العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ

الخلاف بشأن تأسيس العاصمة التجارية في موقع قلعة البحرين

كانت قرية القلعة قبل أكثر من مئة عام مشهورة بسوقها التي تقام كل يوم اثنين، والتي كانت تقام جنوب قلعة البحرين الحالية. وكانت لهذه السوق شهرة، تماماً كشهرة سوق الخميس التي كان تقام بالقرب من المشهد أي مسجد الخميس. وقد ورد ذكر سوق الاثنين في دليل الخليج للوريمر، حيث جاء فيه:

«ويجلب الإنتاج الزراعي للسوق يومياً في سوق المنامة، وأسبوعياً إلى سوق الخميس (في أيام الخميس) وإلى مكان بالقرب من قلعة العجاج (في أيام الاثنين)» (Lorimer 1908, V.2, p. 242).

وقبل قرابة 900 عام، أي قبل أن تأسس قرية القلعة القديمة، أقيم في موقع قلعة البحرين حصن صغير تحول لاحقاً إلى مصنع دبس ضخم، وبني بالقرب منه مدينة مسورة يمكن اعتبارها أول عاصمة تجارية تقام في أوال في الحقبة الإسلامية. إلا أن هناك خلافاً حول تاريخ تأسيس هذه المدينة، وسوف نحاول هنا تلخيص أهم الخلافات حول تأسيس هذه المدينة.

التنقيب في موقع رأس القلعة الأثري

من أهم المواقع الأثرية في البحرين موقع رأس القلعة الذي يقع ضمن حدود قرية القلعة الحديثة. وأهم هذه الآثار مدفونة تحت هضبة كبيرة عرفت بهضبة قلعة البحرين. وتشكل هذه الآثار ست طبقات للاستيطان متتالية فوق بعضها البعض، ويحيط بها سور ضخم، ويبلغ طول هذا السور من الشرق إلى الغرب قرابة 700 متراً، وطوله من الشمال إلى الجنوب قرابة 400 متراً، ويبلغ ارتفاع الهضبة نحو 8 أمتار (Hojlund 1999). ولقد تمكن علماء الآثار من خلال دراسة الطبقات ومقارنة الفخار المكتشف بفخار وادي الرافدين وغيرها من الحضارات، من تمييز ست طبقات استيطانية تعود لحقب تاريخية مختلفة. وقد أطلق على كل طبقة استيطان مسمى «مدينة»؛ وبالتالي فلدينا ست مدن توجد تحت هضبة قلعة البحرين بالإضافة لقلعة البحرين التي بنيت فوق هذه الهضبة. أربع من تلك المدن تعود للحقب الدلمونية، ومنها ما يحتوي على قصر لملك دلمون وما يحيط به من مبان إدارية. أما المدينتين الأخرتين، فالأولى تعود للحقبة الهلنستية والثانية تعود للحقب الإسلامية.

وقد نقبت البعثة الدنماركية في هذا الموقع وقد نشرت نتائج التنقيب في ثلاث كتب أساسية هي (Hojlund and Andersen 1994) و (Hojlund and Andersen 1997) و (Frifelt 2001). هذه الكتب تشير لوجود ست مدن في موقع رأس القلعة وتحدد لكل مدينة تاريخ استيطان معين هي كالتالي: المدينة الأولى (2300 – 2100 ق.م.)، المدينة الثانية (2100 – 1600 ق.م.)، المدينة الثالثة (1600 – 1000 ق.م.)، المدينة الرابعة (1000 – 400 ق.م.)، المدينة الخامسة (400 – 200 ق.م.). أما المدينة السادسة، وهي المدينة الإسلامية، فقد بدأ البناء فيها منذ القرن الحادي عشر واستمرت حتى القرن السادس عشر. وتتكون هذه المدينة الإسلامية من حصن يقع على ساحل البحر مباشرة، ومن مدينة مسورة بها سوق مركزية ومسجد ومبان أخرى مختلفة ولها مقبرة.

هذا وقد وقع خلاف بين البعثة الدنماركية والبعثة الفرنسية التي تلت البعثة الدنماركية في التنقيب في موقع قلعة البحرين. وقد قدمت البعثة الفرنسية نتائجها النهائية للتنقيب في هذا الموقع في كتاب نشر في العام 2005م وذلك في كتاب (Kervran et. al. 2005). فأما الخلاف الذي وقع بين البعثتين فقد كان حول تاريخ بناء المدينة الإسلامية؛ حيث ترى البعثة الفرنسية أن الحصن بني في بداية الحقبة الساسانية (أي قبل الإسلام)، ثم تم ترميمه في نهاية القرن الثاني عشر. كذلك، ترى البعثة الفرنسية أن المدينة الإسلامية بنيت في القرن الثالث عشر. وقد قام Hojlund من البعثة الدنماركية بالرد على هذه المزاعم ومؤكداً على تواريخ البعثة الدنماركية مستعيناً بدراسة الفخار ومقارنته (Hojlund 2006).

في واقع الأمر يبدو أن الإطار التاريخي الذي حددته البعثة الدنماركية للمدينة الإسلامية في موقع قلعة البحرين أكثر مصداقية؛ فهو أكثر تلاؤماً مع المعطيات التاريخية والمكتشفات الآثارية اللاحقة. بينما الإطار التاريخي الذي حددته البعثة الفرنسية لهذه المدينة ضيق الأفق. ولكي نوضح هذه النقطة سوف نقوم بإعادة بناء هذا الإطار التاريخي مستعينين بالمستجدات التاريخية.

الحصن: أضخم مصنع لإنتاج الدبس

إن أقدم بناء إسلامي في موقع رأس القلعة هو الحصن الإسلامي الذي لم يتبقى منه إلا آثار أساساته. في تقريرها الأولي حول هذا الحصن، ترجح Kervran أن هذا الحصن بني في الحقبة القرمطية؛ فقد كانت هناك حاجة ماسة لتحصين جزيرة البحرين ضد الغزو الخارجي (Kervran et. al. 1982, p. 74). إلا أنها في تقريرها النهائي حول هذا الحصن أرجعت بنائه للحقبة الساسانية، وإعادة ترميمه في النصف الثاني من القرن الثالث عشر (Kervran et. al. 2005). وتتفق Frifelt، من البعثة الدنماركية، مع Kervran ولكن في تقريها القديم، أي أن الحصن بني في القرن الحادي عشر الميلادي أو ربما في نهاية القرن العاشر، حيث أن أقدم فخار عثر عليه في الحصن يمكن أن يعود للقرن الحادي عشر/ الثاني عشر الميلادي (Frifelt 2001, p. 35).

وترى Frifelt أنه بعد زوال السيطرة القرمطية من البحرين، تم ترميم الحصن الإسلامي وتحويله لمركز تجاري، يضم عدداً من الغرف، ربما لأغراض إدارية، بالإضافة لتسع غرف حولت إلى مدابس (مصانع الدبس). ويبلغ مساحة سطح هذه المدابس مجتمعة قرابة 223 متر مربع، أي أنها تستوعب لقرابة 332000 كجم من التمر والذي ينتج قرابة 14900 كجم من الدبس (Kervran et. al. 1982, p. 289, footnote 11). أي أن الحصن تحول إلى مصنع ضخم لإنتاج الدبس.

بناء المدينة المسورة

ترى Frifelt أنه في نفس الفترة التي تم فيها إعادة ترميم الحصن، أي في القرن الثاني عشر الميلادي، بني بالقرب منه مدينة ضخمة مسورة، بها سوق مركزية، ومسجد وعدة مبانٍ سكنية. بينما ترى البعثة الفرنسية أن هذه المدينة / القرية الإسلامية قد بنيت في بداية القرن الرابع عشر، إبان السيطرة السلغرية، متجاهلة في ذلك الحقبة الممتدة من طرد القرامطة وحتى بداية السيطرة السلغرية (Kervran et. al. 2005, p. 329). في الواقع أن البعثة الفرنسية تؤكد في تقريها عدم وجود آثار في منطقة رأس القلعة تعود للحقبة 400 م – 1250 م (Kervran et. al. 2005, p. 283). بينما الدراسات الأخرى تشير لوجود آثار تشمل حقب زمنية مبكرة، فمنها ما يعود لنهاية حقبة السيطرة القرمطية وحقبة الدولة العيونية وهذا ما يجعلنا نرجح صحة نتائج البعثة الدنماركية التي تعطي تاريخ تأسيس هذه المدينة في قرابة القرن الثاني عشر. وبالإضافة للفخار الذي عثر عليه في هذه المدينة، عثر أيضاً، في هذه المنطقة ومناطق أخرى في البحرين، على عددٍ من العملات النقدية التي ضربت في البحرين بصورة عامة وفي جزيرة أوال بصورة خاصة.

دار سك العملة في البحرين

تؤكد عدد من الدراسات على وجود دار لسك العملة في البحرين أستخدم فيها معدني البرونز والرصاص في سك العملة، وذلك منذ القرن الثامن الميلادي، وقد تم توارث هذه الصنعة من قبل القوى السياسية المختلفة التي سيطرت على البحرينLowick 1974), (Lowick 1982) (Negre 1982 (الشرعان 2002). وبلا شك فإن هذه الدراسات تعطي إطاراً تاريخياً ليس فقط لهذه المدينة التجارية التي أسست في قلعة البحرين بل للتطور التجاري لجزيرة أوال بصورة عامة. يتبع.

العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً