترك. وقد سمح هذا التعاون للسوريين بالتفكير في الوضع من دون تدخل من الدولة.

الكاتب السوري المقيم في لبنان حالياً، رافي وهبي، يقول، بأنه يسمح له بالتحرّك لإنجاز أحدث سلسلة من أعماله، «حلاوة الروح»، وتحكي قصة صحافي من لبنان تم اختطافه من قبل الجهاديين في سورية. النظام والمعارضة وحتى الجهاديين، يتم تناولهم في صبغة إنسانية ونقدية. لا يتم بث المسلسل في سورية، وهذا ما يتيح لوهبي نوعاً من الحرية الخلاّقة.

وقال وهبي: «بالنسبة إلى مسيرتي المهنية، لاشك أنها قد تطوّرت في العامين الماضيين إلى حد كبير نظراً إلى كونها قادرة على التمتع بحرية أكبر في الكتابة بعيداً عن الرقابة».

وعلى رغم أن عدداً من المسلسلات التي أنتجت في سورية تخضع لرقابة الحكومة، إلا أنها ظلّت لفترة طويلة وسيلة لبث الانتقادات في البلاد. الآن يحاول الوسط الفني إيجاد وسيلة للتعامل مع الاضطرابات.

في السنوات القليلة الماضية، تناول عدد من الأعمال الدرامية الاضطراب السياسي؛ فضلاً عن الآثار المترتبة على كون المرء لاجئاً. تم إنتاج العديد من تلك المسلسلات في الجانب الآمن من لبنان. ولكن في سورية، يتم تناول مثل هذه القضايا أيضاً. واحد من الأعمال الدرامية يركّز هذا العام على القرار التي يواجهه عديد من السوريين، والمتعلق بـ «هل ينبغي عليهم البقاء أم الرحيل».

من ناحيتها، تقول أستاذة الدراسات العربية في كلية ديفيدسون بولاية كارولينا الشمالية، ريبيكا جوبين، بأنه يتم تصوير العديد من الأعمال في القاهرة ومن جهتي «أنا لا أسمّيها مسلسلات، وخصوصاً الآن، وهناك تفسير تاريخي».

وتشير إلى تضحيات، ومسلسلات جديدة هي في واقعها حاسمة للغاية في نقدها الحكومة. «في العام الماضي كانت المسلسلات تتحدّث عن الخداع الكامن في الانتفاضة، لكنها لم تكن على استعداد للحديث عن المعارضة السياسية».

وكما تستعيد الحكومة قبضتها على السلطة، حذت المسلسلات السورية إلى حد كبير حذوها. الدراما التاريخية لاتزال تحظى بشعبية، ولكنها متماهية الآن مع الخط الرسمي.

ولقد لاحظ المشاهدون أن «باب الحارة»، كانت دراما سياسية في المقام الأول. وقال سعيد غادي (32 عاماً)، وأحد المعجبين بالدراما المذكورة «العمل يحاول إرسال رسالة. قبل ذلك كان يتناول موضوع المعارضة، أما الآن فإنه يركّز فقط على الوحدة السورية».

العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً