أكادُ لا أصدق هذهِ الثقة المفرطة، وهذا الاستسهال المجاني، في مسألة الكتابة الشعرية لدى مَنْ يطلقون على أنفسهم «شعراء»، على اختلاف انتماءاتهم، سواءً أكانوا حداثيين أم تقليديين بالمعنى الشكلي للكلمة (شعراء نثر أو شعراء على الوزن والقافية).
في العالم العربي، على مدى عقود فائتة وحتى الآن، كُتبت ملايين النصوص الشعرية، طُبعتْ ونُشرتْ آلاف الدواوين، وماذا بعدُ؟ ما الذي بقي على المستوى النوعي؟ كم هي نسبته؟ بصرف النظر عن هذا الكم الضخم مما نشر وينشر، ومما قيل ويقال طيلة الفترات الماضية والحاضرة.
من أينَ لهؤلاء كل هذه الوثوقية المطلقة في أنَّ ما يكتبونه يمكنُ أن يُسمى «شعراً»؟ كيف فهموا وتخيلوا مفهوم الشعر في دواخل عقولهم وبواطن نفوسهم؟ هل للمناهج المدرسية والجامعية دورٌ في التأسيس لانحدارٍ كهذا الذي نشهدهُ، على صعيد الرؤية الشعرية وعلى صعيد الممارسة أيضاً؟ هل البُعد الإعلامي يلعب دوراً هو الآخر في تسطيح مفهومات الشعر وتسليع الحالة الثقافية بوجه عام والحالة الشعرية بوجه خاص؟ كمثل بعض البرامج التلفزيونية العربية الربحية.
يقول لي أحدُهم: ليسَ مهماً أن يصل الشعر إلى الشكلِ الذي يتميز بالإبداعِ والإضافة والفرادة، المهم أن يخدم الشعر قضيتي، دينيةً كانت أم سياسيةً. المهم أنْ يبشر بالأيديولوجية التي أؤمن بها، ويسعى إلى الإخلاص والولاء والدفاع عنها. المهم أن أخدم مجتمعي، قوميتي، طائفتي، أفكاري... إلخ بما أملك من مواهب، مهما كانت متواضعة، مهما كانت زائفة. أياً يكن، فالمهم هو كيف أوظف الشعر في التسويق للمعتقد، إذا جاز التعبير.
إذاً، هو يقول لي ضمناً، لا دور لذات الشاعر الخلاقة في هذه الرؤية التي يصدر عنها، لا مكان للرغبة والصبوة والمخيلة والجنون والتمرد وقدرة اللغة الشعرية على التفجر الدلالي والإيحائي. فهذه كلها مسائل ثانوية وهامشية عند المتاجرين بالشعر سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، والشعر حين يدخل في سياق الاستهلاك التجاري والإعلامي يصبح بلا قيمة، وبلا هوية، وبلا ملامح، ويتحول إلى سلعة رخيصة.
ثم فلنقرأ، قراءةً نقديةً إبداعيةً فاحصةً، كلَّ هذه النصوص الاستهلاكية المسماة شعراً بصورة لا معرفية، كل هذا الطنين المؤدلج، كلَّ هذا اللغو الذي يتغطى ويتستر بالشعر على مستوى الظاهر؛ لكنه -من وجهة نظري- لا يشبه الشعر في الجوهر، ولا يمت له بصلة من قريبٍ ولا بعيد. إنه، في العمق، شكلٌ ممسوخ من الشعر. إنه بالأحرى، مسخٌ لغويٌ، لا جمال في ملامحه ولا دهشة.
حين قال المتنبي العظيم: وما الدهرُ إلا مِن رُواةِ قصائدي/ إذا قلتُ شعراً أصبحَ الدهرُ مُنشدا. صدّقه الجميع، صدّقه حتى الدهر نفسه، صدّقه وأذعن لرؤياه.
ما السرُّ في هذه النبوئية العالية، في هذه اللغة الشاعرية الطاغية، في هذه الذات المتألهة المطمئنة إلى إبداعها، أين يكمنُ السرُّ يا ترى؟
لا أحب التمجيد والتضخيم من شأن أحدٍ، أياً كان. ولكنَّ الذي أحدسه بأنَّ المتنبي من أعظم الشعراء المبدعين في التاريخ الإنساني.
وهذا يكمن، أساسياً، في مستوى قدرة اللغة الشعرية، في عظمة الموسيقى الشعرية المتدفقة داخلياً وخارجياً، في هذه المعرفة العميقة بأسرار اللغة العربية للمتنبي، في التمثل على نحوٍ صادق ومبدع برغبات وشطحات وتطلعات النفس البشرية. على العكس من ذلك ،أيُّ كتابة إبداعيةٍ تتخلى عن ذاتيتها، وتتخلى عن الصدق مع هذه الذات، ولا تحفر وتستقصي عميقاً في ذاتها وفي العالم وفي الكون، وتخضع لعناصر الموضوع الخارجي وآلياته، وتفتقر إلى اتساع ثقافتها الشعرية والحياتية وعمقهما هي كتابة تخلت عن شروط الإبداع الأولية.
هذا ما يحدث تماماً عند متصنعي كتابة الشعر، ولا فرق حينئذٍ بين من يكتب على النمط الحديث أو القديم، كلاهما يسقط في هوة «التنميط»، بحيث تصبح كل القصائد التي تُكتب على هذا القالب أو ذاك وكأنها قصيدة ذات ملامح متشابهة على مستوى الرؤيا واللغة الشعريتين.
ومن هنا تحمل كلَّ مواصفات الاستهلاك والتسويق وتقنيات العرض والطلب، والتجارة، وهي من دون أدنى شكٍ تجارةٌ خاسرة عاجلاً أم آجلاً.
العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ
ماذا عن الصحافة الصماء
اتحداك ان تكون سمعت عن شاعر بحريني اسمه....هذا وقط طبع مايربو 13 ديوانا مبدعا .. ليس من نمط الاستخفاف ان قلت انه قد قل نظيره في الوطن العربي .. اليك بعضا مما أبدع
قالت أحبك لا تجادل في الهوى قلت ابتدت وافرحتي مأساتي
إني مسيح العشق في عصر مضى فيه انتهت لا تسألي غاياتي
تتهافت الأحزان من معزوفتي وتظل عن عزف الهوى ناياتي
ابحث عنه واقرأ دواوينه وستنبهر من خلطة نزار في شعره والمتنبي في جزء اخر وأحمد مطر ولكن بإسلوب يبهرك
عمي أيوب البطل
ليس مهما أن تكون شاعرا موهوبا. ..المهم يكون لك أب يزكيك ،...يسوق لك طائفيا .. عرقيا .. ايدلوجيا